الأربعاء، 16 أغسطس 2017

أسئلة في تفسير آيات الأحكام


بسم الله الرحمن الرحيم
أسئلة في تفسير آيات الأحكام *

أولاً: آيات الحدود:
 1- حد القصاص .
1) قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) سورة البقرة.
1.    ما سبب نزول الآية ؟
قَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَ بِعَبْدٍ إلَّا حُرًّا، وَبِوَضِيعٍ إلَّا شَرِيفًا، وَبِامْرَأَةٍ إلَّا رَجُلًا ذَكَرًا، وَيَقُولُونَ: الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ، فَرَدَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ.
2.    ما معنى قوله: ( كتب ) ؟
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَعْنَى {كُتِبَ}: فُرِضَ وَأُلْزِمَ. وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَالْقِصَاصُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِخِيرَةِ الْوَلِيِّ؛
وَمَعْنَى ذَلِكَ كُتِبَ وَفُرِضَ إذَا أَرَدْتُمْ  اسْتِيفَاءَ  الْقِصَاصِ فَقَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ، كَمَا يُقَالُ كُتِبَ عَلَيْك إذَا أَرَدْت التَّنَفُّلَ الْوُضُوءُ؛ وَإِذَا أَرَدْت الصِّيَامَ النِّيَّةُ.
3.    هل قوله: ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) كلام تام مستقل بنفسه ؟
اخْتَلَفَ النَّاسُ فَقِيلَ: هُوَ كَلَامٌ عَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ سَائِرُهُمْ: لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ هَاهُنَا؛ وَإِنَّمَا يَنْقَضِي عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ، وَتَتْمِيمٌ لِمَعْنَاهُ.
4.    هل يقتل المسلم بالكافر ؟
1) لا يقتل، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ} فَشَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمُجَازَاةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ فَإِنَّ الْكُفْرَ حَطَّ مَنْزِلَتَهُ وَوَضَعَ مَرْتَبَتَهُ. وكذلك فإنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}؛ وَلَا مُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ.
2) وقيل: بل يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}. وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ.
فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُرْمَةِ الَّتِي تَكْفِي فِي الْقِصَاصِ، وَهِيَ حُرْمَةُ الدَّمِ الثَّابِتَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ.
5.    هل يقتل الذكر بالأنثى ؟
يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى بالإجماع، ولقَوْله تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ}.
6.    هل يقتل الأب بولده والولد بأبيه ؟
قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ بِهِ إذَا تَبَيَّنَ قَصْدُهُ إلَى قَتْلِهِ بِأَنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ، فَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّلَاحِ أَدَبًا وَحَنَقًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَيُقْتَلُ الْأَجْنَبِيُّ بِمِثْلِ هَذَا، وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالُوا: لَا يُقْتَلُ بِهِ، لِأَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبَ وُجُودِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ سَبَبَ عَدَمِهِ.
7.    ما معنى قوله: ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) ؟
أي: مما كتب على من كان قبلكم، لأن أهل التوراة كان لهم القتل ولم يكن لهم غير ذلك، وأهل الإنجيل كان لهم العفو ولم يكن لهم قود ولا دية، فجعل اللّه تعالى ذلك تخفيفا لهذه الأمة، فمن شاء قتل، ومن شاء أخذ الدية، ومن شاء عفا.
8.    هل تقتل الجماعة بواحد ؟
  1) عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: لَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةَ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ، لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} .
  2) وقيل: بل تُقَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَلَوْ عَلِمَ الْجَمَاعَةُ أَنَّهُمْ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا لَمْ يُقْتَلُوا لَتَعَاوَنَ الْأَعْدَاءُ عَلَى قَتْلِ أَعْدَائِهِمْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي قَتْلِهِمْ، وَبَلَغُوا الْأَمَلَ مِنْ التَّشَفِّي مِنْهُمْ.
وكذلك فإَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِصَاصِ قَتْلُ مَنْ قَتَلَ ، رَدًّا عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ بِمَنْ قَتَلَ مِنْ لَمْ يَقْتُلْ.
9.    من الذي يباشر إقامة القصاص ؟
اتفق أئمة الفتوى على أنه: لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل اللّه السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض.
10.           هل يقتل الحر بالعبد ؟ والسيد بعبد نفسه ؟
الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ نَظِيرَ الْحُرِّ وَمُسَاوِيهِ وَهُوَ الْحُرُّ، وَبَيَّنَ الْعَبْدَ وَمُسَاوِيهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ، وَيَعْضُدُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ طَرْفِ الْحُرِّ وَطَرْفِ الْعَبْدِ، وَلَا يَجْرِي الْقِصَاصُ مِنْهُمَا فِي الْأَطْرَافِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْأَنْفُسِ، ولِأَنَّ الرِّقَّ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ يُدْخِلُهُ تَحْتَ ذُلِّ الرِّقِّ.
وكذلك لا يُقتل السيد بعبد نفسه.
11.           هل يقتل الرجل بزوجته ؟
نعم يقتل الرجل بزوجته، فَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، لقَوْله تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ}، ولقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}.
12.           ما معنى قوله: ( فمن عُفيَ له من أخيه شيء ) ؟
قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُهُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا مِنْ الْعَقْلِ فَلْيَتْبَعْهُ بِالْمَعْرُوفِ؛ فَعَلَى هَذَا الْخِطَابُ لِلْوَلِيِّ، قِيلَ لَهُ: إنْ أَعْطَاك أَخُوك الْقَاتِلُ الدِّيَةَ الْمَعْرُوفَةَ فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَاتَّبِعْهُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَفْسِيرُهُ إذَا أَسْقَطَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ، وَعَيَّنَ لَهُ مِنْ الْوَاجِبِينَ لَهُ الدِّيَةُ فَاتَّبِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَيُّهَا الْجَانِي عَلَى هَذَا الْمَعْرُوفِ، وَأَدِّ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ.
13.           قال ابن العربي في هذه الآية: "وهذا قول مشكل، تبلدت فيه ألباب العلماء، واختلفوا في مقتضاه" فما وجه قوله هذا ؟
قَالَ مَالِكٌ: مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ خَاصَّةً، وَلَا سَبِيلَ إلَى الدِّيَةِ إلَّا بِرِضًا مِنْ الْقَاتِلِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَرُوَى أَشْهَبُ عَنْهُ: أَنَّ الْوَلِيَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " الْعَفْوُ أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ، فَيُتْبَعَ بِمَعْرُوفٍ وَتُؤَدَّى إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ " يَعْنِي يُحْسِنُ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيقٍ، وَلَا تَعْنِيفٍ، وَيُحْسِنُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ وَلَا تَسْوِيفٍ.
وَهَذَا يَدُورُ عَلَى مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِ الْعَفْوِ، وَلَهُ فِي اللُّغَةِ خَمْسَةُ مَوَارِدَ: الْعَطَاءُ، و الْإِسْقَاطُ، و الْكَثْرَةُ، و الذَّهَابُ، و الطَّلَبُ.
قال ابن العربي: وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ تَعَارُضٌ عَظِيمٌ، وَإِشْكَالٌ بَيِّنٌ، وَتَرْجِيحٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ، إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ أَظْهَرُ .
14.           من المراد بالأخ في قوله: ( من أخيه ) ؟
المراد بالأخ: هو المقتول.
15.           هل يجب على القاتل دفع الدية، إذا عُفي عنه مقابل الدية ؟
إِنَّ الْوَلِيَّ أَوْ الْقَاتِلَ إذَا وَقَعَ الْعَفْوُ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاتِلِ قَبُولُهُ دُونَ اعْتِبَارِ رِضَا الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ بَقَاءَ نَفْسِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، كَمَا لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ بَقَاءَ نَفْسِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ لَلَزِمَهُ.
16.           ما معنى قوله: ( فاتّباع بالمعروف ) ؟ ومن المراد به: الولي أم الجاني ؟
أي: لا يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْخِطَابُ لِلْوَلِيِّ، أي: فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَاتَّبِعْهُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: الخطاب للجاني، أي اتبعه على هذا المعروف.
17.           ما معنى قوله: ( فمن اعتدى بعد ذلك ) ؟
الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَفَا عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِمَنْ أَسْلَمَ الْآنَ، وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ وَحُدَّتْ الْحُدُودُ، فَإِنْ تَجَاوَزَهَا بَعْدَ بَيَانِهَا فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا وَبِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ.

2) قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة.
1.    ما معنى قوله: ( ولكم في القصاص ) ؟
هذا من الكلام البليغ الوجيز. ومعناه: لا يقتل بعضكم بعضا، والمعنى: أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر، مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا.
2.    كيف تكون في القتل حياة ؟
كانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير، فلما شرع اللّه القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال، فلهم في ذلك حياة.
3.    هل يوجد فرق بين الراعي والرعية في إقامة القصاص عليه ؟
ليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام اللّه عز وجل، لقوله جل ذكره: {كتب عليكم القصاص في القتلى}.
وعن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول اللّه e يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل، فطعنه رسول اللّه e بعرجون كان معه، فصاح الرجل، فقال له رسول اللّه e: (تعال فاستقد). قال: بل عفوت يا رسول اللّه.
4.    لم خاطب أولي الألباب دون سواهم ؟
لأنهم هم المنتفعون بالمواعظ والأحكام ونحوها دون غيرهم .
5.    ما معنى قوله: ( لعلكم تتقون ) ؟
المراد هنا "تتقون" القتل فتسلمون من القصاص، ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك، فإن اللّه يثيب بالطاعة على الطاعة.

2- حد الحرابة:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
 إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)} سورة المائدة.
1.    ما سبب نزول هذه الآية ؟
فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
1-أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَأَخَافُوا السَّبِيلَ، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَخَيَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ فِيهِمْ.
2-نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
3-و4- و5- {نَزَلَتْ فِي عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، الذين قدموا المدينة فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه e أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ e وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ e فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالَتِهِمْ.}.
تَحْقِيقِ ذَلِكَ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ لَكَانَ غَرَضًا ثَابِتًا، وَنَصَّا صَرِيحًا.
2.    ما معنى: محاربة الله تعالى، من قبل العبد وهي مفاعلة ؟
الْحِرَابَةُ تَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ تَكُونُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيُجَازَى بِمِثْلِهَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الرِّبَا قُلْنَا: نَعَمْ، وَفِيمَنْ فَعَلَهُ، فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ مَنْ يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ يُحَارَبُ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى الْعَمَلِ بِالرِّبَا، وَعَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.


3.    ما هي حقيقة المحاربة ؟
تَحْقِيقِ الْمُحَارَبَةِ: هِيَ إشْهَارُ السِّلَاحِ قَصْدَ السَّلْبِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَرْبِ ؛ وَهُوَ اسْتِلَابُ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ بِإِظْهَارِ السِّلَاحِ عَلَيْهِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْمُحَارِبُ الَّذِي يَقْطَعُ السَّبِيلَ وَيَنْفِرُ بِالنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَان، وَيُظْهِرُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ يُقْتَلُ ؛ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ الْقَطْعِ، أَوْ النَّفْيِ.
4.    هل الحرابة عامة للمصر والقفر أو هي خاصة بأحدهما دون الآخر ؟
الْحِرَابَةَ عَامَّةٌ فِي الْمِصْرِ وَالْقَفْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْحَشَ مِنْ بَعْضٍ، وَلَكِنَّ اسْمَ الْحِرَابَةِ يَتَنَاوَلُهَا، وَمَعْنَى الْحِرَابَةِ مَوْجُودٌ فِيهَا، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضًا مَنْ فِي الْمِصْرِ لَقُتِلَ بِالسَّيْفِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِأَشَدِّ ذَلِكَ لَا بِأَيْسَرِهِ فَإِنَّهُ سَلَبَ غِيلَةً، وَفِعْلُ الْغِيلَةِ أَقْبَحُ.
5.    هل الحرابة خاصة بالمال والأنفس أم هي عامة للمال والأنفس والفروج ؟
بل هي عامة لكل ذلك، والْحِرَابَةَ فِي الْفُرُوجِ أَفْحَشُ مِنْهَا فِي الْأَمْوَالِ، وَإنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَيَرْضَوْنَ أَنْ تَذْهَبَ أَمْوَالُهُمْ وَتُحْرَبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهمْ وَلَا يُحْرَبُ الْمَرْءُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَا قَالَ اللَّهُ عُقُوبَةٌ لَكَانَتْ لِمَنْ يَسْلُبُ الْفُرُوجَ.
6.    ما معنى قوله: (أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ ...) هل ذلك على التخيير أم على التفصيل، وضح ما تقول ؟
فِيهَا قَوْلَانِ: 1- أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ، فَهُوَ أَصْلُهَا وَمَوْرِدُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
      2- أَنَّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّفْصِيلِ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ: منها: أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا. أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ. أَوْ تَقْطَعَ أَيَدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ، أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ ؛
قال ابن العربي: الْآيَةُ نَصٌّ فِي التَّخْيِيرِ، وَصَرْفُهَا إلَى التَّعْقِيبِ وَالتَّفْصِيلِ تَحَكُّمٌ عَلَى الْآيَةِ وَتَخْصِيصٌ لَهَا.
وَتَحْرِيرُ الْجَوَابِ: الْقُطْعُ، لِتَشْغِيبِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ التَّخْيِيرَ عَلَى الْمُحَارَبَةِ وَالْفَسَادِ.
7.    ما معنى النفي من الأرض ؟
فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: 1- يُسْجَنُ ؛ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجِنَايَةِ.                       2-  يُنْفَى إلَى بَلَدِ الشِّرْكِ ؛
                 3- يُخْرَجُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إلَى مَدِينَةٍ أَبَدًا ؛.               4- يُطْلَبُونَ بِالْحُدُودِ أَبَدًا فَيَهْرُبُونَ مِنْهَا ؛
وَالْحَقُّ أَنْ يُسْجَنَ، فَيَكُونُ السِّجْنُ لَهُ نَفْيًا مِنْ الْأَرْضِ.
8.    إذا صلب الإمام المحارب، هل يصلبه حياً أم ميتاً ؟
إذَا صَلَبَ الْإِمَامُ الْمُحَارِبَ فَإِنَّهُ يَصْلُبُهُ حَيًّا. وَالصَّلْبُ حَيًّا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَى وَأَفْضَحُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَعْنَى الرَّدْعِ الْأَصْلَحِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصْلُبُهُ مَيِّتًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}، فَبَدَأَ بِالْقَتْلِ.
قُلْنَا: نَعَمْ الْقَتْلُ مَذْكُورٌ أَوَّلًا، وَلَكِنْ بَقِيَ أَنَّا إذَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ هَاهُنَا هُوَ الْخِلَافُ.


9.    هل تعتبر المكافأة في الدماء بين القاتل والمقتول في الحرابة ؟
لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحِرَابَةَ يُقْتَلُ فِيهَا مَنْ قَتَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا لِلْقَاتِلِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: مِنْهُمَا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْمُكَافَأَةُ لِأَنَّهُ قَتْلٌ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ كَالْقِصَاصِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هَاهُنَا لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَسَادِ الْعَامِّ، مِنْ التَّخْوِيفِ وَسَلْبِ الْمَالِ، فَإِنْ انْضَافَتْ إلَيْهِ إرَاقَةُ الدَّمِ فَحُشَ.
10.                  إذا قتل المحاربون والقافلة، فقتل بعض المحاربين، فهل للإمام قتل الباقين وإن لم يقتلوا إن ظفر بهم؟
إذَا خَرَجَ الْمُحَارِبُونَ فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْقَافِلَةِ فَقَتَلَ بَعْضُ الْمُحَارِبِينَ، وَلَمْ يَقْتُلْ بَعْضٌ، قُتِلَ الْجَمِيعُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ إلَّا مَنْ قَتَلَ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ وَتَفْصِيلِ الْأَحْكَامِ ؛
11.                  من الذين استثنوا بقوله: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ) ؟
فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:  1- إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.
   2- إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَقَدْ حَارَبُوا بِأَرْضِ الشِّرْكِ.   3- إلَّا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ.
   4- إلَّا الَّذِينَ تَابُوا فِي حُقُوقِ اللَّهِ ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ ؛ فَهُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. 
إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَفِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ يُعْرَفُ، أَوْ يَقُومَ وَلِيٌّ يَطْلُبُ دَمَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ وَالْقِصَاصُ مِنْهُ.
   5- قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا يُطْلَبُ بِشَيْءٍ لَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَلَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
12.                  وهل الإستثناء عام لجميع الحقوق من دماء وأموال، أو خاص ببعضها دون بعض ؟
هو عام في بعض الحقوق، ولقد قَامَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا يَغْفِرُهَا الْبَارِّي سُبْحَانَهُ إلَّا بِمَغْفِرَةِ صَاحِبِهَا، وَلَا يُسْقِطُهَا إلَّا بِإِسْقَاطِهِ.

3- حد السرقة:
قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة.
1.    ما حقيقة السرقة ؟
حَقِيقَةِ السَّرِقَةِ: هِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى خُفْيَةٍ مِنْ الْأَعْيُنِ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: السَّارِقُ هُوَ الْمُعْلِنُ وَالْمُخْتَفِي.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْمُخْتَفِي، وَالْمُعْلِنُ عَادٍ. وَبِهِ نَقُولُ.
2.    هل الحكم المترتّب على السرقة عام في كل سارق وسارقة ؟
نعم، عَامٌّ فِي كُلِّ سَارِقٍ وَسَارِقَةٍ، لأنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ قد وردا هنا للتخصيص، وَهِيَ إذَا اقْتَضَتْ تَخْصِيصَ الْجِنْسِ أَفَادَتْ التَّعْمِيمَ فِيهِ بِحُكْمِ حَصْرِهَا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا صَالِحًا فِي رَبْطِهِ بِهَا دُونَ مَا سِوَاهَا.
3.    أي القراءتين أقوى، في الدلالة على الأمر في: ( السارق والسارقة )، قراءة الرفع أم النصب ؟
قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ: وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ بِالنَّصْبِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ هِيَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْي فِي هَذَا النَّصْبُ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْكَلَامِ تَقَدُّمَ الْفِعْلَ، وَهُوَ فِيهِ أَوْجَبُ، فلِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ.
4.    كم هي متعلقات السرقة، وما هي ؟
السَّرِقَةُ تَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ مَعَانٍ: فِعْلٌ هُوَ سَرِقَةٌ، وَسَارِقٌ، وَمَسْرُوقٌ مُطْلَقٌ، وَمَسْرُوقٌ مِنْهُ، وَمَسْرُوقٌ فِيهِ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ مُتَعَلِّقَاتٍ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ عُمُومُهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
5.    ما المال الذي تقطع بسرقته يد من سرق ؟ وما نصابه ؟
هُوَ كُلُّ مَالٍ تَمْتَدُّ إلَيْهِ الْأَطْمَاعُ، وَيَصْلُحُ عَادَةً وَشَرْعًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ لَمْ يَنْفَعْ تَعَلُّقُ الطَّمَاعِيَةِ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْتِفَاعُ مِنْهُ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَثَلًا.
ونصابه: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي قَطْعَ سَارِقِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَتَصَوُّرِ الْمَعْنَى فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ قَطَعَ فِي دِرْهَمٍ. وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَمْ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
بَلْ إنَّ سَرِقَةَ التَّافِهِ لَغْوٌ، وَسَرِقَةَ الْكَثِيرِ قَدْرًا أَوْ صِفَةً مَحْسُوبٌ، وَالْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْفَصْلِ فِيهِ بِحَدٍّ تَقِفُ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَهُ، فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَحْدِيدَهُ بِرُبْعِ دِينَارٍ.  عَنْ عَائِشَةَ: " مَا طَالَ عَلَيَّ وَلَا نَسِيت: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ". وَهَذَا نَصٌّ.
6.    لو سرق عبداً صغيراً أو حراً صغيراً، فهل تقطع يده ؟
1-قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ.
2-وَقِيلَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.
بل هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ وَلَمْ يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي الْمَالِ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ لِتَعَلُّقِ النُّفُوسِ بِهِ، وَتَعَلُّقِهَا بِالْحُرِّ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْعَبْد
7.    لو سرق أحد الزوجين مال الآخر، فما الحكم فيه ؟
     1- يُقطع، فإنَّ مَالَ الزَّوْجَيْنِ مُحْتَرَمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَبْدَانُهُمَا حَلَالًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَاقَدَا بِعَقْدٍ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ.
     2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَقْتَضِي الْخِلْطَةَ وَالتَّبَسُّطَ. وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
8.    لو سرق مال ذي رحم محرم، فما الحكم فيه ؟
إنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الرَّحِمِ لَوْ وَطِئَهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مَالَهَا، وَشُبْهَةُ الْمَحْرَمِيَّةِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ. وَإِنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
9.    لو سرق العبد من مال سيده، فما الحكم ؟
إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، أَوْ السَّيِّدُ مِنْ عَبْدِهِ: فَلَا قَطْعَ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ لِسَيِّدِهِ، فَلَمْ يَقْطَعْ أَحَدٌ بِأَخْذِ مَالِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ أَخْذٌ لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ .
10.                  ما ضابط الحرز الذي إذا تمت السرقة منه قطعت يد السارق ؟
هُوَ الْحِرْزُ الَّذِي نُصِبَ عَادَةً لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ حَالِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الْحِرْزِ الْأَثَرُ وَالنَّظَرُ.  أَمَّا الْأَثَرُ: فَقَوْلُهُ e: {لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ إلَّا مَا أَوَاهُ الْجَرِينُ}.
                                        وَأَمَّا النَّظَرُ فَهُوَ أَنَّ الْأَمْوَالَ خُلِقَتْ مُهَيَّأَةً لِلِانْتِفَاعِ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ.
11.                  لو تعاون مجموعة على سرقة ما يبلغ النصاب في مجموعه، فما الحكم ؟
إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى إخْرَاجِ نِصَابٍ مِنْ حِرْزِهِ ؛ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ، أَوْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجَهُ إلَّا بِتَعَاوُنِهِمْ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِالتَّعَاوُنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ جَمِيعُهُمْ بِاتِّفَاقٍ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُخْرِجهُ وَاحِدٌ وَاشْتَرَكُوا فِي إخْرَاجِهِ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَطْعُ فِيهِ، وعدم الْقَطْعُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ الْمُشْتَرِكُونَ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَجِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصَّتِهِ نِصَابٌ ؛
وَدَلِيلُنَا: الِاشْتِرَاكُ فِي الْجِنَايَةِ لَا يُسْقِطُ عُقُوبَتَهَا، كَالِاشْتِرَاكِ فِي الْقَتْلِ، وَمَا أَقْرَبَ مَا بَيْنَهُمَا .
12.                  إذا اشتركوا في السرقة، فنقّب بعضهم الحرز، وأخرج الآخرون، فما الحكم ؟
1-لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقَبَ وَلَمْ يَسْرِقْ، وَالْآخَرَ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ مَهْتُوكِ الْحُرْمَةِ.
2-وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ شَارَك فِي النَّقْبِ وَدَخَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ.
3-وَأَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَعَاوُنٌ وَاتِّفَاقٌ قُطِعَا، وَإِنْ نَقَبَ سَارِقٌ وَجَاءَ آخَرُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَدَخَلَ النَّقْبَ وَسَرَقَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ الْحِرْزُ.
13.                  ما الحكم في النبّاش ؟
1-قَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ: يُقْطَعُ.
2-وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ مَالًا مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ لَا مَالِكَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ.
3-وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ سَاكِنٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ السَّرِقَةُ بِحَيْثُ تُتَّقَى الْأَعْيُنُ.
وَقُلْنَا: إنَّهُ سَارِقٌ ؛ لِأَنَّهُ تَدَرَّعَ اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَاتَّقَى الْأَعْيُنَ، وَتَعَمَّدْ وَقْتًا لَا نَاظِرَ فِيهِ وَلَا مَارَّ عَلَيْهِ .
14.                  إذا تمّ إقامة حد السرقة، فهل يجب ضمان المسروق، أو إعادة عينه إلى السارق ؟
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ ؛ فَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَطْعِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فإن الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي الْبَدَنِ، وَالْغُرْمَ عَلَى الْمُوسِرِ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ، فَصَارَا حَقَّيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْغُرْمُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْحَالَيْنِ علَى أَنَّ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْتَمِعُ الْقَطْعُ مَعَ الْغُرْمِ بِحَالٍ .
15.                  هل عفو صاحب المال عن السارق يلغي الحكم عليه بالقطع ؟
َالْخِيَارُ بين العفو والقطع إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَرْءِ بَيْنَ حَقَّيْنِ هُمَا لَهُ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فلا يلغى حكم القطع إذن
16.                  إذا سرق سارق من السارق، فهل حكمه كحكم السارق الأول ؟
إذَا سَرَقَ الْمَالَ مِنْ الَّذِي سَرَقَهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ، وَيَدَ السَّارِقِ كَلَا يَدٍ.
17.                   إذا تكرّرت السرقة في العين المسروقة من السارق نفسه، فهل تُقطع يده ثانية ؟
قُطِعَ ثَانِيًا فِيهَا، فعُمُومُ الْقُرْآنِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِلْقَوْمِ دَلِيلٌ يُحْكَى.
18.                  إذا ملك السارق المال الذي سرقه، بهبة، أو شراء من مالكه قبل أن يقطع، فهل يسقط عنه القطع ؟
إذَا مَلَكَ السَّارِقُ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ : إذَا مَلَكَ السَّارِقُ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}.
19.                  إذا أعاد السارق المال المسروق قبل أن يُرفع أمره للحاكم، أو بعد رفع أمره، فهل يسقط القطع ؟
إذا لم يرفع أمره:  1- فقيل: إِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُسْقِطْهُ شَيْءٌ وَلَا تَوْبَةُ السَّارِقِ.
                   2- قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُدُودَهُ، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}. وَذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْوُجُوبِ، فَوَجَبَ حَمْلُ جَمِيعِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ. وهَذَا الحق.
وإذا رفع أمره إلى الحاكم، فإنه يقطع: فَقَدْ {قَالَ صَفْوَانُ لِلنَّبِيِّ e: هُوَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ}.
20.                  ما أقوال أهل العلم فيمن تكررت سرقته، بعد قطع يده مراراً ؟
اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا مَآلُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
 1- أَنَّهُ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ خَاصَّةً، وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ؛ قَالَهُ عَطَاءٌ.
 2- أَنَّهُ تَقْطَعُ الْيُسْرَى وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي رِجْلِ رَجُلٍ ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
 3- تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى.
والدليل: حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ، {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e أُتِيَ بِلِصٍّ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوا يَدَهُ. قَالُوا: ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا}.
21.                   هل تُقطع يد السارق في الغزو، من الغنيمة ؟
إن الْغَانِمِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَظُّهُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُقْطَعُ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.
وَقِيلَ: يُقْطَعُ وَيُحَدُّ لِعَدَمِ تَعْيِينِ حَظِّهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ يُورَثُ عَنْهُ وَتُؤَدَّى مِنْهُ دُيُونُهُ.
22.                  من سَرق وقَتل، هل القصاص يسقط عنه القطع، أو يُقطع ثم يُقتل ؟
1-قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ وَيَدْخُلُ الْقَطْعُ فِيهِ. فالقتل يأتي على ذلك كله.
2-وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِلْمُسْتَحِقَّيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُوَفَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ، وإن حَدًّا لَا يُسْقِطُ حَدًّا.
23.                  هل قطع يد السارق خاص بشرعنا، أو هو في شرع من قبلنا، وضح ما تقول ؟
1-قِيلَ: كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا اسْتِرْقَاقَ السَّارِقِ.
2-وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ مُوسَى ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقَطْعُ فِي شَرْعِنَا نَاسِخٌ لِلرِّقِّ. وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ تَوْكِيدًا لَهُ،
3-وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدَّ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأُمَمِ كُلِّهَا قَبْلَنَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّبِيُّ e كَيْفِيَّتَهُ، إذْ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا}.

4- حد الزنا:
قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2) سورة النــور.
1.    ما تعريف الزنا ؟
حَقِيقَتُهُ: هو الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ شَرْعًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، كَانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، فِي ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاسْمِ اللُّغَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ كَانَ بِأَنَّ اللِّوَاطَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فَحَسَنٌ أَيْضًا.
2.    ما الفرق في المعنى بين قراءتي الرفع والنصب ؟
قرأ الجمهور "الزانية والزاني" بالرفع. وقرأ عيسى الثقفي "الزانية" بالنصب، وهو أوجه عند سيبويه؛ لأنه عنده كقولك: زيدا اضرب. ووجه الرفع عنده: خبر ابتداء، وتقديره: فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني. وأجمع الناس على الرفع وإن كان القياس عند سيبويه النصب. والخبر في قوله "فاجلدوا" لأن المعنى: الزانية والزاني مجلودان بحكم الله وهو قول أكثر النحاة.
3.     لماذا جُمع بين الزانية والزاني مع أن الزنا لا يتم إلا بين اثنين ؟
هَذَا تَأْكِيدٌ لِلْبَيَانِ، كَمَا قَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فِي الزِّنَا، لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْوَاطِئُ وَالْمَرْأَةُ مَحَلُّ ذِكْرِهِمَا دَفْعًا للْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْقَع جَمَاعَةً، حَتَّى قَالُوا: لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: جَامَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ e : كَفِّرْ ". وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِمُجَامِعَةٍ وَلَا وَاطِئَةٍ، بل إنَّهَا تَتَّصِفُ بِالْوَطْءِ، فَكَيْفَ بِالْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ مُفَاعَلَةٌ.
4.    لماذا قدم الزانية على الزاني، وقدم السارق على السارقة ؟
ذَلِكَ لِفَائِدَتَيْنِ:  1- أَنَّ الزِّنَا فِي الْمَرْأَةِ أَعَرُّ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، فَصَدَّرَ بِهَا لِعِظَمِ حَالِهَا فِي الْفَاحِشَةِ.
2- أَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ، فَصَدَّرَ بِهَا تَغْلِيظًا لِرَدْعِ شَهْوَتِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَّبَ فِيهَا حَيَاءً لَكِنَّهَا إذَا زَنَتْ ذَهَبَ الْحَيَاءُ
5.    هل معنى قوله: (  فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) عام في كل زان وزانية، بين ما تقول ؟
لا، ليس عاماً، فقد جَعَلَ اللَّهُ حَدَّ الزِّنَا قِسْمَيْنِ: رَجْمًا عَلَى الثَّيِّبِ، وَجَلْدًا عَلَى الْبِكْرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الآية عَامٌّ فِي كُلِّ زَانٍ، ثُمَّ شَرَحَتْ السُّنَّةُ حَالَ الثَّيِّبِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ e: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ}. فَقَالَ سُنَّةً، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْجَلْدَ قُرْآنًا، وَبَقِيَ الرَّجْمُ عَلَى حَالِهِ فِي الثَّيِّبِ، وَالتَّغْرِيبُ فِي الْبِكْرِ.
6.    من المخاطب بقوله: ( فاجلدوا ) ؟
لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْأَمْرِ بِالْجَلْدِ الْإِمَامُ، وَمَنْ نَابَ عَنْهُ.
وَزَادَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: السَّادَةُ فِي الْعَبِيدِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي كُلِّ جَلْدٍ وَقَطْعٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْجَلْدِ خَاصَّةً دُونَ الْقَطْعِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ: {إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ}.

7.    ما معنى قوله: (وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ؟
أي: لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود، ولا تخففوا الضرب من غير إيجاع. والرأفة أرق الرحمة.
"في دين الله" أي في حكم الله. وقيل: "في دين الله" أي في طاعة الله وشرعه فيما أمركم به من إقامة الحدود.
واخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا، 1- فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: {لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} فَتُسْقِطُوا الْحَدَّ.
                       2- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: {لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} فَتُخَفِّفُوا الْحَدَّ؛ وَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
8.    ما صورة حد الجلد ؟
صِفَتهُ: أَنْ يَكُونَ سَوْطًا بَيْنَ السَّوْطَيْنِ، وَضَرْبًا بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ، وَيُفَرَّقُ عَلَيْهِ الضَّرْبُ فِي ظَهْرِهِ، وَتُجْتَنَبُ مَقَاتِلُهُ، وَتَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحُدُودُ كُلُّهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا سَوَاءٌ بَيْنَ الْحُدُودِ، ضَرْبُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَذْفِ، وَضَرْبُ الْقَذْفِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشُّرْبِ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا صُورَةَ الذَّنْبِ، فَرَكَّبُوا عَلَيْهِ صِفَةَ الْعُقُوبَةِ، وَالشُّرْبُ أَخَفُّ مِنْ الْقَذْفِ، وَالْقَذْفُ أَخَفُّ مِنْ الزِّنَا.
وَقَدْ رُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ e أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ أَصَابَ حَدًّا، وَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ: دُونَ هَذَا. وَأُتِيَ بِسَوْطٍ دُونَهُ، فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا}. وَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ الْحَدَّ، فَقَالَ لَهُ: " لَا تَرْفَعْ إبِطَكَ ".
9.    ما الحكمة في قوله: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ؟
الحكمة: أَنَّ الْحَدَّ الْمَحْدُودَ، وَمَنْ شَهِدَهُ وَحَضَرَهُ يَتَّعِظُ بِهِ وَيَزْدَجِرُ لِأَجْلِهِ، وَيَشِيعُ حَدِيثُهُ؛ فَيَعْتَبِرُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ.
10.                  ماذا قيل في عدد الطائفة التي تشهد إقامة الحد ؟
اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ الطَّائِفَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:            1-  وَاحِدٌ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ؛ قَالَه إبْرَاهِيمُ.
      2- رَجُلَانِ فَصَاعِدًا؛ قَالَهُ عَطَاءٌ.                    3- ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا؛ قَالَهُ قَوْمٌ.
      4- أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا؛ قَالَ عِكْرِمَةُ.                    5- أَنَّهُ عَشْرَةٌ.
وَالصَّحِيحُ سُقُوطُ الْعَدَدِ، وَاعْتِبَارُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بِهِمْ التَّشْدِيدُ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ.

5- حد القذف:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)} سورة النــور.
1.    ما معنى قوله: ( يرمون ) ؟
يُرِيدُ يَشْتُمُونَ. وَاسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ إذَايَةٌ بِالْقَوْلِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ الْقَذْفُ.
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ، أي: رماها.
2.    هل هذا قاصر على الذكور دون الإناث، فلماذا قال: ( والذين ) ؟
ليس قاصر على الذكور دون الإناث.
3.    ما المراد بالمحصنات هنا ؟
لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعِفَّةُ هَاهُنَا.
4.    كم شروط تحقّق القذف ؟
شُرُوطُ الْقَذْفِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ تِسْعَةٌ: شَرْطَانِ فِي الْقَاذِفِ، وَشَرْطَانِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَخَمْسَةٌ فِي الْمَقْذُوفِ.
فَأَمَّا الشَّرْطَانِ اللَّذَانِ فِي الْقَاذِفِ: فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ.
وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فِي الشَّيْءِ الْمَقْذُوفِ مِنْهُ: فَهُوَ أَنْ يَقْذِفَهُ بِوَطْءٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْحَدُّ، وَهُوَ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطُ، أَوْ يَنْفِيهِ مِنْ أَبِيهِ.
وَأَمَّا الْخَمْسُ الَّتِي فِي الْمَقْذُوفِ فَهِيَ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ الْفَاحِشَةِ الَّتِي رُمِيَ بِهَا .
5.    ما الحكمة في قوله: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ) ؟
اَلَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى أَرْبَعَةِ شُهَدَاءِ هُوَ الزِّنَا؛ وَهَذَا قَاطِعٌ. لذا فالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ هَاهُنَا التَّعْبِيرُ بِالزِّنَا خَاصَّةً؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ e: {الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك}.
6.    ما الحكم لو عرّض للقذف ولم يصرّح ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ قَذْفٌ. وهذا أَسَدُّ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيضَ قَوْلٌ يَفْهَمُ مِنْهُ سَامِعُهُ الْحَدَّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، كَالتَّصْرِيحِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ بِقَذْفٍ.
7.    ما شرط أداء الشهادة من قبَل الشهود ؟
إنَّ مِنْ شَرْطِ أَدَاءِ الشُّهُودِ لِلشَّهَادَةِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ افْتَرَقُوا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مُجْتَمَعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ.
 فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ تَعَبُّدٌ، وَرَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَاجْتِمَاعِهَا؛ وَهُوَ أَقْوَى.
8.    هل قذف الرجال بالفاحشة يجري مجرى قذف المحصنات في الحكم ؟
نعم، يجري مجرى قذف المحصنات في الحكم، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إلْحَاقِ الرِّجَالِ بِهِنَّ؛
1- فَقِيلَ: بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِنَّ؛ كَمَا أُلْحِقَ ذُكُورُ الْعَبِيدِ بِإِمَائِهِمْ فِي تَشْطِيرِ الْحَدِّ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ شَيْخِ السُّنَّة.
2- وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الشَّيْءِ قَبْلَ النَّظَرِ إلَى عِلَّتِهِ.
9.    ما سبب نزول هذه الآية ؟
قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ  فِي الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَلَا جَرَمَ جَلَدَ النَّبِيُّ مِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي سَائِرِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
10.                  هل الحكم يختص بسبب النزول أو يعم ؟
الحكم يعم جميع نساء المسلمين.

11.                  هل حد القذف حق من حقوق الله كالزنا، أو حق من حقوق العباد يجوز إسقاطه ؟
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: 1- أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَدٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ كَالزِّنَا. 2- أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَقْذُوفِ؛ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
                 3- قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ شَائِبَتَانِ؛ شَائِبَةُ حَقِّ اللَّهِ وَهِيَ الْمُغَلَّبَةُ.
                     وَقَالَ الْآخَرُونَ: شَائِبَةُ حَقِّ الْعَبْدِ هِيَ الْمُغَلَّبَةُ. وَلِهَذَا الشَّوْبِ اضْطَرَبَ فِيهِ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، أَصْلُهُ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
12.                  هل للإمام أن يقيم حد القذف من غير أن يطلب المقذوف ؟
   1- لَا يُقِيمُهُ الْإِمَامُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.         2- وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَفْتَقِرُ إلَى مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ.
وَلَعَلَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَهُ الْإِمَامُ بِمَحْضَرِ عُدُولِ الشُّهُودِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَظْهَرَ. وَلَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَا أَحَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عِنْدِي إثْبَاتَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ، فَإِنْ ادَّعَى سَجَنَهُ، وَلَمْ يُحَدَّ بِحَالٍ.
13.                  هل يقام حد القذف على الحر والعبد ؟
نعم: يُحَدُّ الْعَبْدُ ثَمَانِينَ بِعُمُومِ الْآيَةِ.    وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّهُ حَدٌّ فَلْيَتَشَطَّرْ بِالرِّقِّ، كَحَدِّ الزِّنَا، وَخَصُّوا الْأَمَةَ بِالْقِيَاسِ.
14.                  ما الأحكام المترتبة على إقامة حد القذف على القاذف ؟
عَلَّقَ اللَّهُ عَلَى الْقَذْفِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ: الْحَدَّ، وَرَدَّ الشَّهَادَةِ، وَالتَّفْسِيقَ؛ تَغْلِيظًا لِشَأْنِهِ، وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، وَقُوَّةً فِي الرَّدْعِ عَنْهُ.
15.                  هل رد شهادة القاذف من جملة الحد أو مما يترتب على الحد ؟
     1- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رَدُّ الشَّهَادَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِّ، وَيَرَى أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وِلَايَةٌ قَدْ زَالَتْ بِالْقَذْفِ.
     2- وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: بَلْ رَدُّهَا مِنْ عِلَّةِ الْفِسْقِ، المترتب على الحد، فَإِذَا زَالَ بِالتَّوْبَةِ زَالَ رَدُّ الشَّهَادَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
{إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْفِسْقَ.
16.                  هل عدم قبول شهادة القاذف، خاص بما قبل الحد، أو عام قبل الحد وبعده ؟
اخْتَلَفُوا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:      
 1- أَنَّهَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدَ التَّوْبَةِ؛ قَالَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.  2- أَنَّهُ إذَا قَذَفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا، لَا قَبْلَ الْحَدِّ وَلَا بَعْدَهُ.
3- أَنَّهَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَدِّ، وَلَا تُقْبَلُ بَعْدَهُ؛ وَإِنْ تَابَ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. 4- أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْحَدِّ، وَلَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ.
وَقُلْنَا: إنَّهَا حُكْمٌ عِلَّتُهُ الْفِسْقُ، فَإِذَا زَالَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ الْفِسْقُ بِالتَّوْبَةِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمَعَاصِي.  
17.                   إلى أي الأمور يرجع الإستثناء في قوله: ( إلا الذين تابوا ) ؟
     1- قَالُ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، مَا عَدَا إقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ.
     2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. وَالصَّحِيحُ رُجُوعُهُ إلَى الْجَمِيعِ لُغَةً وَشَرِيعَةً.
18.                  هل يجوز لمن شاهد الزاني يزني رؤية واضحة، أن يخبر عن ذلك وهو لا يملك شهوداً ؟
لا يجوز له ذلك.
19.                  هل يلزم القاذف المحق أن يتوب عن قذفه الذي علمه لتقبل شهادته ؟
لا يلزمه ذلك، وقيل: يلزمه، فإنَّهَا حُكْمٌ عِلَّتُهُ الْفِسْقُ، فَإِذَا زَالَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ الْفِسْقُ بِالتَّوْبَةِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، كَسَائِرِ الْمَعَاصِي.  
وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ كَاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ؛ فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ زَنَى بِفُلَانَةَ.

6- اللعان:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ  عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ(10)} النــور
1.    ما سبب نزول هذه الآية ؟
ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةَ كَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي الزَّوْجَاتِ وَغَيْرِهِنَّ، فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْخَلْقِ فِي التَّكَلُّمِ بِحَالِ الزَّوْجَاتِ جَعَلَ لَهُمْ مَخْلَصًا مِنْ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ، عَلَى مَا رَوَى سَهْلٍ {أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ e فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَمَرَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِك، فَتَلَاعَنَا ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ e}.
2.    ما حقيقة رمي الأزواج بالزنا ؟
عَامٌّ فِي كُلِّ رَمْيٍ سَوَاءٌ قَالَ: زَنَتْ، أَوْ رَأَيْتهَا تَزْنِي، أَوْ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي؛ فَإِنَّ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُبَيِّنُ الْحُكْمِ فِيهَا.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي اقْتِصَارِ اللِّعَانِ عَلَى دَعْوَى الرُّؤْيَةِ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَكْفِي لِإِيجَابِ اللِّعَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ.
3.    هل المراد بالأزواج هنا: كل زوجين حرين أو عبدين أو مؤمنين أو كافرين، أو خاص ببعضهم ؟
عَامٌّ فِي كُلِّ زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ عَبْدَيْنِ، مُؤْمِنَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، فَاسِقَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ؛ لِعُمُومِ الظَّاهِرِ، وَوُجُودِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَتَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ فِيهِ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ إلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ،
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُكَلَّفَيْنِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمِينٌ.
4.    إذا قذف مطلقته بالزنا، فما الحكم، بين ما تقول ؟
1- إذَا قَذَفَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ نُظِرَتْ؛ فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ نَسَبٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْفِيَهُ، أَوْ حَمْلٌ مُتَبَرَّأٌ مِنْهُ لَاعَنَ، وَإِلَّا لَمْ يُلَاعِنْ.
2- وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَا يُلَاعِنُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ.
3- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلَاعِنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ. وَهَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ حَمْلٌ يُرْجَى، وَلَا نَسَبٌ يَخَافُ تَعَلُّقَهُ لَمْ يَكُنْ لِلِّعَانِ فَائِدَةٌ؛ فَلَمْ يُحْكَمْ بِهِ، وَكَانَ قَذْفًا مُطْلَقًا دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ..}، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَبَطَلَ مَا قَالَ الْبَتِّيُّ لِظُهُورِ فَسَادِهِ.
5.    هل يشترط في نفي الولد واللعان أن يتم ذلك بعد الولادة، أو لا يشترط ؟
     1- إذَا انْتَفَى مِنْ الْحَمْلِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ لَاعَنَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَدَلِيلُنَا: النَّصُّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ e لَاعَنَ قَبْلَ الْوَضْعِ. وَقَالَ: {إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِأَبِيهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ} فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ e: {لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا}.
     2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِيحًا أَوْ دَاءً مِنْ الْأَدْوَاءِ.
6.    لو قذف امرأته بالوطء في الدبر، هل يلاعن أو لا ؟
1- إذَا قَذَفَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ لِزَوْجِهِ لَاعَنَ. 2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلَاعِنُ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ اللِّوَاطَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ فِيهِ مَعَرَّةٌ، وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْله: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ الْحَدِّ فِيهِ.
7.    ماذا نقل ابن العربي عن أبي حنيفة، فيمن قذف زوجته وأمه بالزنا ؟
قال رحمه الله: مِنْ غَرِيبِ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ – أبو حنيفة - أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَأُمَّهَا بِالزِّنَا إنَّهُ إنْ حُدَّ لِلْأُمِّ سَقَطَ حَدُّ الْبِنْتِ، وَإِنْ لَاعَنَ لِلْبِنْتِ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْأُمِّ. وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَمَا رَأَيْت لَهُمْ فِيهِ شَيْئًا يُحْكَى؛  وَهَذَا بَاطِلٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ خَصَّ عُمُومَ الْآيَةِ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ زَوْجَةٌ بِحَدِّ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ وَلَا أَصْلٍ قَاسَهُ عَلَيْهِ.
8.    هل اللعان لا يكون إلا في النكاح الصحيح، أو يكون في النكاح الفاسد أيضاً، وما الغاية من اللعان في النكاح الفاسد ؟
يُلَاعِنُ فِي النكاح الْفَاسِدِ كَمَا يُلَاعِنُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ يَتَعَلَّقُ بِالْفَاسِدِ مِنْهُ، كَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ
والغاية: ذَلِكَ أَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَتَطْهِيرِ الْفِرَاشِ، وَالزَّوْجَةُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَدْ صَارَتْ فِرَاشًا، وَيُلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِ، فَجَرَى اللِّعَانُ عَلَيْهِ.
9.    هل اللعان خاص بمن لا شهود له على رمي زوجته، أو هو عام في كل زوج قذف زوجته ولو كان له شهود ؟
فقال مالك والشافعي: يلاعن كان له شهود أو لم يكن؛ لأن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه؛ لقوله: "ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم"
10.                  ما ثمرات اللعان بين الزوجين، وما الدليل على ما تقول ؟
ثمرة لِعَانِ الزَّوْجِ: دَرْءُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَنَفْيُ النَّسَبِ مِنْهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ e: {الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ}. فَلَوْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ لَدَرَأْت الْحَدَّ عَنْهُ، فَقَدْ قَامَ اللِّعَانُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ الزَّوْجُ لَمْ يُحَدَّ، وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُلَاعِنَ، وَتَارَةً يُجْعَلُ اللِّعَانُ شَهَادَةً، وَتَارَةً يُجْعَلُ حَدًّا.
وَلَوْ كَانَ حَدًّا مَا حُبِسَ عَلَى فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُؤْخَذُ قَسْرًا مِنْ صَاحِبِهِ؛ فَإِذَا لَاعَنَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْحَدِّ، وَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ يَتَنَازَعَانِ، فَلَوْ كَانَ اللِّعَانُ شَهَادَةً لَكَانَ تَحْقِيقًا لِلزِّنَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَبْرِئَةِ نَفْسِهِ.
11.                   بمن يبدأ الإمام اللعان، بالمرأة أم بالرجل ؟
الْبُدَاءَةُ فِي اللِّعَانِ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ: وَهُوَ الزَّوْجُ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ عَكَسَ مَا رَتَّبَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِيهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَلَا مَعْنًى يَقْوَى بِهِ؛ بَلْ الْمَعْنَى لَنَا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَدَأَتْ بِالْيَمِينِ فَتَنْفِي مَا لَمْ يَثْبُتْ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ.
12.                  إذا قذفها برجل معين، هل يقام عليه الحد ويلاعن، أو اللعان يسقط حد القذف ؟
إذَا قَذَفَهَا بِرَجُلٍ سَمَّاهُ كَشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ: أَسْقَطَ اللِّعَانُ عَنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِزَوْجَتِهِ وَحُدَّ لِشَرِيكٍ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ لَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَدَّ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجَةِ مُطْلَقَيْنِ، ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَةَ بِالْخَلَاصِ بِاللِّعَانِ، وَبَقِيَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى مُطْلَقِ الْآيَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُحَدُّ لَهُ إذَا لَاعَنَ زَوْجَتَهُ. وَاحْتَجَّ: بِأَنَّ النَّبِيَّ e لَمْ يَحُدَّ هِلَالًا لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ.
قُلْنَا: لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يُقِيمُهُ الْإِمَامُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ إجْمَاعًا.
13.                  ما معنى قوله: ( ويدرؤا عنها العذاب ) ؟
أي: ويدفع عنها الحد .
14.                  إذا قذف زوجته، وأبى أن يلاعن، فهل يقام عليه حد القذف ؟
1-فقال أبو حنيفة: لا حد عليه؛ لأن الله تعالى جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن أبدا حتى يلاعن لأن الحدود لا تؤخر قياسا.
2-وقال جمهور الفقهاء: إن لم يلتعن الزوج حُدّ؛ لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن. لقوله: إن سكت سكت على غيظ وإن قتلتُ قُتلت وإن نطقتُ جُلدت.
15.                  ماذا يقال لكل من الزوجين عند الملاعنة ؟
أن يقول الحاكم للملاعن: قل أشهد بالله لقد زنت وما وطئتها بعد زناها. يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد. فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها: وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها. ثم يقول في الخامسة: علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن شاء قال: إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها. فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد. فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربعة أيمان، تقول فيها: أشهد بالله إنه لكاذب أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكر عني. ثم تقول في الخامسة: وعلي غضب الله إن كان صادقا، أو إن كان من الصادقين في قول ذلك. ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنى. ويقول في الخامسة: علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميت به من الزنى. وتقول هي: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى. وتقول في الخامسة: علي غضب الله إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى. ثم يوعظه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول: إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله؛ فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول: إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبا؛ فإن أبى تركه يقول ذلك: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى.
ثانياً: آيات القتال في الشهر الحرام:
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(217)سورة البقرة
1.    هل هذه الآية محكمة، أو منسوخة، بين ما قيل فيها ؟
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ:
  1- كَانَ عَطَاءٌ يَحْلِفُ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهَذَا خَاصٌّ؛ وَالْعَامُّ لَا يُنْسَخُ بِالْخَاصِّ بِاتِّفَاقٍ.
  2- وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّاسِخِ: 1) فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}.
                       2) وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَتْهَا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} .
                       3) وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَهَا {غَزْوُ النَّبِيِّ e ثَقِيفًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَإِغْزَاؤُهُ أَبَا عَامِرٍ إلَى أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ}؛ وَهَذِهِ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ.
                      4) وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَتْهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ e بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى حَرْبِهِ، فَبَايَعَ عَلَى دَفْعِهِمْ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ.
                     5) وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} يَعْنِي أَشْهُرَ التَّسْيِيرِ، فَلَمْ يَجْعَلْ حُرْمَةً إلَّا لِزَمَانِ التَّسْيِيرِ.
2.    وماذا صحّح ابن العربي في شأن نسخها ؟
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ رَدٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَعْظَمُوا عَلَى النَّبِيِّ e الْقِتَالَ وَالْحِمَايَةَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؛ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ} وَهِيَ الْكُفْرُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ؛ فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ تَعَيَّنَ قِتَالُكُمْ فِيهِ.
3.    من سائل النبي e عن القتال في الشهر الحرام ؟


4.    هل السؤال سؤال استفتاء، أم سؤال استنكار ؟
سؤال استنكار، لأن تحريم القتال في الشهر الحرام كان ثابتا يومئذ إذ كان الابتداء من المسلمين.
5.    أين تمت إجابة السؤال من الآية ؟

6.    وكيف توضح معنى الآية على ضوء دراستك ؟

7.    ما معنى قوله: (وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ؟
معنى الآية على قول الجمهور: إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام، ومن كفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد منه، كما فعلتم برسول الله e وأصحابه أكبر جرما عند الله.
8.    ما معنى قوله: (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ ) ؟
أي: وإخراجكم يا كفار قريش أهل المسجد الحرام كالنبي e وأصحابه أكبر جرماً عند الله من القتال في الشهر الحرام.
9.    ما المراد بالفتنة في قوله: ( والفتنة أشد من القتل ) ؟
قال مجاهد وغيره: الفتنة هنا الكفر، أي كفركم أكبر من قتلنا أولئك.
وقال الجمهور: معنى الفتنة هنا فتنتهم المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا، أي أن ذلك أشد جرماً من قتلكم في الشهر الحرام.
10.                  أخبر الله هذه الأمة خبراً صادقاً، لا يتغيّر ولا يتبدل، وهو أن الكفار لن يكفوا عن قتالهم، ما داموا على الإسلام، فما مصداق ذلك في عصرنا هذا  ؟


11.                  يسلك أهل الكفر مسالك شتى في محاربة المسلمين ليردوهم عن دينهم، فاذكر عقوبة من طاوعهم في ذلك مرتدّاً عن دينه ؟


12.                  هل الردة تحبط العمل مطلقاً، أو لا تحبط إلا بالموافاة عليها، بين ما تقول ؟
        1- قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْبَطُ لَهُ عَمَلٌ إلَّا بِالْمُوَافَاةِ كَافِرًا.
        2- وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْبَطُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ.
وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وَقَالُوا هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ e وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ لِأَنَّهُ e يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الرِّدَّةُ شَرْعًا.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ e عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ عَلَى الْأَمَةِ، وَبَيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ e عَلَى شَرَفِ مَنْزِلَتِهِ لَوْ أَشْرَكَ لَحَبِطَ عَمَلُهُ، فَكَيْف أَنْتُمْ؟ لَكِنَّهُ لَا يُشْرِكُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ.


ثالثاً: حكم القتل الخطأ:
 قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) } سورة النساء.
1.    ما معنى قوله: ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ) ؟
مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا قَتْلًا جَائِزًا. أَمَّا أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَنَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَوَازَهُ لَا وُجُودَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِبَيَانِ الْحِسِّيَّاتِ وُجُودًا وَعَدَمًا، إنَّمَا بُعِثُوا لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا.
2.    هل الإستثناء في قوله: ( إلا خطأ ) متصل أو منقطع ؟
الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعُ ؛ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ؛
والْمَعْنَى: مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُفَوِّتَ نَفْسَ مُؤْمِنٍ بِكَسْبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ إلَى وَصْفِهِ.
3.    ماذا على من قتل مؤمناً متعمّداً ؟
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، مَآلُهُ 1- أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا قَالَا: لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.
      لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا عِبَادَةً، أَوْ فِي مُقَابَلَةِ التَّقْصِيرِ، وَتَرْك الْحَذَرِ وَالتَّوَقِّي.
 2- وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا إثْمَ فِيهِ فَفِي الْعَمْدِ أَوْلَى.
4.    ما السر في اشتراط كون الرقبة المحرّرة مؤمنة ؟
هَذَا يَقْتَضِي كَمَالَهَا فِي صِفَاتِ الدِّينِ، فَتُكْمَلُ فِي صِفَاتِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا تَكُونَ مَعِيبَةً، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَتْلَفَ شَخْصًا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَ آخَرَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ عَنْ شُغُلِ غَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِكُلِّ عُضْوِ مِنْهُ عُضْوٌ مِنْهَا مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجُ بِالْفَرْجِ، فَمَتَى نَقَصَ عُضْوٌ مِنْهَا لَمْ تَكْمُلُ شُرُوطُهَا.
5.    على من تكون دية القتل خطأ ؟
جَعَلَ الله الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِفْقًا؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ الْخَطَأِ لَمْ يَكْتَسِبْ إثْمًا وَلَا مَحْرَمًا، وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ زَجْرًا.
6.    ما مقدار الدية في تقدير الشريعة ؟
الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي تَقْدِيرِ الشَّرِيعَةِ، وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
7.    كيف يتم توزيع الدية في الإبل ؟
توزع أَخْمَاساً: بَنَاتُ مَخَاضٍ، وَبَنَاتُ لَبُونٍ، وَبَنُو لَبُونٍ، وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ أَخْمَاسٌ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا بَنِي مَخَاضٍ دُونَ بَنِي لَبُونٍ.
وَدَلِيلُنَا: {أَنَّ النَّبِيَّ e ذَكَرَ دِيَةَ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا، فَقَالَ: عِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ}، وَلَمْ يَذْكُرْ بَنِي مَخَاضٍ، فَلَا كَلَامَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
8.    هل الدية معجّلة أو مؤجّلة، كيف ذلك ؟
تكون مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، كَذَلِكَ قَضَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَهِيَ ضَرُورَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ قَدْ تَكُونُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ حَوَامِلَ فَيَضُرُّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِ مَا قَالَ النَّبِيُّ e. وَفِيهِ تَكُونُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَوَابِنَ، وَوَجَبَتْ مُوَاسَاةً وَرِفْقًا.
وَكَانَ النَّبِيُّ e يُعْطِيهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَغْرَاضٍ: مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا صُلْحًا وَتَسْدِيدًا. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُعَجِّلُهَا تَأْلِيفًا.
9.    هل تؤدى الدية من الطعام والثياب والبقر ؟
لَا مَدْخَلَ فِي الدية لِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، مِنْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ بَقَرٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَهَّدَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى هَذَا .
10.                  إلى أيّ شيء يرجع الإستثناء في قوله: ( إلا أن يصّدّقوا ) ؟
يرجع إلى أولياء القتيل، فلقد أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةَ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ إلَّا أَنْ يَصَدَّقُوا بِهَا عَلَى الْقَاتِلِ ؛ وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى جَمِيعِهَا إذَا صَلَحَ ذَلِكَ فِيهَا، وَإِلَّا عَادَ إلَى مَا يُصْلَحُ لَهُ ذَلِكَ مِنْهَا. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا تُقْبَلُ الصَّدَقَةُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُهُ.
11.                  ما على من قتل مؤمناً خطأ من قوم من الكفار، كفارة ودية أم كفارة فحسب ؟ ولماذا ؟
قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ:
1- فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ: أَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً. وَأَمَّا امْتِنَاعُ الدِّيَةِ عِنْدَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: 1) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَمْ تُجِبْ الدِّيَةُ لَهُمْ لِئَلَّا يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ.
                  2) وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّمَا لَمْ تَجِبْ لَهُمْ دِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدٌ وَلَا مِيثَاقٌ.
2- وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِسْلَامُ يَعْصِمُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلَهُ وَدَمَهُ حَيْثُ كَانُوا. وَالْمَسْأَلَةُ مشكلة، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَسْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ، وَعَلَى الْمَالِكِيّة، لم يُذكر لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسْتَحَقٌّ وإلا وجبت.
12.                  ما معنى قوله: ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق )، هل يُراد به القتيل المؤمن أو الكافر ؟
1- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا هُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَهُ وَلِقَوْمِهِ الْعَهْدُ، فَعَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ لِأَهْلِهِ وَالْكَفَّارَةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيُّ. وَاخْتَارَه الطَّبَرِيُّ: لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، كَمَا قَالَ فِي الْقَتِيلِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَإِطْلَاقُهُ مَا قَيَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ خِلَافُهُ.
2- وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِهِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
13.                  ما أقوال أهل العلم في دية الكافر ؟ وما مقدارها إن تم قتله عمداً أو خطأ ؟
قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دِيَةِ الْكَافِرِ:             1- فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ ؛
2- وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ، المالكي 3- وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا ثُلُثَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، الشافعي. وَالدِّيَةُ الْمُسَلَّمَةُ هِيَ الْمُوَفَّرَةُ
قَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا قَبَلهَا حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَنُحَرِّرُ هَذَا قِيَاسًا فَنَقُولُ: كُلُّ كَافِرٍ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِهِ .
14.                  إذا لم توجد الإبل للدية، فما البديل من المال ؟
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: 1- قَالَ مَالِكٌ: مِنْ الدَّرَاهِمِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا.
                 2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. فَبَنَاهَا عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ.
                 3- وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا عُدِمَتْ الإبل وَقْتَ الْوُجُوبِ فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ بِحِسَابِ الْوَقْتِ.
وَدَلِيلُنَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَهَبًا وَوَرِقًا، وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ ؛ وَلَا مُخَالِفَ ؛ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ؛ فَإِنَّ بَلَدًا لَمْ يَكُنْ قَطُّ بِهِ إبِلٌ لَا سَبِيلَ إلَى تَقْوِيمِهَا فِيهِ، فَعَلِمَتْ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ فَقَدَّرَتْ نَصِيبَهَا، وَاعْتَبَرَتْهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ إذْ لَا يَخْلُو بَلَدٌ مِنْهُمَا.
15.                  ما المراد بقوله: ( فمن لم يجد ) الرقبة أو الدية ؟
ظَنَّ قَوْمٌ : أَنَّ الصِّيَامَ بَدَلٌ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ، وَسَاعَدَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ.
وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ يَلْزَمُ الْقَاتِلَ، فَهُوَ بَدَلٌ عَمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَالدِّيَةُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ عَنْهَا.
16.                  ما أنواع القتل ؟ وما الذي يترتب على كل نوع من الحكم ؟
1-القتل العمد: وفيه القود أو الدية.       2- القتل الخطأ: وفيه الكفارة.
3- القتل شبه العمد. وَجَعَلُوهُ عَمْدًا خَطَأً، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ عَمْدٌ مِنْ وَجْهٍ خَطَأٍ مِنْ وَجْهٍ.
ويترتب عليه: أَنَّ الضَّرْبَ مَقْصُودٌ وَالْقَتْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْقَصْدِ فَيَسْقُطُ الْقَوْدُ، وَتَغْلُظُ الدِّيَةُ. وَبَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: إنَّ الْقَاتِلَ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَلَا قَوْدَ فِيهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا

رابعاً: آيات الأيمان والنذور:
1) قال الله تعالى : {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) } سورة البقرة.
1.    ما معنى العرضة ؟
" عُرْضَ ": فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَتَصَرَّفُ عَلَى مَعَانٍ: مَرْجِعُهَا إلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اعْتَرَضَ فَقَدْ مَنَعَ، وَيُقَالُ لِمَا عَرَضَ فِي السَّمَاءِ مِنْ السَّحَابِ عَارِضٌ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ رُؤْيَتِهَا، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا عُرْضَةٌ لَك، أَيْ: عُدَّةٌ تَبْتَذِلُهُ فِي كُلِّ مَا يَعِنُّ لَك.
2.    ما معنى: ( وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ) ؟
فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:  
     1- لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ عِلَّةً يَعْتَلُّ بِهَا الْحَالِفُ فِي بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ؛ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ: {لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يُعْطِيَ عَنْهَا كَفَّارَةً}.
     2- لَا يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِ خَيْرٍ بِأَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ يَمِينٌ أَنْ لَا يَكُونَ.
     3- لَا تُكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ عُرْضٍ يَعْرِضُ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} فَذَمَّ كَثْرَةَ الْحَلِفِ.
3.    ما معنى قوله: ( أن تبرّوا ) ؟
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجْعَلُوا الْيَمِينَ مَانِعًا مِنْ الْبِرِّ. وَتَحْقِيقُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ إنْ حَلَفَ أَوَّلًا كَانَ الْمَعْنَى أَنْ تَبَرُّوا بِالْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ كَانَ الْمَعْنَى أَنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا، وَيَدْخُلُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيَجْتَمِعَانِ.
وَقَدْ قَالَ e: {مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ}.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثاني يَكُونُ الْمَعْنَى: أَنْ تَبَرُّوا، أَيْ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
4.    ما صورة اللغو في الأيمان ؟
اللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَخْصُوصٌ بِكُلِّ كَلَامٍ لَا يُفِيدُ، وَقَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا لَا يَضُرُّ.
والْمُرَادِ بِذَلِكَ: وَفِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ:  1- مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ؛ قَالَتْهُ عَائِشَةُ.
 2- مَا يَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ، فَيَكُونُ بِخِلَافِهِ.     3- يَمِينُ الْغَضَبِ.
4- يَمِينُ الْمَعْصِيَةِ.                                 5- دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَيَلْحَقُ بِي كَذَا.
6- الْيَمِينُ الْمُكَفِّرُ.                                 7- يَمِينُ النَّاسِي.
وجَمِيعَ هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَقْوَالِ لَا تَخْلُو مِنْ قِسْمَيْ اللَّغْوِ اللَّذَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِهَا مُمْتَنِعٌ،
فانْتَظَمَتْ الْآيَةُ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ كَسَبَهُ الْقَلْبُ، فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ، وَقِسْمٌ لَا يَكْسِبُهُ الْقَلْبُ، فَهُوَ الَّذِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ.
5.    كم أقسام الأيمان ؟ وما اليمين التي تلزم صاحبها الكفارة ؟
الْيَمِينُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: لَغْوٌ وَمُنْعَقِدَةٌ، واليمين التي تلزم صاحبها الكفارة: هي اليمين المنعقدة.
6.    ما هي كفارة اليمين ؟
إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يطعم الإنسان أهله، أَوْ كِسْوَة، أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.

2) قال الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة.
1.    ما معنى قوله: (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) ؟
أي: ولكن يؤاخذكم الله أيها المؤمنون من أيمانكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها وعقدت عليه قلوبكم
2.    هل كفارة اليمين كفارة مرتبة، أو على الإختيار، أو على الترتيب في بعض، والإختيار في بعض ؟
ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخِلَالَ الثَّلَاثَ: مُخَيِّرًا فِيهَا، وَعَقَّبَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالصِّيَامِ.  فَالْخُلَّةُ الْأُولَى هِيَ الْإِطْعَامُ، وَبَدَأَ بِهَا .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ ؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ خِلَالِهَا.
وَعِنْدِي أَنَّهَا تَكُونُ بِحَسَبِ الْحَالِ ؛ فَإِنْ عَلِمْت مُحْتَاجًا فَالْإِطْعَامُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّك إذَا أَعْتَقْت لَمْ تَرْفَعْ حَاجَتَهُمْ وَزِدْت مُحْتَاجًا حَادِيَ عَشَرَ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ تَلِيه.
3.    ما اليمين المنعقدة ؟
الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ: هِيَ الْمُنْفَعِلَةُ مِنْ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حِسِّيٌّ كَعَقْدِ الْحَبْلِ، وَحُكْمِيٌّ كَعَقْدِ الْبَيْعِ ؛ وَهُوَ رَبْطُ الْقَوْلِ بِالْقَصْدِ الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ، يَعْزِمُ بِقَلْبِهِ أَوَّلًا مُتَوَاصِلًا مُنْتَظِمًا، ثُمَّ يُخْبِرُ عَمَّا انْعَقَدَ مِنْ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ.
4.     لو حلف على زيد، يقصد عمراً، هل تنعقد يمينه ؟
لا، فَهِيَ لَغْوٌ مَحْضٌ.
5.    لو دعا على نفسه، بأن قال: لو لم يفعل كذا، أنزل الله به كذا، ما حكمه ؟
هَذَا قَوْلٌ لَغْوٌ فِي طَرِيقِ الْكَفَّارَةِ، وَلَكِنَّهُ مُنْعَقِدٌ فِي الْعَقْدِ مَكْرُوهٌ، وَرُبَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ.
6.    لو حلف على فعل معصية، هل تنعقد يمينه ؟
تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ فَكَفَّرَ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ فَجَرَ فِي إقْدَامِهِ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ.
7.    لو قال: إن دخلت دار فلان فعلي كفارة اليمين، ما حكمه ؟
يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ جِهَةِ النَّذْرِ لَا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ.
8.    هل يشترط لانعقاد اليمين، أن يحلف بالله أو بأسمائه أو بصفاته ؟
نعم، يشترط فلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ:
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا حَلَفَ بِالنَّبِيِّ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ،كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلِيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ} وَلِأَنَّ هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَنْ قَالَ: وَآدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَلَفَ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ.
9.    كم قراءة في قوله: ( عقدتم الأيمان )، وما معنى كل قراءة ؟
فِيهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتِ:   1- عَقَّدْتُمْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ، 2- وَعَقَدْتُمْ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ، 3- وَعَاقَدْتُمْ بِالْأَلِفِ.
فَأَمَّا التَّخْفِيفُ فَهُوَ أَضْعَفُهَا رِوَايَةً وَأَقْوَاهَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ فَعَلْتُمْ مِنْ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَإِذَا قُرِئَ عَاقَدْتُمْ فَهُوَ فَاعَلْتُمْ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الثَّانِي مِنْ حَلَفَ لِأَجْلِهِ فِي كَلَامٍ وَقَعَ مَعَهُ، وَقَدْ يَعُودُ ذَلِكَ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَبَطَ بِهِ الْيَمِينَ، وَقَدْ يَكُونُ فَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، كَقَوْلِك: طَارَقَ النَّعْلَ.
وَإِذَا قَرَأَ عَقَّدْتُمْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:  
1- قَالَ مُجَاهِدٌ: تَعَمَّدْتُمْ.                         
2- قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ مَا تَعَمَّدْت بِهِ الْمَأْثَمَ فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
3- قَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّشْدِيدُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ.
4- قَالَ مُجَاهِدٌ: التَّشْدِيدُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: مَا تَعَمَّدْتُمْ فَهُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي مَا قَصَدْتُمْ إلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ اللَّغْوِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ مَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ الْمَأْثَمَ فَيَعْنِي بِهِ مُخَالَفَةَ الْيَمِينِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ حَسَنَانِ .
10.                  لو حلف على تحريم الحلال، فما الذي يلزمه ؟
الْيَمِينُ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. فمَنْ قَالَ: حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي هَذَا الطَّعَامَ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ؛
وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ: أَنَّ الْيَمِينَ تُحَرِّمُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا.
11.                  ما حكم اليمين مع الإستثناء، وما صورة الإستثناء ؟
إذَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ: حَلَّتْهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكِلَاهُمَا رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
أما صورة الإستثناء: فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّهُ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
1- أَنَّهُ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ نَسْقًا عَلَيْهَا لَا يَكُونُ مُتَرَاخِيًا عَنْهَا.
2- قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالْيَمِينِ اعْتِقَادًا أَوْ بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَاسْتَثْنَى لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ.
3- أَنَّهُ يُدْرِكُ الْيَمِينَ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ  بَعْدَ سَنَةٍ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِحِلِّ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ: {إنِّي وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهَ} فَجَاءَ  بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَفْظًا فَكَذَلِكَ يَكُونُ عَقْدًا.
12.                  هل كفارة اليمين مقدمة على الفعل المحلوف عليه، أو يجوز التأخير عنه ؟
لِعُلَمَائِنَا رِوَايَتَانِ:
1- يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. لأن الْيَمِينَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ} فَأَضَافَ الْكَفَّارَةَ إلَى الْيَمِينِ. وَالْمَعَانِي تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا
2- قَالَ فِي رِوَايَةِ:لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ} فَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ عَلَى سَبَبٍ هُوَ الْحَلِفُ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ، وَمَا لَمْ يَحْنَثْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَا يُرْفَعُ، فَلَا مَعْنَى لِفِعْلِهَا، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ الْمُسْتَقْبَلَ، وَإِنَّمَا تَرْفَعُ الْمَاضِيَ مِنْ الْإِثْمِ.
13.                  ما معنى الأوسط في قوله: ( من أوسط ما تطعمون ) ؟
يَحْتَمِلُ طَعَامَهُمْ بَقِيَّةَ عُمْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ غَدَاءً وَعَشَاءً.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَكْلَةِ الْيَوْمِ: وَسَطًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَشِبَعًا فِي غَيْرِهَا.
           إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: تَتَقَدَّرُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الْبُرِّ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ بِصَاعٍ.
وَأَصْلُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَسَطَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَعْلَى وَالْخِيَارِ. وَيَنْطَلِقُ عَلَى مَنْزِلَةٍ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ.
وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ بِمَعْنَى الْخِيَارِ هَاهُنَا مَتْرُوكٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مَعْلُومَةً عَادَةً، وَمِنْهُ مَنْ قَدَّرَهَا كَأَبِي حَنِيفَةَ.



14.                  هل مِن شرط الكفارة بالإطعام، أن يأكلوا أو يكفي أن يملكهم ؟
لَا بُدَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ تَمْلِيكِ الْمَسَاكِينِ مَا يَخْرُجُ لَهُمْ، وَدَفْعِهِ إلَيْهِمْ حَتَّى يَتَمَلَّكُوهُ وَيَتَصَرَّفُوا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ.
حَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الطَّعَامِ إطْعَامٌ، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا..} فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَطْعَمَهُ دَخَلَ فِي الْآيَةِ.
          وقيل: إنَّ الْإِطْعَامَ هُوَ التَّمْلِيكُ حَقِيقَةً قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}.
وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ يَدَّعِي التَّمْلِيكَ هُوَ الَّذِي يُخَصِّصُ الْعُمُومَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَنَخُصُّهُ نَحْنُ بِالْقِيَاسِ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ التَّامُّ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْهُ الْمِسْكِينُ مِنْ الطَّعَامِ تَمَكُّنَ الْمَالِكِ، كَالْكِسْوَةِ .
15.                  هل يجزئ أن يطعم مسكيناً واحداً أو اثنين دون العدد المذكور ؟
1- إذَا دَفَعَهَا إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِيهِ، وَتَعَلَّقَ بِالْآيَةِ وَهِيَ عَكْسُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مَعَهُمْ، وَنَحْنُ نَفْتَقِرُ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ، وَمَعَنَا نَحْنُ ظَاهِرُ الْعَدَدِ وَذِكْرُهُ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ إسْقَاطَهُ بِالْمَعْنَى.
وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. فَذَكَرَ الْإِطْعَامَ وَالْمَطْعُومَ فَتَعَيَّنَا.
16.                  ما أقل ما يجزئ في الكسوة، اذكر أقوال العلماء في ذلك مع بيان الراجح ؟
1- قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
2- وَقيلَ: أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَفِي رِوَايَةِ لمَالِكٍ:مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ يُمَاثِلُ مَا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ ؛ فَإِنَّ مِئْزَرًا وَاحِدًا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَيَقَعُ بِهِ الِاسْمُ.
قال ابن العربي: وَمَا كَانَ أَحَرَصَنِي عَلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا كِسْوَةٌ تَسْتُرُ عَنْ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ طَعَامًا يُشْبِعُهُ مِنْ الْجُوعِ فَأَقُولُ بِهِ.
17.                  هل تجزيء القيمة عند الطعام والكسوة ؟
1- لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ عَنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ. وَعُمْدَتُهُ: أَنَّ الْغَرَضَ سَدُّ الْخُلَّةِ، وَرَفْعُ الْحَاجَةِ، فَالْقِيمَةُ تُجْزِئُ فِيهِ.
قُلْنَا: إنْ نَظَرْتُمْ إلَى سَدِّ الْخُلَّةِ فَأَيْنَ الْعِبَادَةُ ؟ وَأَيْنَ نَصُّ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَعْيَانِ الثَّلَاثَةِ وَالِانْتِقَالُ بِالْبَيَانِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ ؛ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْقِيمَةَ لَكَانَ فِي ذِكْرِ نَوْعٍ وَاحِدٍ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ وَيُغْنِي عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ.
18.                  هل يجزئ عن الكفارة، إطعام الذمي أو كسوته، بيّن ما تقول ؟
1- إذَا دَفَعَ الْكِسْوَةَ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ الطَّعَامَ لَمْ يُجْزِهِ.
2- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمَسْكَنَةِ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ، فَعَلَيْنَا التَّخْصِيصُ، فَتَخْصِيصُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ نَقُولَ: هُوَ كَافِرٌ، فَلَا يَسْتَحِقُّ فِي الْكَفَّارَةِ حَقًّا كَالْحَرْبِيِّ.
                       أَوْ نَقُولَ: جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ يَجِبُ إخْرَاجُهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ، أَصْلُهُ الزَّكَاةُ.
وَقَدْ اتَّفَقْنَا مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِلْمُرْتَدِّ، فَكُلُّ دَلِيلٍ خَصَّ بِهِ الْمُرْتَدَّ فَهُوَ دَلِيلُنَا فِي الذِّمِّيِّ.
19.                  ما معنى قوله: ( فمن لم يجد ) ؟
الْمُعْدَمُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَكُونُ لِوَجْهَيْنِ: إمَّا لِمَغِيبِ الْمَالِ عَنْ الْحَالِفِ، أَوْ لِعَدَمِ ذَاتِ الْيَدِ .
فَإِنْ كَانَ لِمَغِيبِ الْمَالِ فَحَيْثُ كَانَ ثَاوِيًا كَانَ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَوَجَدَ مِنْ يُسَلِّفُهُ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ،
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُسَلِّفُهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَنْتَظِرُ إلَى بَلَدِهِ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ؛ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ، وَالشَّرْطُ مِنْ الْعَدَمِ قَدْ تَحَقَّقَ، فَلَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِ الْأَمْرِ.
20.                  هل يلزم التتابع في صيام الكفارة ؟
1- يلزم التتابع، قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ {مُتَتَابِعَاتٍ}.
2- وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ التَّفْرِيقُ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ، إذْ التَّتَابُعُ صِفَةٌ لَا تَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ، وَقَدْ عُدِمَا فِي مَسْأَلَتِنَا.
21.                  إلى أي شيء توجّه قوله: ( ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ) ؟
يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: 1- احْفَظُوهَا، فَلَا تَحْلِفُوا فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ التَّكْلِيفَاتُ.
2- احْفَظُوهَا إذَا حَنِثْتُمْ ؛ فَبَادِرُوا إلَى مَا لَزِمَكُمْ.
3- احْفَظُوهَا فَلَا تَحْنَثُوا ؛ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْبُرُّ أَفْضَلَ أَوْ الْوَاجِبَ.
وَالْكُلُّ عَلَى هَذَا مِنْ الْحِفْظِ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ وَصِفَتِهِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَيْهِ، فَلْيُرَكَّبْ عَلَى ذَلِكَ.

3) قال الله تعالى : {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (270) سورة البقرة.
1.    عرف النذر شرعاً ؟
حَقِيقَةِ النَّذْرِ: هُوَ الْتِزَامُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّا يَكُونُ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ الْأَعْمَالِ قُرْبَةً. وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ الْمُبَاحِ.
2.    ما النذر الذي ينعقد، وما الذي لا ينعقد ؟


3.    هل النذر مشروع، مرغّب فيه، أو مكروه ؟
النذر غير مشروع ولا مرغب فيه، بل هو مكروه، لأن النبي e قال: "إنما يستخرج به من البخيل".
4.    ما حكم الوفاء بالنذر، وما دليلك ؟
الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ.
5.    ما الذي قاله النبي e في النذر ؟
ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ}.

6.    ما الحكم فيمن نذر: أن لا يتكلم، وأن لا يجلس، وأن لا يستظل، وأن يصوم ولا يفطر ؟
يؤمر بِإِتْمَامِ الْعِبَادَةِ وينهى عَنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ.
7.    لماذا ختم الآية بقوله: ( فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ؟
أي: أن جميع ذلك بعلم الله، لا يعزب عنه منه شيء، ولا يخفى عليه منه قليل ولا كثير، ولكنه يحصيه أيها الناس عليكم حتى يجازيكم جميعكم على جميع ذلك، فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من نفسه، جازاه بالذي وعده من التضعيف؛ ومن كانت نفقته وصدقته رياء الناس ونذروه للشيطان جازاه بالذي أوعده من العقاب وأليم العذاب.
8.    هل النذر يلزم بمجرد أن يوجب المرء على نفسه، أو لا بد من تحقق المنذور به ؟
بل هو ما أوجبه المكلف على نفسه من العبادات، مما لو لم يوجبه لم يلزمه.
9.    لو أوجب على نفسه طاعة، من غير أن يعلقها بتحقق مرغوب، أن السلامة من مرهوب، فهل يلزم الوفاء به ؟ وهل تجد على هذا دليلاً من القرآن الكريم، فما هو ؟



 



·      لقد احتوت المذكرة على أسئلة الشيخ المقررة، والإجابة عليها نقلاً من كتاب ابن العربي في الغالب، والقرطبي أحياناً في تفسير آيات الأحكام.
·      نقلت في المسألة جميع ما ذكر فيها من أقوال، وذلك حرصاً على أن تكون المذكرة مستوفية وشاملة. ولأنه قد يُطلب في السؤال ذكر الأقوال أحياناً.
·      تركت للطالب الحرية فيما إذا كان ينظر في جميع أقوال المسألة، أو يكتفي بقول واحد، والقول المختار واضح في معظم المسائل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق