الأربعاء، 16 أغسطس 2017

مدخل إلى المنطق

بسم الله الرحمن الرحيم
المنطق ونقده

مقدمة:
يزعم أهل المنطق أن الكلام له ظاهر وباطن.
فالظاهر: ما يتعلق بنطق اللسان، وتقويمه بعلم النحو وعلوم اللغة.
والباطن: ما يتعلق بالعقل والتفكير، وتقويمه بعلم بالمنطق.

-     تعريف علم المنطق: هي آلة قانونية تَعْصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر، قال بعضهم: هذا التعريف للعلم بذكر الثمرة.

-     الهدف من علم المنطق: يتعرّف الإنسان بدراسة المنطق عن ماهية الشيء، وهو ما يسمى بالحد.
وقال بعضهم: علم يُعرّفك الحكم على ماهية الشيء، وهو ما يسمى بالبرهان العقلي أو القياس.

-     المنطق للفكر: موجود سبق العمل به قبل تدوينه.

-     نسبة هذا الفن إلى العلم كنسبة النحو إلى الكلام:
-     فهو علم موجود في أذهان الناس، وسَبَق استعمال تدوينه، مثله في ذلك مثل علم النحو، إذ أن العرب كانت تتكلم باللغة بأصول النحو وقواعده، حتى جاء سيبويه فوضع هذا العلم على أصول التأليف، وكذلك كان جُهد أرسطو طاليس في علم المنطق بالترتيب والتأصيل وإظهار هذا العلم،
     قال صاحب السُّـلَّم:        وبعد فالمنطق للجنان *** نسبته كالنحو للسان.

-     موضوع هذا الفن: يدور موضوع هذا الفن على أمرين:
1-         التصوّرات: وهي إدراك ماهية الشيء دون الحكم عليه بالنفي والإثبات.
وطريق الوصول إليه: هو الحد: وهو القول الدال على الشيء، وعلى لسان المناطقة يسمونه: القول الشارح.
  مثال ذلك: يقولون في تعريف الإنسان: حيوان ناطق، أي فيه حياة وروح، وناطق معناه: مفكر لا النطق باللسان، لأنهم يريدون المعنى الباطن، ويدخل تحت التصوّرات: الألفاظ ودلالاتها.

2-         التصديقات: وهي نسبة الحكم إلى الماهية المتصورة،
وطريق الوصول إليه: القياس.
والقياس: هي قضايا متى سُلّمت لَزِم منها قول آخر، مثال ذلك: العالم حادث، وكل حادث له محدث، فالعالم له محدث،
مثال آخر: النبيذ مسكر (قضية جزئية)، وكل مسكر حرام(قضية كلية)، فالنبيذ حرام(النتيجة). 

-     كيف نشأ علم المنطق ؟
-     لماذا رفض المسلمون علم المنطق ؟

* الأوجه الشرعية في رفض علم المنطق:
1) لأن هذا العلم لم يكن معروفاً في صدر الإسلام لا في عهد الصحابة ولا التابعين ولا غيرهم من القرون المفضلة.
والسبب في ذلك: إما أن يكون هذا العلم لم يكن وجوداً، أو كان موجوداً ولم يلتفت إليه الصحابة رضوان الله عليهم، والناس ليسوا بحاجة إلى فَهْم الشريعة إلى ما عند الناس من العلوم حتى ولو كانت صحيحة فضلاً عن أن تكون مبنية على علم الفلسفة والإلحاد.
2) أن هذه العلوم نشأت في بيئة فلسفية لا تؤمن إيماناً صحيحاً بالله تعالى ولا برسله عليهم الصلاة والسلام، وهي مشتملة على أمور معرفية وأمور إيمانية.
3) خشية الإغترار به، وذلك لصِدق كثير من قضاياه، فخشية أن يغتر الناس بذلك رفض العلماء دراسة المنطق،
حتى إن شيخ الإسلام اعترف بذلك في الرد على المنطقيين بقوله:
"وكنت أحسب أن كثيراً من قضاياه صادقة حتى تبين لي أن كثيراً من قضاياه مبنيّة على فساد في الإلـهيات" اهـ .
إن دراسة المنطق لا توصل إلى علم اليقيني، ولا إلى إيمان حقيقي، بل أكثر من دَرَسه واعتدّ به على أنه برهان عقلي ثابت، انتهى أمره إلى الحيرة والإضطراب في باب الإيمانيات.
5) أن علم المنطق شمل لوازم فاسدة تناقض العلم والإيمان، من ذلك:

1- القول بقِدَم العالم، فالعالم كانت موجودة مع الله وإنما تتأخر عن الله بالوجود الذهني لا الزمني.
2- إنكار الصفات الثابتة لله عز وجل، لأن الواحد عنهم لا ينتج عنه إلا واحد، وإثبات الصفات تقتضي التعدد لذا ينكرون الصفات.
3- إنكار علم الله بالجزئيات.
4- إنكار النبوات ومعجزات الأنبياء، لأن النبوة عندهم إنما هي عبارة عن شيء مُكتَسب يمكن للإنسان اكتسابه بكثرة الرياضات العقلية لا منحاً من الله.

* الأوجه العقلية لرفض علم المنطق:
دل العقل صراحة على أن علم المنطق: لا يستفيد منه الغبي ولا يحتاج إليه الذكي، وذلك لوجوه:
1)                                       أن علم المنطق علم تجريدي لا يبحث في الواقع ولا صلة له بالجزئيات، لأنه علم ذهني يبحث في عالم الكليات لا وجود له في الخارج.
2)                                       أننا نرى كثيراً من العلوم كالهندسة والطب والفلك تتقدم تقدّماً كبيراً دون أن يكون كبار الباحثين فيها تخرجوا على منطق أرسطو، يقول شيخ الإسلام: "إننا لا نجد أحداً من أهل الأرض حقق علماً من العلوم وصار إماماً فيه بفضل المنطق، لا من العلوم الدينية ولا غيرها، فلأطباء والمهندسون وغيرهم يحققون ما يحققون من علومهم بغير صناعة المنطق، وقد صُنّف في الإسلام علوم النحو والعروض والفقه وأصوله وغير ذلك، وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق، بل عامتهم كانوا قبل أن يُعرف المنطق اليوناني. اهـ من كتاب (نقض المنطق).
3)                                       طرق هؤلاء المناطقة فيها فساد كثير من جهة المقاصد والوسائل.
فأما المقاصد: فإن الحاصل من هذا العلم بعد التعب والمشقة قليل الجدوى،
              فهو كلحم جمل غثّ، على رأس جبل وَعِر، لا سهلٌ فيُرتَقى، ولا سمينٌ فيُنـتقل،
وأما الوسائل: فطريقه كثيرة المقدمات طويلة المسالك، يتكلّفون فيها العبارات البعيدة والطرق الوعرة،
             وليس فيه من فائدة سوى تضييع الأزمان وإتعاب الأذهان وكثرة الهذيان ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان.

حكم دراسة المنطق الأرسطي
قال صاحب السلّم:            والخُلف في جواز الإشـتغال            به عـلى ثـلاثة أقـوال
فابن الصلاح والنواوي حرّما            وقال قوم ينـبغي أن يُعلما
والقولة المشهورة الصحيحة              جـوازه لكامل القـريحة
ممارس السـنة والكـتاب               ليهتـدي به إلى الصواب
-     اختلف الناس في حكم الإشتغال بعلم المنطق على ثلاثة أقوال:
1-             القائلين بوجوب تعلمه، وهو قول بعض الفلاسفة مثل الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم،
وذلك لأنه لا خلاف عندهم بين المنطق والإسلام، بل يقول بعضهم: إنه لا غنى في الدفاع به عن عقيدة الإسلام.
2-             القائل بجواز تعلم هذا العلم، ويمثّل هذا القول عبد الوهاب السُّبكي وصاحب السلّم،
وذلك: لمن استكمل معرفته بالقرآن والحديث الشريف، وتمكّن من فروع الفقه بحيث لا يخشى عليه افتتانه بهذا العلم.
3-             القول بتحريم الإشتغال بهذا العلم وهو الصحيح، وعليه جماهير السلف من الأئمة وأهل الحديث كالإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي وابن الصلاح والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال شيخ الإسلام: "ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمّونه ويذمون أهله، وينهون عنه وعن أهله حيث رأيت للمتأخرين فُتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله. اهـ.
ولكن قد يُقال: بجواز حكايته لبيان عوره وإثبات فساده وعديم فائدته، مثله في ذلك مثل الأحاديث الموضوعة تُحكى لبيان وضعها
قال صاحب السلم:                     إدراك مفرد تصوّراً عُلِم     ودرك بتصديق وُسِم
وقُدّم الأول عند الوضع       لأنـه مـقدّم بالطـبع
والنظري ما احتاج للتـأمل       وعكسه هو الضروري الجلي
وما بِه إلى تصـوّر وُصـل       يُدعى بقول شارح فلتبتهل
وما لتـصديق بـه توصّلا       بحجة يُعـرف عند العُقلا
الشرح:
 البيت الأول يشير فيه المصنّف إلى أن العلم ينقسم إلى قسمين:
1)           إدراك حقيقة الشيء المفرد، ويُسمى عند المناطقة: التصوّر.
  2) نسبة الحكم إلى الماهية المتصورة، ويسمى عند المناطقة: التصديق.

البيت الثاني: يشير فيه المصنف إلى أن مبحث التصوّرات في علم المنطق مقدم على التصديق، والسبب في ذلك هو: طبيعة العلم، فالإنسان لا يمكن أن يحكم على شيء بنفي أو إثبات إلا إذا تصوره، ولذا قيل: ( الحكم على الشيء فرع عن تصوره ).

البيت الثالث: يشير فيه المصنف إلى أن التصورات والتصديقات تنقسم إلى قسمين: نظري وضروري.
1)           فالتصوّر الضروري مثلاً: مثل قولك: الواحد نصف الإثنين، ويسمونه أيضاً: البديهي لأنه بمجرد سماع المثال علمت وأدركت المثال.
2)           والتصور النظري هو: ما احتاج إلى التأمل والتفكّر، مثل قولك: الواحد نصف سدس الإثني عشر.

والتصور الضروري والتصديق النظري ما هما ؟
1-         فالتصديق الضروري، مثاله من المثال الأول وهو: تصديق نسبة الواحد إلى الإثنين وهي النصف.
2-         ومثال التصديق النظري هو من المثال الثاني: تصور نسبة الواحد إلى الإثني عشر، فأولاً تتصور لنسبة السدس ثم نسبة النصف، فتحتاج إلى التأمل.

البيت الخامس: أشار الناظم إلى أن الطريق الموصل إلى التصديق يُدعى بـ(الحجة)، أو (البرهان العقلي)، أو (القياس المنطقي)، ويكون الكلام فيه القضايا الكلية، والقضايا الجزئية، والقضايا الموجبة، والقضايا السالبة، لأن القياس: قول مؤلف من قضايا، متى سُلّمت لزم منها لذاتها قول آخر.

دلالات الألفاظ    
              قال صاحب السلم:     دلالة اللفظ على ما وافقه      يدعـونها دلالة المطابقة
                                         وجزئه تضـمنا وما لزم       فهو التزام إن بعقل التزم
في هذه الأبيات يشير الناظم إلى أن دلالات الألفاظ تنقسم ثلاثة أقسام:

1)           دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام معناه، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق،
 وذلك لأن اللفظ فهم منه المعنى مطابقة بتمامه.
2)           دلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ على جزء معناه، كدلالته على الحيوان أو الناطق،
وذلك لأنك لو سمعت لفظ (الإنسان) فهمت منه تضمنا أن اللفظ تضمن معنى (الحيوان) أو (الناطق) .
3)           دلالة الإلتزام: وهي دلالة اللفظ على معنى خارج لازم له، مثاله: كدلالة الأربعة على الزوجية، فالأربعة يلزم منه أن تكون زوجاً لا فرداً .

قول الناظم: ( إن بعقل التزم )
معناه: أن دلالة الإلتزام وجودها يكون في الأذهان، فالباء هنا بمعنى (في) أي الباء في قوله: (بالعقل) معناه: (في). لأن وجوده في الخارج دون الأذهان، كالسواد للغراب، لا يسمى دلالة الإلتزام لعدم وجوده في الذهن، فالغراب لا يدخل على السواد لا لالتزام ولا مطابقة ولا تضمن.
فقوله: (إن بعقل التزم) ليخرج ما كان الإلتزام موجود في الخارج كالسواد للغراب، أما الأربعة فيدل على الواحد والإثنين تضمنا، ويدل على الواحد والإثنين والثلاثة والأربعة مطابقة، ويدل على الزوجية التزاماً، لأن دلالة ذلك إنما عرف بالعقل والذهن.

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق