الأحد، 4 سبتمبر 2022

فضل العلم وآدابه من كتاب "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لابن حبان

 

 

 

 

 

فضل العلم وآدابه

منتقى من كتاب "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لابن حبان البستي

 

 

 

جمع وترتيب/ عبداللطيف بن محمد البلوشي

Boeyas236@gmail.com

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم رسله وعلى آله وصحبه

فهذا انتخاب لما جاء ذكره في شأن العلم وفضله وجملة من آداب حملته، من هذا الكتاب القيم (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للعالم الجليل أبي حاتم محمد بن حبان البستي) وقد قمت بترقيم الحكم والأقوال، وجمعت وضممت ما تناثر مما له صلة بموضوع العلم، ووضعت عناوين لها، ابتداء بفضائل العلم ثم آداب في طلب العلم، ووصايا أخرى، واللهَ تعالى أسأل أن ينفع بها.

 


 

فضل طلب العلم

1.عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بن عسال المرادى فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أَنْبُطُ الْعِلْمَ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ. (ص:33)

2.قال أَبُو حاتم: الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته أن يثني بطلب العلم والمداومة عَلَيْهِ؛ إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه وحكم العاقل أن لا يقصر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضا بصنيعه ذلك.

3.وأنشدني الأبرش:

تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عَلَيْهِ المحافل

4.عن وهيب بن منيه يقول: من تعلم علما في حق وسنة لم يذهب اللَّه بعقله أبدا.

5.عَن الحسن قَالَ: لأن يتعلم الرجل بابا من العلم فيعبد به ربه فهو خير له من أن لو كانت الدنيا من أولها إلى آخرها له فوضعها في الآخرة.

6.قال سُفْيَان الثوري: أول العبادة الصمت ثم طلب العلم ثم العمل به ثم حفظه ثم نشره. (ص: 43)

7.قال أبو حاتم: والعلم له أول وآخر كما جاء عن سُفْيَان يقول: أول العلم الإنصات ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل به ثم النشر.

8.أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي:

إن المكارم أبواب مصنفة ... فالعقل أولها والصمت ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والصدق ساديها

والصبر سابعها والشكر ثامنها ... واللين تاسعها والصدق عاشيها 

(ص: 24)

9.قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه: صرحت السنة عَن المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بأن كل راع مسئول عَن رعيته، فالواجب على كل من كان راعيا لزوم التعاهد لرعيته، فرعاة الناس العلماء، وراعي الملوك العقل، وراعي الصالحين تقواهم، وراعي المتعلم معلمه، وراعي الولد والده، كما أن حارس المرأة زوجها، وحارس العبد مولاه، وكل راع من الناس مسئول عَن رعيته. (ص: 268)

10.قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه: لا يستحق أحد اسم الرياسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل والعلم والمنطق.

ثم يتعرى عَن ستة أشياء: عَن الحدة والعجلة والحسد والهوى والكذب وترك المشاورة،

ثم ليلزم في سياسته على دائم الأوقات ثلاثة أشياء: الرفق في في الأمور والصبر على الأشياء وطول الصمت. (ص: 272)

11.وأنشدني محمد بن عبد الله بْن زنجي البغدادي:

وفي العلم والإسلام للمرء وازع ... وفي ترك طاعات الفؤاء المتيم

بصائر رشد للفتى مستبينة ... وإخلاص صدق علمها بالتعلم

 

تقديم العلم على المال:

12.عن المعتمر بْن سليمان قَالَ: كتب إلي أَبِي وأنا بالكوفة: اشتر الصحف واكتب العلم فإن المال يفنى والعلم يبقى.

 


 

آداب طالب العلم:

13.لقد أحسن الذي يقول:

وليس بمنسوب إلى العلم والنهى ... فتى لا ترى فيه خلائق أربع

فواحدة تقوى الإله التي بها ... ينال جسيم الخير والفضل أجمع

وثانية صدق الحياء فإنه ... طباع عَلَيْهِ ذو المرؤة يطبع

وثالثة حلم إذا الجهل أطلعت ... إليه خبايا من فجور تسرع

ورابعة جود بملك يمينه ... إذا نابه الحق الذي ليس يدفع ... (ص: 56)

 

التؤدة والوقار:

14.عن الشعبي قال: ياطلاب العلم لا تطلبوا العلم بسفاهة وطيش، اطلبوه بسكينة ووقار وتؤدة.

 

العقل والنسك:

15.قَالَ الشعبي: إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنسك، فإن كان عاقلا ولم يك ناسكا قِيلَ هذا أمر لا يناله إلا النساك فلم يطلبه، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قِيلَ هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلم يطلبه، قَالَ الشعبي: فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما لا عقل ولا نسك.

 

الصدق والإخلاص:

16.قال أَبُو حاتم: العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا؛ لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره لأن المتبغي من الأشياء كلها نفعها لا نفسها، والعلم ونفس العلم شيئان، فمن أعضى عَن نفعه لم ينتفع بنفسه وكان كالذي يأكل ولا يشبع.

 

إنما العلم الخشية:

17.وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرَّوِايَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ.

18.وعن مالك يقول: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية.

19.عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه للناس ثمانية عشر كَلِمَةً كَلُّهَا حِكَمٌ قَالَ: مَا كَافَأْتَ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ، وَضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ، وَلا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ مُسْلِمٍ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلا، وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلتُّهْمَةِ فَلا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ، وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يَدَيْهِ، وَعَلَيْكَ بإخوان الصدق فعش فِي أَكْنَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ زِينَةٌ فِي الرَّخَاءِ وَعُدَّةٌ فِي الْبَلاءِ، وَعَلَيْكَ بِالصِّدْقِ وَإِنْ قَتَلَكَ الصِّدْقُ، وَلا تَعْرِضْ لِمَا لا يَعْنِيكَ، وَلا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ فِيمَا كَانَ شُغْلا عَمَّا لَمْ يَكُنْ، وَلا تَطْلُبَنَّ حَاجَتَكَ إِلَى مَنْ لا يُحِبُّ لَكَ نَجَاحَهَا، وَلا تَصْحَبَنَّ الْفَاجِرَ فَتَعْلَمَ فُجُورَهُ، وَاعْتَزِلْ عَدُّوَكَ وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ إِلا الأَمِينَ وَلا أَمِينَ إِلا مَنْ خشي الله، وتخشع عند القول وَذَلَّ عِنْدَ الطَّاعَةِ وَاعْتَصَمَ عِنْدَ المعصية، واستشر في أمرك الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (ص: 89)

 

الهمة والطبع الجيد واجتناب المعاصي:

20.قال أَبُو حاتم: اقتناء المرء عمره بكثرة الأسفار ومباينة الأهل والأوطان في طلب العلم دون العمل به أو الحفظ له ليس من شيم العقلاء ولا من زي الألباء، وإن من أجرد مَا يستعين المرء به على الحفظ الطبع الجيد مع الهمة واجتناب المعاصي.

21.وأنشدني الأبرش:

نعم عون الفتى الطلوب لعلم ... أو لبعض العقول صحة طبع

فإذا الطبع فاته بطل العلم ... وصار العناء في غير نفع

22.عن وكيع يقول: استعينوا على الحفظ بترك المعصية.

 

الزهد والورع وعدم الركون إلى الدنيا:

23.قَالَ الحسن: من أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه، ومن أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من اللَّه إلا حدا ولم يزدد من اللَّه إلا بغضا .

حَدَّثَنَا أَبُو العوام أن إِبْرَاهِيم سمع صوت هاتف وهو يقول:

يا طالب العلم باشر الورعا ... وباين النوم واهجر الشبعا

ماضر عبدا صحت إرادته ... أجاع يوما في الله أو شبعا 

ماضر عبدا صحت عزائمه ... أين من الأرض أينما صقعا

ما طمعت نفس عابد فنوى ... سؤال قوم إلا لهم خضعا

يا أيها الناس مَا لعالمكم ... في بحر ماء الملوك قد كرعا

يا أيها الناس أنتم زرع ... يحصده الموت كلما طلعا

24.عَن سُفْيَان الثوري قَالَ: العالم طبيب الدين والدرهم داء الدين، فإذا اجتر الطبيب الداء إلى نفسه فمتى يداوي غيره .

25.قال مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه العراقي:

عنوا يطلبون العلم في كل بلدة ... شبابا فلما حصلوه وحشروا

وصح لهم إسناده وأصوله ... وصاروا شيوخا ضيعوه وأدبروا

ومالوا على الدنيا فهم يحلبونها ... بأخلافها مفتوحها لا يصرر

فيا علماء السوء أين عقولكم ... وأين الحديث المسند المتخير

26.عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البعلبكي قَالَ سمعت عمي مُحَمَّد بْن زيد قَالَ: كنت مع ابن المبارك ببغداد فرأى إِسْمَاعِيل ابن علية راكبا بغله على باب السلطان، فأنشأ يقول:

يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال السلاطين

لا تبع الدين بدنيا كما ... بفعل ضلال الرهابين

احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين

وصرت مجنونا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين

ففكر الناس جميعا بأن ... زل حمار العلم في الطين

27.عن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه التستري قَالَ: لما ولي ابن علية صدقات الإبل والغنم بالبصرة كتب إليه ابن المبارك كتابا وكتب في أسفله:

يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين

يا فاضح العلم ومن كان ذا ... لب ومن عاب السلاطين

أين رواياتك في سردها ... عَن ابن عون وابن سيرين

وزاد غير أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه:

إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حمار العلم في الطين

فلما قرأ ابن علية الكتاب بكى، ثم كتب جوابه وكتب في أسفله:

أف لدنيا أبت تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني

عيني لحيني تدير مقلتها ... تطلب مَا سرها لترديني

 

ذم العالم التذلل لأهل الدنيا:

ولا يجب أن يكون متأملا في سعيه الدنو من السلاطين أو نوال الدنيا به فما أقبح بالعالم التذلل لأهل الدنيا

28.عن الفضيل بْن عياض يقول: مَا أقبح بالعالم يؤتى الى منزله فيقال: أين العالم؟ فيقال: عند الأمير. أين العالم؟ فيقال: عند القاضي، مَا للعالم وما للقاضي؟ وما للعالم وما للأمير؟ ينبغي للعالم أن يكون في مسجده يقرأ في مصحفه.

 

ذم الحرص للعالم:

29.عن المبارك بْن سَعِيد الثوري قَالَ: كان يقال خمس خلال هن أقبح شيء بمن كن فيه: الحدة في السلطان، والكبر في ذي الحسب، والبخل في الغنى، والحرص في العالم، والفتوة في الشيخ. (ص: 275)

 

البشاشة إدام العلماء:

30.قال أَبُو حاتم: البشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء، لأن البشر يطفيء نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي، ومن بش للناس وجها لم يكن عندهم بدون الباذل لهم مَا يملك. (ص: 75)

 

الحلم لباس العلم:

31.عن ابن وهب عَن عمرو بْن الحارث أن رجلا كتب إلى أخ له: اعلم أن الحلم لباس العلم فلا تعرين منه. (ص: 210)

32.قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه: مَا ضم شيء إلى شيء هو أحسن من حلم إلى علم، وما عدم شيء في شيء هو أوحش من عدم الحلم في العالم، ولو كان للحلم أبوان لكان أحدهما العقل والآخر الصمت، وربما يدفع العاقل الى الوقت بعد الوقت إلى من لا يرضيه عنه الحلم ولا يقنعه عنه الصفح فحينئذ يحتاج إلى سفيه ينتصر له لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم. (ص: 213)

 

العلم بالتعلم:

33.عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَوَخَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ. (ص: 210)

 

حفظ العلم:

34.عن محمد ابن بشير الخزاعي يقول:

أما لو أعي كل مَا أسمع ... وأحفظ من ذاك مَا أجمع

ولم أستفد غير مَا قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع

ولكن نفس إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع

وأحضر بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع

فلا أنا أحفظ مَا قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع

ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع

إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع

35.وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه المؤدب:

جامع العلم تراه أبدا ... غير ذي حفظ ولكن ذا غلط

وتراه حسن الخط إذا ... كتب الخط بصيرا بالنقط

فإذا فتشته عَن علمه ... قَالَ علمي يا خليلي في السفط

في كراريس جياد أحكمت ... وبخط أي خط أي خط

فإذا قلت له هات لنا ... حك لحيته جميعا وامتخط

 

اصطحاب أدوات العلم:

36.عن شريك يقول: ذل الدنيا خمسة: دخول الحمام سحرا بلا كرنيب، وعبور المعبر بلا قطعة، وحضور مجلس العلم بلا نسخة، وحاجة الشريف إلى الدني، وحاجة الرجل إلى امرأته. (ص: 234)

 

حسن المسألة نصف العلم:

37.عَن ميمون بْن مهران قَالَ: التودد إلى الناس نصف العقل وحسن المسألة نصف العلم واقتصادك في معيشتك يلقي عنك نصف المؤونة . (ص: 65)

 

العمل بالعلم:

38.قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لا تَكُونُ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ مُتَعَلِّمًا، وَلا تَكُونُ بِالْعِلْمِ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلا.

39.قال أَبُو حاتم: العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصده العمل به؛ لأن من سعى فيه لغير مَا وصفنا ازداد فخرا وتجبرا وللعمل تركا وتضييعا، فيكون فساده في المتأسين به فيه أكثر من فساده في نفسه ويكون مثله كما قَالَ اللَّه تعالى {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ألا ساء ما يزرون}

40.عن الفضيل بْن عياض يقول: في جهنم أرحية تطحن العلماء طحنا، فقيل: من هؤلاء؟ قَالَ: قوم علموا فلم يعملوا .

41.عَن مالك بْن دينار قَالَ: إذا طلب الرجل العلم ليعمل به سره علمه، وإذا طلب العلم لغير أن يعمل به زاده علمه فخرا.

 

زكاة العلم:

42.قال أَبُو حاتم: الواجب على العاقل مجانبة مَا يدنس علمه من أسباب هذه الدنيا مع القصد في لزوم العمل بما قدر عَلَيْهِ، ولو استعمال خمسة أحاديث من كل مائتي حديث فيكون كأنه قد أدى زكاة العلم، فمن عجز عَن العمل بما جمع من العلم فلا يجب أن يعجز عَن حفظه.

 

 

 

 

بذل العلم ونشره:

43.قال أَبُو حاتم: يجب على العاقل أن لا يطلب من العلم إلا أفضله؛ لأن الازدياد من العلم آثر عند العاقل من الذكر بالعلم، والعلم زين في الرخاء ومنجاة في الشدة، ومن تعلم ازداد كما أن من حلم ساد، وفضل العلم في غير خير مهلكة، كما أن كثرة الأدب في غير رضوان اللَّه موبقة، والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعا في الدارين معا، وإذا رزق منه الحظ لا يبخل بالإفادة؛ لأن أول بركة العلم الإفادة، وما رأيت أحدا قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض مَا لم ينبع ولا بالذهب الأحمر مَا لم يستخرج من معدنه ولا باللؤلؤ النفيس مَا لم يخرج من بحره، كذلك لا ينتفع بالعلم مَا دام مكنونا لا ينشر ولا يفاد.

44.عن ابن المبارك يقول: من بخل بالحديث يبتلى بإحدى ثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه أو ينسى أو يبتلى بالسلطان.

45.قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلا خَيْرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ.

46.وأنشدني الكريزي:

أفد العلم ولا تبخل به ... وإلى علمك علما فاستفد

استفد مَا استطعت من علم وكن ... عاملا بالعلم والناس أفد

من يفدهم يجزه اللَّه به ... وسيغني اللَّه عمن لم يفد

ليس من نافس فيه عاجزا ... إنما العاجز من لا يجتهد

 

صحبة أهل العلم:

47.قال أَبُو حاتم: رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يواخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق الحسنة ذا عقل نشأ مع الصالحين؛ لأن صحبة بليد نشأ مع العقلاء خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال. (ص: 89)

48.وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي لابن أَبِي اللقيش:

إن كنت تبغي العلم أو نحوه ... أو شاهدا يخبر عَن غائب

فاعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب (ص: 110)

عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: جَالِسُوا الْكُبَرَاءَ وَخَالِطُوا الْحُكَمَاءَ وَسَائِلُوا الْعُلَمَاءَ. (ص: 176)

 

ذم الانشغال بغير علم الكتاب والسنة:

49.عن عَبْد اللَّه بْن المبارك قَالَ: كتب حكيم من الحكماء ثلاثين صحيفة حكم، فأوحى اللَّه إليه: إنك قد ملأت الأرض نفاقا وإن الله لم يتقبل شيئا من نفاقك.

 

تعلم النحو والفصاحة:

50.قَالَ أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه: الكلام مثل اللؤلؤ الأزهر والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر إلا أن بعضه أفضل من بعض، ومنه مَا يكون مثل الخزف والحجر والتراب والمدر، وأحوج الناس إلى لزوم الأدب وتعلم الفصاحة أهل العلم؛ لكثرة قراءتهم الأحاديث وخوضهم في أنواع العلوم. (ص: 223)

51.عن الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَذِبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" لأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَكُنْ لَحَّانًا وَلَمْ يَلْحَنْ فِي حَدَيثِهِ فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ. (ص: 223)

 

ترك الجدال والمراء:

52.عَن وهب بْن منبه أنه قال: يا بني لا تجادلن العلماء فتهون عليهم فيرفضوك، ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك؛ فإنه يلحق بالعلماء من صبر ورأى رأيهم وينجو من السفهاء، من صمت وسكت عنهم، ولا تحسبن أنك إذا ماريت الفقيه إلا زدته غيظا دائبا، ولا تحمين من قليل تسمعه فيوقعك في كثير تكرهه، ولا تفضح نفسك لتشفي غيظك؛ فإن جهل عليك جاهل فلينفعن إياك حلمك، وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك فما أجرك وما فضلك على غيرك، فإذا أردت الفضيلة فأحسن إلى من أساء إليك واعف عمن ظلمك وانفع من لم ينفعك، وانتظر ثواب ذلك من قبل الله، فإن الحسنة الكاملة التي لا يريد صاحبها عليها ثوابا في الدنيا. (ص: 211)

 

 

 

خاتمة الوصايا:

53.عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ أَنْ يَذْهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَتَى يفتقر أو يفتقر إليه عِنْدَهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ.

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

ملحوظة: ترقيم الصفحات موافقة لطبعة المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد من نشر دار الكتب العلمية ببيروت

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق