F
القيام للجنازة
فيه فصول:
الفصل الأول وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
تعريف الجنازة
المبحث
الثاني: الإستعداد للموت
المبحث
الثالث: حقوق الميت
الفصل الثاني وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول:
الأحكام الواردة في القيام للجنازة
المبحث
الثاني: الأحاديث الواردة في نسخ القيام
المبحث
الثالث: في اختلاف العلماء في نسخ القيام
الفصل الأول
المبحث الأول: تعريف الجنازة
تعريف الجنازة:
القيام : مصدر قام يقوم وهو مضاف.
الجنازة بكسر الجيم وفتحها، قال ابن قتيبة وجماعة: والكسر أفصح،
لغة : اسم للميت ، أو
للنعش عليه ميت ، فإن لم يكن عليه ميت ، فلا يقال : نعش ولا جنازة ، بل سرير ،
قاله الجوهري .
وحكى صاحب المطالع أنه يقال: بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه
الميت، ويقال عكس ذلك، أو بالكسر السرير مع الميت انتهى.
فإذا قيل : جنازة أي
ميت، وإذا قيل : جنازة أي نعش .
وهذا تفريق دقيق ؛ لأن
الفتح يناسب الأعلى ، والميت فوق النعش ، والكسر يناسب الأسفل والنعش تحت الميت [1].
والجنازة مشتقة من جنز إذا ستر، قاله ابن فارس وغيره، والمضارع
يجنز بكسر النون قاله النووي.
والجنائز بفتح الجيم لا غير قاله النووي والحافظ وغيرهما.
فال الخليل: الجنازة
بنصب الجيم وجرها: الإنسان الميت.
والشيء الذي تقل على قوم واغتموا به أيضا جنازة قال:
وما كنت أخشى لن
أكون جنازة - عليك ومن بغتر بالـحـدثـان
وقوم ينكرون الجنازة
للميت يقولون: الجنازة بكسر الصدر، خشبة الشرجع، وإذا مات فإن العرب تقول: رمي في جنازته.
وقد جرى في أفواه العامة الجنازة بنصب الجيم والنحارير ينكرونه[2].
الفصل الأول
المبحث الثاني: الإستعداد للموت
فإن الموت
لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه قال تعالى: ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه
تحيد )[3]
.
(كل نفس ذائقة الموت) [4]،
(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) [5]،
(كل شيء هالك إلا وجه له الحكم وإليه ترجعون) [6]
.
يخطئ من
يظن أن الموت فناء محض وعدم تام، ليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ولا نشر ولا جنة
ولا نار . إذ لو كان الأمر كذلك لا نتفت الحكمة من الخلق والوجود، ولاستوى الناس
جميعاً بعد الموت واستراحوا، فيكون المؤمن والكافر سواء، والقاتل والمقتول سواء،
والظالم والمظلوم سواء، والطائع والعاصي سواء، والزاني والمصلي سواء، والفاجر
والتقي سواء، وهذا مذهب الملاحدة الذين هم شر من البهائم، فلا يقول ذلك إلا من خلع
رداء الحياء، ونادى على نفسه بالسفه والجنون. قال تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) [7].
ولو أنا إذا متنا تـركنا لكان الموت غابة كل حي
ولكنا إذا متنا بعـــثنا ونسـأل بعده عن كل شيء
فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها
له، والانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال، و تنقطع التوبة والإمهال،
قال النبي e: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)[8]
.
والموت من أعظم
المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: (فأصابتكم مصيبة الموت) [9]
.
فإذا كان العبد طائعاً
ونزل به الموت ندم أن لا يكون ازداد وإذا كان العبد مسيئاً تدم على التفريط وتمنى
العودة إلى دار الدنيا، ليتوب إلى الله تعالى، ويبدأ العمل الصالح من جديد. ولكن
هيهات هيهات!! قال تعالى : (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) [10]
.
قال الإمام
القرطبي: (قال علماؤنا: قوله عليه السلام: «أكثروا ذكر هاذم اللذات»كلام مختصر
وجيز، وقد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه
لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهده فيما كان منها يؤمل، ولكن
النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعاظ، وتزويق الألفاظ، وإلا
ففي قوله عليه الصلاة والسلام: «أكثروا ذكر هاذم اللذات» مع قوله تعالى: (كل نفس
ذائقة الموت) ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه.
ولقد أحسن
من قال: اذكر الموت هاذم اللذات وتجهز لمصرع سوف يأتي
وقال غيره: اذكر الموت تجد راحة في ادكار الموت تقصير الأمل
وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها :
1-
أنه يحث على الاستعداد
للموت قبل نزوله.
2-
أن ذكر الموت يقصر
الأمل في طول البقاء. وطول الأمل من أعظم أسباب الغفلة.
3-
أنه يزهد في الدنيا
ويرضي بالقليل منها، فعن أنس بن مالك t أن رسول الله e مر بمجلس وهم يضحكون فقال: (أكثروا ذكر هاذم
اللذات) أحسبه قال: (فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا
ضيقه عليه) [12].
4-
أنه يرغّب في الآخرة
ويدعو إلى الطاعة .
5-
أنه يهوّن على العبد
مصائب الدنيا .
6-
أنه يمنع من الأشر
والبطر والتوسع في لذات الدنيا .
7-
أنه يحث على التوبة
واستدراك ما فات .
8-
أنه يرقق القلوب ويدمع
الأعين، ويجلب باعث الدين، ويطرد باعث الهوى.
9-
أنه يدعو إلى التواضع
وترك الكبر والظلم.
10-
أنه يدعو إلى سل السخائم
ومسامحة الإخوان وقبول أعذارهم.
عن ابن مسعود t قال: خط النبي e خطا مربعاً، وخط خطا في الوسط خارجاً منه، وخط
خططاً صغراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: (هذا الإنسان،
وهذا أجله محيط به- أوقد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار
الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا)[13]
.
الأسباب الباعثة على ذكر الموت
2-
زيارة مغاسل الأموات
ورؤية الموتى حين يغسلون.
3-
مشاهدة المحتضرين وهن
يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.
4-
تشييع الجنائز والصلاة
عليها وحضور دفنها.
5-
تلاوة القرآن، ولا
سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق) .
6-
الشيب والمرض، فإنهما
من رسل ملك الموت إلى العباد.
7- الظواهر
الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت والقدوم عليه سبحانه
كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف المدمرة.
8-
مطالعة أخبار الماضين
من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.
سكرات الموت وشدته
إن للموت
ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح
لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل
جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد
أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه
لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من
حلقه وصدره، وقد تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد
كربة، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به
الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.
قالت عائشة
رضي الله عنها: كان بين يدي النبي e ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء،
فيمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت سكرات) [15]
.
وتشديد
الله تعالى على أنبيائه عند الموت رفعة في أحوالهم، وكمال لدرجاتهم، ولا يفهم من
هذا أن الله تعالى شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة والمخلطين، فإن تشديده على
هؤلاء عقوبة لهم ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا..
رسل ملك الموت
ورد في بعض الأخبار أن
نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون
الناس على حذر منك ؟ قال : نعم، لي والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض،
والشيب، والهموم، وتغير السمع والبصر.
وفي صحيح البخاري عن
أبى هريرة t ، عن النبي e قال: (أعذر الله إلى امرئ بلغة ستين سنة)
وأكبر الأعذار إلى بني
آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه: (وما كنا معذبين حتى نبعث
رسولا) [17]
وقال سبحانه: (وجاءكم النذير) [18]
قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.
كيف ماتوا ؟
إعلم أن
حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهرة وصلح باطنه، أما سوء الخاتمة فإنها تكون
لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب
عليه ذلك حتى ينزل به الموت قبل التوبة، أو يكون مستقيماً ثم يتغير عن حاله، ويخرج
عن سننه، ويقبل على معصية ربه، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته، والعياذ بالله .
الفصل الأول
المبحث الثالث: حقوق الميت
ما يسن عند الاحتضار
1-
أن يحسن الظن بالله :
أي يرجو مغفرة الله لذنوبه ويخاف عقابه سبحانه وتعالى لقول النبي e (( لا يموتن أحدكم
إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ))[19] .
2-
أن يؤدي الحقوق لأهلها إن تيسر له ذلك :
قال
e: (( من كانت عنده مظلمة لأخيه من
عرضه أو ماله فليؤدها إليه ، قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم
، إن كان له عمل صالح ، أخذ منه ، وأعطى صاحبه ، وإن لم يكن له عمل صالح ، أخذ من
سيئات صاحبه فحملت عليه )) [20].
3-
تلقين المحتضر الشهادتين :
وذلك
من غير إلحاح عليه لئلا يضجر فيتكلم بكلام لا يليق .
4-
توجيهه إلى القبلة مضطجع على شقه الأيمن :
5-
تغطيته لئلا ينكشف وسترا لصورته
المتغيرة عن الأعين :
6-
قضاء ما عليه من دين :
بعد
التأكد من قدر الدين والمدين له سواء كانت حقا لله أو حقا لخلقه إلا أن يبرئه
الدائن لحديث سعد بن الأطول t: (( أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم
، وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله : فقال لي النبي e: إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضي
عنه )) [25].
7-
الاسترجاع عند الموت (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) :
قال
تعالى : (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وألئك هم المهتدون ))[26].
ولما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله e يقول : (( ما من
عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي أخلف لي
خيرا منها )) قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله e ، فأخلف الله لي
خيرا منه (( رسول الله e )) [27].
8-
إعلام الناس وإخبارهم بوفاة الميت
:
استحب
العلماء إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه وأهل الصلاح بموته ليكون لهم أجر
المشاركة في تجهيزه وليشفعوا له حين الصلاة عليه .
لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن النبي e نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج
بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعا [28].
البكاء على الميت من غير نياحة ولا رفع صوت
لقول النبي e (( إن الله لا
يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب أو يرحم )) وأشار إلى لسانه وبكى لموت
ابنه لإبراهيم وقال : (( إن العين تدمع والقلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا
بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) [29].
النياحة على الميت
وهي
رفع الصوت بالبكاء وشق الجيوب وضرب الخدود لما في من الاعتراض على قدر الله .
فعن أبي مالك الأشعري : أن النبي e قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا
يتركونهن الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة
)) وقال e : (( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم
القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ))[30].
ولحديث
(( اثنان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت ))[31].
الإحداد على الميت
أي
الحزن على الميت وترك التطيب والتزين حزنا على المتوفى ، ثلاثة أيام لقريباته وأربعة
أشهر وعشرة لزوجاته ـ لما روى البخاري ومسلم عن أم عطية أن النبي e قال : (( لا تحد
المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا … إلخ
الحديث ))[32].
صنع الطعام لأهل الميت
لأن
ذلك من فعل البر والمعروف والتقرب إلى الأهل والجيران ويلح عليهم لأكلوا لئلا
يضعفوا بتركه استحياء أو جزعا .
فعن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله e: (( اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم
)) [33].
قال
الإمام الشافعي:
(( واجب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل
الميت في يوم يمون وليلته طعاما يشبعهم ن فإن ذلك سنة وذكر كريم ، وهو من فعل أهل
الخير قبلنا وبعدنا ))[34] .
استحباب
طلب الموت في أحد الحرمين ( مكة أو المدينة
)
وبوب
البخاري باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها[35].
ثم
ساق حديث طلب موسى أن يقربه الله من الأرض المقدسة قدر رمية بحجر قال : قال رسول
الله e : (( فلو كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى
جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر ))[36].
ولما
روي عن حفصة رضي الله عنها أن عمر t قال اللهم ارزقني
شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك e فقلت : أنى هذا ؟ فقال : يأتيني له الله به إن
شاء .
ثواب من مات له ولد
روى البخار ومسلم عن أبي سعيد الخدري t أن النساء قلن للنبي e اجعل لنا يوما ،
فوعظهن وقال أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار )) قالت
امرأة : واثنان قال : (( واثنان )) [37].
علامات حسن الخاتمة
وهي
بشائر تدل على الخير الذي سيقدم عليه إن وقعت له قبل موته . منها :
1- النطق بالشهادتين قبل الموت لحديث (( من كان آخر
كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ))[38].
2- الموت ليلة الجمعة لحديث (( ما من
مؤمن يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ، إلا وقاه الله فتنة القبر ))[39].
3- الاستشهاد في ساحة القتال للآيات والأحاديث الكثيرة
التي تدل على فضل الشهادة في سبيل الله .
4- الموت بالأمراض والأوجاع ، كداء البطن والسل ،[40] وموت
المرأة في نفاسها إن كانوا صابرين محتسبين للأجر من الله .
5- الموت على عمل صالح ، لحديث : ((
من قال لا إله إلا اله ابتغاء وجه الله ختم له بها ، ودخل الجنة ومن صام يوما
ابتغاء وجه الله ختم له بها، خل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له
بها، دخل الجنة ))[41].
تنبيه
: ـ بوب البخاري في صحيحه [42] باب (( لا
يقول : فلان شهيد )) . فهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس ، لأن الشهادة هي شهادة
الملائكة له بدخول الجنة وقبول الله لعمله وهو من علم الغيب .
الموت راحة
لما روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة t أن رسول الله e مُر عليه بجنازة، فقال : مستريح ومستراح منه ))
فقالوا : يا رسول الله وما مستريح وما مستراح منه ؟ فقال (( العبد المؤمن مستريح
من نصب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب )) [43].
كيفية غسل الميت
وهو
خاص بالمسلم الذي لم يقتل بالمعركة بأيدي الكفار ويشرحه حديث أم عطية رضي الله
عنها في وصف غسلهم لزينب رضي الله عنها كما أمرهم رسول الله e .
1- أن يوضع الميت فوق مكان مرتفع ويجرد من ثيابه .
2- أن يوضع عليه ساتر يستر عورته إلا الصبي فإن كان
مميزا مشتهى فإنه تستر عورته وإلا فلا [44].
3- يغسل المرأة النساء ويجوز للزوج أن يغسل زوجته
ويغسل الرجل الرجال ويجوز أن تغسله زوجته .
4- أن يختار ثقة أمينا صالحا لغسل الميت ليستر ما يظهر
له من الشر وينشر ما يرى من الخير .
5- النية ومحلها القلب .
6- يلف على يده خرقة غليظة حتى لا يتحسس عورته يمسح
بها عورته .
7- يعصر بطن الميت عصرا رقيقا لإخراج ما يكون في البطن
من الفضلات .
8- ويزيل ما خرج من النجاسة .
9- ثم يوضئ الميت وضوءه للصلاة .
10- ثم يغسله بالماء والصابون ثلاثا أو خمسا بدءاُ
بالجنب الأيمن ثم الجنب الأيسر ويخلط معه شيء من الطيب والسدر .
11- ثم يعم الماء على جميع البدن بدءا بالرأس .
12- إن كانت امرأة نقض شعر رأسها يدخله الماء ثم أعيد
كما كان يضفر شعر المرأة ثلاث ضفائر .
13- تنشيفه بعد الانتهاء من الغسل .
14- إن خرج من الميت شيء من النجاسة استحب إعادة وضوئه
مرة أخرى .
15- إذا لم يوجد الماء فإن الميت ييمم بضربتين بالتراب
الطاهر بيد المغسل يمسح بهما وجهه وظاهر كفيه .
الكفـــن
ويستحب
في الكفن أن يكون :
1- حسنا نظيفا سترا للبدن لحديث : (( إذا كفن أحدكم
أخاه فليحسن كفنه ))[46].
2- أن يكون أبيض اللون لقول النبي e: (( البسوا من ثيابكم البيض فإنها
من خير ثيابكم وكفنوا بها موتاكم ))[47].
3- أن يبخر ويطيب [48].
4- أن يكون ثلاث لفائف توضع واحدة فوق الأخرى للرجل
وخمس لفائف للمرأة إزار وقميص وخمار ولفافتين واحدة فوق الأخرى وإن التزم فجعل
المرأة كالرجل فلا بأس إذ لا دليل على التفريق .
الكفـــن من الحريــر
لا
يحل للرجل الكفن من الحرير ويحل للمرأة . لقول النبي e: (( أنهما حرام على ذكور أمتي حل لإناثها )) ولكن
تركه أولى لما فيه من الإسراف .
الصلاة على الميت
ولها
فضل عظيم .
لما
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : أن النبي eقال
: (( من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ،
أصغرهما مثل أحد )) أو أحدهما مثل أحد [49].
شروطها وأركانهـــا
1- الطهارة من الحدث الأكبر ( الجنابة ، الحيض ،
النفاس ) والأصغر .
2- استقبال القبلة .
3- ستر العورة .
4- طهارة البدن والثوب والمكان .
5- النية ومحلها القلب .
6- القيام القادر على القيام .
7- التكبيرات الأربع وتشمل الفاتحة والصلاة على النبي
والدعاء للميت .
8- السلام .
كيفيــة أدائـهــــا
يكبر
التكبيرة الأولى رافعا يديه مع كل تكبيرة لفعل ابن عمر وعدم إنكار الصحابة عليه
وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ثم يقرأ بفتحة الكتاب وسورة لحديث ابن
عباس [50] ثم يكبر
فيصلي على النبي e لحديث أبي أمامة t [51].
ثم
يكبر فيدعو للميت وأهله .
ثم
يكبر فيدعو لنفسه .
ثم
يسلم تسليمة واحدة عن يمينه لحديث أبي هريرة [52], عن سلم
تسليمتين جاز له ذلك . وقد فصلها حديث أبي هريرة [53].
بعض الأدعية التي تقال للميت
بعد
التكبيرة الثالثة
مما
ثبت عن رسول الله e :
1- (( اللهم اغفر وارحمه واعف عنه وعافه واكرم نزله
ووسع مدخله ، ونقه من الخطايا كما ينفى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خير
من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب القبر ))[54].
2- (( اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ،
وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن
توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده )) [55].
موقف
الإمــام من الرجــل والمــرأة
من
السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ، وعند وسط المرأة لفعل أنس t أنه صلى على جنازة
رجل فقام عند رأسه فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها فقام وسطها فسئل عن ذلك
وقيل له : هكذا كان رسول الله e يقوم من الرجل حيث
قمت ومن المرأة حيث قمت ، قال : نعم [56].
وإذا
اجتمع أكثر من ميت رجالا ونساء صفوا صفا واحدا وراء بعض بين الإمام والقبلة الرجال
ثم النساء على أن يكون رأس الرجل عند وسط المرأة ويقدم الأصلح فالأصلح ويجوز أن
يصلى على الرجال وحدهم وعلى النساء وحدهم وإن وجد أطفال فإنهم يكونون بعد الرجال
وقبل النساء [57].
استحباب الجمع الكثير للصلاة على الميت
لقول
النبي e: (( ما من ميت يصلي عليه أمة من
المسلمين يبلغون مائة . كلهم يشفعون له إلا شفعوا )) [58].
وقال
e: (( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على
جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله به )) [59].
المسبوق ومن فاتته صلاة الجنازة
من
فاتته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة فله أن يسلم مع الإمام وله أن يأتي
بالتكبيرات التي فاتته إن شاء .
فإن
سلم قبل القضاء فلا شيء عليه وهو قول : ابن عمر والحسن والأوزاعي وأحمد .
وإن
قضى ما عليه ثم سلم فهو الأولى وهو قول : الزهري ومالك والشافعي [60].
ومن
فاتته صلاة الجنازة فله أن يصلي على الميت منفردا لوحده لأن يقف على قبره ويصلي
عليه بعدما ينصف عنه الناس لفعل النبي e مع المرأة السوداء
. حينما صلوا عليها هو وأصحابه بعدما دفنت [61].
الصلاة على السقــط
يصلى
على الطفل إن تحرك في بطن أمه بعد أربعة أشهر ثم مات لأن الروح قد دبت فيه فصار
نفسا فيغسل ويصلى عليه لقول النبي e : (( والسقط يصلى
عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة )) [62].
الصلاة على الصالح والطالح ما لم يأت بكفر لم يتب منه
ذهب
جمهور العلماء إلى أنه يصلى على قاتل نفسه وعلى العصاة وعلى السارق وعلى كل مسلم
بر وفاجر وكذلك المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه أن قتل غيره. إذا مات
مسلماً كما يصلى على المرجوم وعلى ولد الزنا وعلى الذي يفر من الزحف وعلى
المتلاعنين ولم يكن سلف الأمة يمنعون الصلاة عن أحد من أهل القبلة ، والحكمة في
ذلك أن الفاسق والعاصي أحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الصالح المرحوم [63].
الصـلاة على الغــائب
يجوز
الصلاة على الغائب في بلد خر سواء كان البلد قريبا أم بعيدا بشرط أن يموت في بلد
ليس فيها من يصلي عليه صلاة الحاضر ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية [64]، فيستقبل
المصلي القبلة وإن لم يكن الميت الغائب في جهة القبلة وينوي الصلاة عليه في قلبه
ويصلي صلاة الجنازة .
ولحديث
أبي هريرة t أن النبي e نعى للناس النجاشي
في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات [65].
الصلاة على الميت في أي مسجد
لا بأس بالصلاة على الميت بالمسجد والأفضل أن يصلى عليه خارج المسجد ، قال
ابن القيم : (( ولم يكن من هدي رسول الله e الراتب ـ المستمر ـ الصلاة على الميت في المسجد
، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر ، وربما صلى أحيانا على الميت
ـ أي داخل المسجد ـ كما صلى على ابن بيضاء ـ سهيل بن بيضاء ـ وكلا الأمرين جائز ـ
خارج المسجد )) [66].
جواز صلاة النساء على الجنازة
يجوز
للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل ، سواء صلت منفردة أو صلت مع جماعة فق ثبت
ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت أن يؤتى بجنازة سعد بن أبي وقاص لتصلي عليه [67].
ما يشرع عند حمل الجنازة والسير بها
1- الإسراع بها لحديث النبي e : (( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير
تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ))[68].
مـا يكــره مع الجنــازة
1- رفع الصوت سواء كان بذكر أو قراءة أو غير ذلك، قال
الإمام النووي [70]:
(( واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة فلا يرفع
صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما ، لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق
بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال . وأما ما يفعله بعض الجهلة … فحرام
بالإجماع )) [71].
2- أن يمشي وراءها أو أمامها بشعلة
نار لأنه من أمور الجاهلية وقد ثبت النهي عن عائشة وأسماء وأبو سعيد الخدري وعبادة
ابن الصامت وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري يرفعه إلى النبي e ولحديث (( لا تتبع الجنازة يصوت ولا نار )) [72].
3- القعود قبل أن توضع الجنازة .
إلا لكبير في السن أو مضطر أو محتاج لذلك القعود . قال البخاري : (( باب من
تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال )) ثم ساق حديثا عن رسول الله e : (( إذا رأيتم
الجنازة فقوموا . فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ))[73]. والقيام
لها حينما تمر منسوخ لحديث علي t [74] إلا أن القعود قبل أن توضع مكروه للحديث السابق .
4- اتباع النساء للجنازة .
لحديث
أم عطية قالت : (( نهيها عن أن نتبع الجنائز ولم يعز علينا )) [75].
5- التدخين والكلام في أمر الدنيا .
يكره
أن يجاهر الرجل بما لا يليق مع هذا المقام العظيم من التدخين لأن في إيذاء
للملائكة التي تحضر المقابر وتسير معك في الجنازة ، كما يكره الكلام في أمر الدنيا
من الحديث عن الأموال والعقار وما خلف الميت لولده من الدور والأموال وغير ذلك بل
ويجب إنكار هذه التصرفات متى ما رآها العبد .
قال
الإمام ابن قدامة في المغني (( فإن كان من الجنازة منكر يراه ويسمعه ، فإن قدر على
إزالته أزاله ، وإن لم يقدر على إزالته فإما أن يرجع أو أنه ينكر ويتبعها فيسقط
فرضه بالإنكار ولا يترك حقا لباطل )) .
الدفــــن
يستحب
الدفن بالنهار مع جواز الدفن بالليل ( مع الكراهة ) لم ثبت من دفن النبي e لبعض الصحابة ليلا
ولدفن علي t لفاطمة ليلا .
وكذلك
دفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلا ولحديث (( أن رسول الله e أدخل رجلا قبره
ليلا وأسرج له ))[76].
إلا أن يخشى أن يفوت من حقوق الميت شيء بالليل كقلة المصلين والصلاة عليه فإنه
يدفن بالنهار .
ولحديث (( لا تدفنوا بالليل إلا أن تضطروا )) [77] كما يكره
الدفن أول ما تطلع الشمس وحين تكون في كبد السماء ( قبل أذان الظهر بدقائق ) وحينما
تغرب الشمس لما ثبت في مسلم عن عقبة بن عامر t قال : (( ثلاث ساعات كان النبي e ينهانا أن نصلي
فيها أو نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف
الشمس للغروب حتى تغرب ))[78].
صفة القــبر
استحب
الشارع أن يكون القبر عميقا حتى يوارى فيه الميت وتحجب رائحته وتمنع السباع
والطيور عنه فينبغي أن يكون القبر على قدر قامه [79] لقول
الرسول e عن قتلى أحد حينما
حفروا لهم (( احفروا واعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد … الحديث
)) [80]. ويستحب
أن يكون في جانب القبر شقا وهو المسمى باللحد لينصب عليه اللبن ( الطوب ) المسقوف
وحتى لا يتأذى بالتراب حينما يهال عليه ولقول النبي e : (( اللحد لنا والشق لغيرنا )) [81].
كيفيـة إدخــال الميـت لقبره وماذا يقــال
من
السنة أن يدخل الميت من قبل رجليه ثم رأسه فإن تعسر أدخل كيف أمكن وهذه هي السنة [82]، ويمسك به
رجل في القبر حتى لا يقع على الأرض ، ثم يدخله في اللحد . فيجعل في لحده على جنبه
الأيمن ووجهه إلى القبلة ويقول واضعه ( بسم الله أو على ملة رسول الله وعلى سنة
رسول الله ) [83].
ويحل ربطة الكفن .
ويستحب
أن يوسد (أي يوضع تحت رأسه كالوسادة ) ، رأس الميت بلبنة أو حجر أو تراب ثم يكشف
عن وجهه وخده فيوضع على التراب أو على اللبنة .
الدعاء للميت بعــد الفــراغ من دفنــه
يستحب
الدعاء للميت والاستغفار له عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له لأنه يسأل في هذه
الحالة فقد كان النبي e إذا فرغ من دفن
الميت وقف عليه فقال : (( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل )) [84].
كم
يرفع القبر من الأرض
من السنة أن يرفع القبر من الأرض قدر شبر ، ليعرف أنه قبر ويحرم رفعه زيادة
على ذلك لما روى مسلم عن هارون أن ثمامة بن شقي حدثه . قال كنا مع فضالة بن عبيد
بأرض الروم ( برودس ) فتوفي صاحب ن فأمر
فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال ك سمعت رسول الله e يأمر بتسويتها [85].
قال
الإمام الشافعي[87]: وأحب ألا يزاد في القبر تراب من غيره وإنما أحب
أن يشخص ( أي يرفع ) على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب ألا يبنى ولا يجصص فإن ذلك
يشبه الزينة والخيلاء وليس الموت موضع واحد منهما ، ولم أر قبور المهاجرين
والأنصار مجصصة . أ.هـ.
والأفضل
في القبر أن يكون مسنماً ( أي على شكل سنام ) وليس مستويا لأن سفيان التمار رأى
قبر النبي e مسنماً [88].
تعليم القبــــر بعلامة ليعرف بهــا
ويجوز
أن توضع على القبر علامة
من
حجر أو خشب ليعرف بها لما روى أنس بن مالك أن النبي e (( أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة )) أي وضع
عليه الصخرة ليتبين به [89].
الكتابة فوق قبـــــر الميـــت
اختلف
العلماء في حكم كتابة اسم المتوفى على قبره قال الحاكم : إن أئمة المسلمين من
الشرق والغرب يكتبون على قبورهم وهو شيء أخذه الخلف عن السلف وقال الذهبي هو محدث
ولم يبلغهم النهي عنه من حديث الرسول e : (( نهى أن تجصص
القبور ، وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ )) [90].
وذهب
الحنابلة إلى الكراهة سواء كان اسما لميت أو قرآنا واستثنى الشافعية قبر العالم
والصالح فإنه يكتب عليه اسمه ليميز ويعرف .
والظاهر
أن ترك الكتابة على القبور أولى لظاهر حديث النبي e ولعدم فعل الصحابة ويستغنى عن كتابة الاسم
بعلامة يعلم بها القبر .
وضع الجريد ( سعف النخل ) والزهور على القبر
لا
يشرع وضع الجريد ولا الزهور فوق القبر ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه وضع جريدا
ولا أزهارا على قبره أ.هـ .
وما
ورد في حديث ابن عباس إنما هو خاص لنيل بركة دعاء النبي e وليس في السعف ولا في الورد خاصية دفع العذاب عن
الميت .
فعن
ابن عباس ـ t أن النبي e مر على قبرين فقال
: (( إنما يعذبان ، وما يعذبان في كبير ،
أمنا هذا فكان لا يستنزه من البول ، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بعسيب رطب
فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال : (( لعله يخفف عنهما ما
لم ييبسا )) رواه البخاري .
قال
الإمام الخطابي : (( فهو من التبرك بأثر النبي e ودعائه بالتخفيف عنهما مدة بقاء النداوة في هذا
العسيب أ.هـ .
استحباب خلع النعال في المشي بين القبور
يستحب خلع النعال في المشي بين القبور إلا إذا
خشي على نفسه الأذى كالشوكة والنجاسة قاله الإمام أحمد لحديث بشير مولى رسول الله e : أن رسول الله e نظر إلى رجل يمشي في القبور عليه نعلا فقال : ((
يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيك )) [91].
النهي عن الجلوس على القبر والاستناد عليه أو المشي عليه
لحديث
النبي e : (( لأن يجلس
أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر )) [92].
النهي عن سب الأموات
لا
يجوز سب أموات المسلمين ولا التكلم فيهم ولا في مساوئهم لما روت عائشة رضي الله
عنها ، أن رسول الله e قال : (( لا تسبوا
الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا )) [93].
أما
المسلم الذي كان يجاهر بعمله السيئ فإنه يباح ذكر مساوئهم إذا وجدت مصلحة تدعو
لذلك التحذير من حالهم والتنفير من قولهم وارك الاقتداء بهم وإلم تكن هناك مصلحة
فلا يجوز لما روى أنس t قال : (( مروا
بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال النبي e (( وجبت )) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا ،
فقال : (( وجبت )) ، فقال عمر t : ما وجبت ؟ قال :
(( هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار .
أنتم شهداء الله في الأرض )) [94].
أما
موتى الكفار فيجوز سبهم ولعنهم قال تعالى : (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ))
وقال تعالى : (( تبت يدا أبي لهب وتب )) ولعن فرعون وأمثاله وسب الله الظالمين ((
ألا لعنة الله على الظالمين )) .
قراءة الفاتحة أو أي شيء من القرآن عند القبر
اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن عند القبر، فذهب إلى استحبابها الشافعي
ومحمد بن الحسن، لتحصل بركة المجاورة ووافقهما القاضي عياض والقرافي من المالكية.
ويرى أحمد أنه لا يقرأ عند القبر شيء وهو آخر قوليه كما في مسائل أبو داود [95] وكرهها
مالك وأبو حنيفة لأنها لم ترد بها السنة ويستغنى عن هذا بالاستغفار والدعاء لثبوته
ولوروده عن النبي e .
نقل الميت من مكان لآخر
يحرم
عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون مكة أو المدينة أو بيت المقدس
فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها .
ويرى
الإمام أحمد أنه لا بأس بنقل الرجل إذا مات من بلد لآخر ، وقد سئل الإمام الزهري
عن ذلك ؟ فقال : حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة وهذا هو
الأظهر أنه لا بأس بنقل الميت من بلد إلى بلد لزيارة أهله له أو لدفنه بينهم .
زيارة القبور والحكمة منها
تستحب زيارة القبور للرجال للعظة وللاعتبار ولتذكر الآخرة وللدعاء للموتى
ولاغتنام فرصة الحياة والإكثار من الحسنات قبل مباغتة الممات لما ثبت عنه e أنه قال : (( كنت
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة )) [96] وكان
النهي لقرب عهده في الجاهلية .
صفــة الزيــارة
يستحب
للمسلم أن يقطع من وقته بين الفترة والأخرى فيدخل إلى المقابر ونظر إلى حال الموتى
وكيف أن الدنيا قد سارت بأهلها فاجتمع تحت التراب الجميع الصالح والطالح الغني
والفقير الشريف والوضيع الحاكم والمحكوم وتخلى عنهم كل شيء فلم يبق معهم إلا عملهم
الصالح فهم إما سعيد ناج مرحوم ، وإما شقي هالك محروم ، الموت كأس وكل الناس تشربه
والقبر دار وكل الناس تسكنه ثم يستقبل بوجهه الموتى ويسلم عليهم ويدعو لهم ويقول :
((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا
إن شاء الله بكم لاحقون ، أنتم فرطنا ونحن لكم تبع ، ونسأل الله لنا ولكم العافية
)) [97].
ويدعو
في المقبرة لمن شاء ويترحم عليهم فلعلها توافق رقة قلب وساعة استجابة .
زيارة النساء للقبور
لا
بأس بزيارة النساء للقبور للاتعاظ ولتذكر الآخرة وللعبرة وللدعاء للموتى ولكن دون
الإكثار من الزيارة والتردد على القبور .
وقد
كانت تفعل ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ووجد النبي e امرأة تبكي عند قبر صبي فقال لها : (( اتقي الله
واصبري )) [98].
ولم ينهها عن زيارة القبر حينما رآها أو حينما ذهبت لتعتذر إليه e عما بدر منها .
وكره
بعض العلماء الزيارة للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن ولقول الرسول e : (( لعن الله
زوارات القبور )) [99].
قال
القرطبي : اللعن المذكور إنما هو للمكثرات من الزيارة لصيغة المبالغة ولعل السبب
ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج ، وما ينشأ من الصياح ، ونحو ذلك وقد
يقال إذا أمن جمع ذلك فلا مانع من الإذن لهن ، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال
والنساء )) ووافقه الإمام الشوكاني في ذلك [100].
التعزية والجلوس لـهـــــا
التعزية
تصبير أهل الميت وتخفيف الحزن على أهل الميت بمصابهم وتهوين المصيبة عليهم وهي
مستحبة لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار الرجال والنساء سواء قبل الدفن أو
بعده .
ولفعل
النبي e لها .
فهن
أسامة بن زيد قال أرسلت ابنة النبي e إليه أن ابناً لي
قبض فأتنا . فأرسل يقرئ السلام ويقول : (( إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء
عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب )) [102].
ومعنى
الحديث أن العالم كله لله فلم يأخذ ما هو لكم بل أخذ ما هو له عندكم وأنه سبحانه
قد أعطاكم هذه الهبة ثم سلبها منكم وهو يفعل ما يشاء .
وكل
شيء عنده بأجل مسمى فلا تجزعوا فإن من قبضه الله فقد انقضى أجله المسمى فلا يتقدم
ولا يتأخر فإذا علمتم ذلك فاصبروا واحتسبوا الأجر من الله على ما نزل بكم من مصيبة
.
وأما
الجلوس للعزاء :
فهو
مكروه، قال الإمام الشافعي: أكره المأتم وهي الجماعة ولم يكن لهم بكاء فإن ذلك مما
يجدد الحزن ويكلف المؤونة.
قال النووي [103]: قال
الشافعي وأصحابه رحمهم الله :
يكره
الجلوس للتعزية قالوا ويعني الجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد
التعزية ، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة
الجلوس لها .
والسنة
أن يعزى أهل الميت وأقاربه ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد سواء كان المعزي
أو المعزى . وهذا هو مذهب السلف الصالح رحمهم الله .
ما ينفع الميت بعد موته
من
المتفق عليه أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر والخير في حياته كأن
يحفر بئرا في سبيل الله أو يطبع كتابا نافعا أو ينشر مصحفا أو يبني مسجدا أو يعلم
الناس علما أو يترك ولدا صالحا يدوله ويستغفر له لقول النبي e : (( إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث :
صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) [104].
وقال
e : (( إن مما يلحق
المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره ، أو ولدا صالح تركه أو مصحفا
ورثه ، أو بيتا بناه لابن السبيل أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته
وحياته تلحقه من بعد موته )) [105].
قال
ابن القيم : (( وبالجملة فأفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار
والدعاء له والحج عنه )) . ويستحب أن يقوم بذلك أبناؤه لأنهم من سعيه الذي يصل
عملهم إليه بعد موته .
كما
يجوز الصدقة عن الميت سواء من ماله الذي ورثه أو من مال غيره وكذا يجوز الحج
والعمرة عنه وكذلكم الصوم والدعاء والاستغفار وذبح الأضحية عنه وعن سائر المسلمين
بنية واحدة . لورود ذلك عن النبي e في الأحاديث
الصحيحة .
إلا
أنه لا بد من اشتراط النية إذ أنه ينوي هذا الحج وهذه الصدقة ذلك الميت ( فينوي في
قلبه ذلك قبل الفعل وأثناءه ) .
قال
ابن عقيل : (( إذا فعل طاعة من صيام وقراءة قرآن ، وأهداها بأن جعل ثوابها للميت
المسلم فإنه يصل إليه ذلك وينفعه بشرك أن تتقدم نية الهدية على الطاعة وتقارنها ))
وهو الذي رجحه ابن القيم [106].
الفصل الثاني
المبحث الأول:
الأحكام الواردة في القيام للجنازة
ويشمل خمسة
أحكام:
1-
مشروعية القيام
للجنازة إذا مرت.
2-
مشروعية القيام
للجنازة إذا مرّت على من ليس معها حتى تُخَلَّفه وراءها أو توضع عن الأعناق على
الأرض
3-
النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض
4-
جواز الجلوس لمن تقدم على الجنازة قبل أن تنـتهي
اليه
5-
مشروعية القيام لجنازة اليهود أو نحوهم من أهل
الذمة
6-
الحكمة في القيام للجنازة
7-
سبب الجلوس لجنازة
اليهود
أولاً: جواز القيام
للجنازة مطلقاً
والدليل:
4) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه " أنه شهد جنازة
صلى عليها مروان بن الحكم فذهب أبو هريرة مع مروان حتى جلسا في المقبرة فجاء أبو
سعيد الخدري فقال لمروان أرني يدك فأعطاه يده فقال قم فقام ثم قال مروان لم أقمتني
فقال كان رسول الله e إذا رأى جنازة قام حتى يمر بها
ويقول إن الموت فزع فقال مروان أصدق يا أبا هريرة قال نعم قال فما منعك أن تخبرني
قال كنت إماما فجلست"[110].
ثانياً: مشروعية القيام للجنازة إذا مرّت على من ليس معها
حتى تتركه وراءها أو توضع عن الأعناق على الأرض
والدليل:
1)
عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة Z عن النبي e قال : "إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم[111]
" زاد الحميدي: "حتى تخلفكم أو توضع[112] " . رواه الجماعة. [113]
2)
عن ابن جريج: قال النبي e : "إذا رأى أحدكم الجنازة
فليقم حين يراها، حتى تخلفه إذا كان غير متبعها[114]
.".
3) عن ابن عمر t عن عامر بن ربيعة t عن
النبي e قال :
"إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه[115]
أو توضع من قبل أن تخلفه"[116].
5) عن أبي هريرة t
مرفوعاً " من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها
فلا يقعد حتى توضع "[118].
الأحكام المستنبطة من الأحاديث:
2-
قال الصنعاني: الأمر ظاهر في وجوب القيام للجنازة إذا مرت
بالمكلف وإن لم يقصد تشييعها وظاهره عموم كل جنازة من مؤمن وغيره [120]
.
3-
ليس المراد التخصيص بكون الجنازة تتقدم، بل المراد مفارقتها سواء
تخلف القائم لها وراءها، أو خلفها القائم وراءه قاله العيني [121]
.
4-
قد عارض هذا الأمر حديث علي t عند مسلم " أنه e قام للجنازة ثم قعد " .
والقول بأنه يحتمل أن مراده: قام ثم قعد لما
بعدت عنه، يدفعه أن علياً أشار إلى قوم بأن يقعدوا ثم حدثهم الحديث[122].
ولما تعارض الحديثان اختلف العلماء في ذلك وسيأتي الكلام عليه.
5-
يستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء - وإن كانت جنازة كافر - حتى
توضع أو تخلفه , فإن
لم يقم فلا حرج [123]
.
6-
من مرت به الجنازة فليس عليه من القيام إلا
قدر ما تمر عليه أو توضع عنده بأن يكون بالمصلى مثلاً . وفي هذا السياق بيان لغاية
القيام ، وأنه لا يختص بمن مرت به ، ولفظ القيام يتناول من كان قاعداً .
7-
من كان راكباً فيحتمل أن يقال:
ينبغي له أن يقف ويكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد .
9-
قال الشوكاني: فيها نسخ مشروعية القيام لمن تبع الجنازة حتى توضع لقوله فيه: "حتى
توضع" فإنه يدل على أن المراد به قيام التابع للجنازة لا قيام من مرت به لأنه
لا يشرع حتى توضع بل حتى تخلفه[125]، وسيأتي
الحديث إن شاء الله عن النسخ.
ثالثاً: النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض
الأدلة على ذلك:
1) عن أبي سعيد الخدري t عن النبي e قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع"[126]
.
2) عن سعيد المقبري عن أبيه قال: كنا في جنازة
فأخذ أبو هريرة t بيد
مروان فجلسا قبل أن توضع ، فجاء أبو سعيد t فأخذ بيد مروان فقال: قم، فو الله لقد علم هذا أن النبي e نهانا عن ذلك. فقال أبو هريرة صدق[127]..
3) عن أبي هريرة قال كان رسول الله e إذا كان مع الجنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد أو تدفن شك أبو معاوية [128]
.
اختلاف روايات حديث أبي سعيد:
قال ابن حجر: فيه اختلاف على سهيل بن أبي صالح
عن أبيه، قال أبو داود: (( رواه أبو
معاوية عن سهيل فقال: " حتى توضع في اللحد " ، وخالفه الثوري وهو أحفظ
فقال: " في الأرض " انتهى .
وفي المحيط للحنفية: الأفضل أن يهال عليها
التراب، وحجتهم رواية أبي معاوية.
ورجح الأول عند البخاري بفعل أبي صالح لأنه
راوي الخبر أعرف بالمراد منه، وأشار
إلى ترجيحها بقوله: ( باب من شهد جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال )، ورواية
أبي معاوية مرجوحة كما قال أبو داود .
( قال سهيل: ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع
عن مناكب الرجال )[130].
الأحكام المستنبطة من الأحاديث:
1-
فيها النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض
لأن أصل مشروعية القيام تعظيم أمر الموت وهو لا يفوت بذلك[131].
2-
قد استدل
المهلب بقعود أبي هريرة ومروان على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل.
قال الحافظ: إن أراد أنه ليس بواجب عنهما فظاهر وإن أراد في نفس
الأمر فلا دلالة فيه على ذلك[132].
ويدل على الأول ما رواه أبو هريرة t
فساق نحو القصة المذكورة وزاد (( إن مروان لما قال له أبو سعيد قم قام ، ثم قال له
: لم أقمتني ؟ فذكر الحديث . فقال لأبي هريرة : فما منعك أن تخبرني ؟ قال : كنت
إماماً فجلست ))[133]
. فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجباً ، وأن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة
قبل ذلك ، وأنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد .
عن أبي سعيد t
قال " مر على مروان بجنازة فلم يقم ، فقال له أبو سعيد : إن رسول الله e مرت عليه جنازة فقام ، فقام مروان " [134].
قال ابن حجر: وحديث أبي سعيد هذا أبين سياقا من حديث عامر بن ربيعة، وهو
يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا لها [135]
.
رابعاً: جواز الجلوس لمن تقدم على الجنازة قبل أن تنـتهي
اليه:
الدليل:
عن عامر بن ربيعة t قال: وكان ابن عمر
إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه"،
قال الترمذي : روي عن بعض أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي اليهم،
واذا جاءت وهو جالس لم يقم لها لما يأتي بعد[138].
قال شارح
المنتهى: وكره تقدمها أي الجنازة إلى موضع الصلاة عليها و لا يكره تقدمها إلى المقبرة
و كره جلوس من تبعها الجنازة، ولا يكره له الجلوس قبل وضعها دفعا للحرج والمشقة[140].
خامساً: مشروعية القيام لجنازة اليهود أو نحوهم
من أهل الذمة
الأدلة
على ذلك:
1) عن جابر بن عبد الله t قال : مر بنا جنازة فقام لها النبي e وقمنا ، فقلنا : يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال: إذا رأيتم
الجنازة فقوموا" .[141].
2) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان سهل بن
حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية ، فمروا عليهما بجنازة فقاما ، فقيل لهما: إنها
من أهل الأرض - أي من أهل الذمة - فقالا : إن النبي e مرت به جنازة فقام، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال : أليست نفساً ؟[143].
4) عن زيد بن وهب قال:
تذاكرنا القيام عند الجنازة عند علي فقال
أبو مسعود: ما زلنا نفعله. فقال علي: صدقت ذاك وأنتم يهود.[145].
7) عن عبد الله بن سخبرة الأزدي فقال: إنا لجلوس مع علي ننتظر جنازة
إذ مرت بنا أخرى فقمنا فقال علي:
ما يقيمكم ؟ فقلنا: هذا ما تأتونا به يا أصحاب محمد e قال: وما ذاك ؟ قلت: زعم أبو موسى أن رسول
الله e قال: "إذا مرت بكم جنازة فإن كان مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً
فقوموا لها فإنه ليس نقوم لها ولكن نقوم لمن معها من
الملائكة".
فقال علي: ما فعلها رسول
الله e غير مرة برجل من اليهود
كانوا أهل كتاب وكان يتشبه بهم فإذا نهي انتهى فما عاد بعد. .[148].
روايات الحديث:
قوله: " مر بنا " بضم الميم على البناء للمجهول، وفي رواية الكشميهني " مرت " بفتح الميم قوله : " فقام
" زاد غير كريمة " له ". "
قوله: " فقمنا " في رواية أبي ذر " وقمنا " بالواو،
وزاد الأصيلي وكريمة " له " والضمير للقيام أي لأجل قيامه ،
وزاد أبو داود من طريق الأوزاعي، عن يحيى: " فلما ذهبنا لنحمل قيل
إنها جنازة يهودي " [149].
زاد البيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن معاذ بن فضالة شيخ البخاري فيه:
" فقال: إن الموت فزع " وكذا لمسلم من وجه آخر عن هشام [150]
معاني الكلمات:
قوله: "إن الموت فزع" .
1- قال القرطبي : معناه أن الموت يفزع منه ، إشارة إلى استعظامه ، ومقصود
الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت، لما يشعر ذلك من التساهل
بأمر الموت، فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلماً أو غير مسلم .
2- وقال غيره : جعل نفس الموت فزعاً مبالغة كما
يقال رجل عدل .
ويؤيد الثاني: رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " إن للموت فزعاً
"[152].
قوله : " فمروا عليهما " في رواية المستملي
و الحموي " عليهم " أي
على قيس وهو ابن سعد بن عبادة وسهل وهو ابن حنيف ومن كان حينئذ معهما.
قوله : " من أهل الأرض" أي من أهل الذمة، كذا فيه بلفظ ( أي
) التي يفسر بها، وهي رواية الصحيحين وغيرهما.
وحكى ابن التين عن
الداودي أنه شرحه بلفظ ( أو ) التي للشك، وقال : لم أره لغيره [153].
قال الإمام مسلم: ( من أهل الأرض ) معناه جنازة
كافر من أهل تلك الأرض.
وقال
القاضي عياض: أي من أهل الذمة المقرين بأرضهم على أداء الجزية [154].
وقيل لأهل الذمة أهل
الأرض: لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج [155].
الأحكام المستنبطة من الأحاديث:
1- قال ابن حجر : وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من
أجلها ويضطرب ، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة.
2- استدل على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهاراً غير متميزة عن جنائز
المسلمين، أشار إلى ذلك الزين بن المنير
قال: وإلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهاداً من الأئمة [156].
سادساً: الحكمة في القيام للجنازة:
2) قوله: " أليست
نفساً " هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال " إن للموت فزعاً "
على ما تقدم .
3) ما أخرجه الحاكم عن أنس مرفوعاً فقال "
إنما قمنا للملائكة "[158]
4) عن
عبد الله بن عمرو y أنه قال: سأل رجل رسول اللهe فقال:
يا رسول الله تمر بنا جنازة الكافر نقوم لها ؟ قال: "نعم
قوموا لها فإنكم لستم تقومون لها إنما تقومون إعظاماً للذي يقبض
الأرواح".[159].
e 5) عن عبد الله
بن عمرو بن العاص أنه قال سأل رجل رسول الله فقال: يا رسول الله تمر بنا جنازة
الكفار فنقوم لها قال: نعم قوموا لها، فإنكم لستم تقومون لها إنما تقومون إعظاما
للذي يقبض النفوس"[160].
6) عن حسين وابن عباس أو عن أحدهما أنه قال: إنما قام رسول الله e من أجل جنازة يهودي مر بها عليه فقال: آذاني
ريحها. قلت:
حديث ابن عباس رواه النسائي خلا قوله: آذاني ريحها. وحديث
حسين ليس عند أحد منهم. رواه
أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه. ورجاله رجال الصحيح.
الجمع بين الروايات:
قال صاحب عون المعبود: قوموا للجنازة، لهول الموت وفزع منه لا لتعظيم الميت
كما هو المفهوم من حديث جابر أو الملائكة كما هو المفهوم من حديث أنس " إنما قمنا
للملائكة " [161].
قال ابن حجر: إن ذلك لا ينافي التعليل السابق ، لأن القيام للفزع من الموت
فيه تعظيم لأمر الله ، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة .
وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن قال " إنما قام رسول الله صلى الله
عليه وسلم تأذياً بريح اليهودي "
زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش (( فآذاه ريح بخورها )) [162]
وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عن الحسن: (( كراهية أن تعلو رأسه ))
فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة :
أما أولاً فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحة ، وأما ثانياً فلأن التعليل
بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي
والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الراوي لم يسمع
التصريح بالتعليل منه فعلل باجتهاده [163].
قد " روى ابن أبي شيبة من
طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال: كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فطلعت جنازة ، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت ، والله ما أدري من
شأنها أو من تضايق المكان ، وما سألناه عن قيامه " [164].
سابعاً: سبب الجلوس
لجنازة اليهود
عن عبادة بن الصامت t في سبب القعود قال : كان رسول الله e يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد [165]
، فمر به حبر[166]من
اليهود فقال : هكذا نفعل ، فجلس رسول الله e [167]وقال : اجلسوا خالفوهم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي . وإسناده
ضعيف [168].
الأحكام المستنبطة من الحديث:
1- قال الحافظ في التلخيص: ووقع في رواية عبادة "حتى توضع
في اللحد" ويرده ما في حديث البراء الطويلي الذي صححه أبو عوانة وغيره: "كنا
مع رسول الله e في جنازة فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلست وجلسنا حوله" انتهى.
2- قال أبو بكر الهمداني ولو صح الحديث لكان صريحا في النسخ غير
أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد . وذكر غيره أن القيام للجنازة
منسوخ بحديث علي بن أبي طالب t [169].
4- قال الشوكاني: أما حديث عبادة بن الصامت فهو صريح في النسخ
لولا ضعف إسناده فلا ينبغي أن يستند في نسخ تلك السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة من
طريق جماعة من الصحابة إلى مثله بل المتحتم الأخذ بها واعتقاد مشروعيتها حتى يصح ناسخ
صحيح ولا يكون الأمر بالجلوس أو نهي عن القيام أو إخبار من الشارع بأن تلك السنة منسوخة
بكذا [170].
الفصل الثاني
المبحث الثاني:
الأحاديث الواردة في نسخ القيام للجنازة
أو الرخصة في ترك القيام لها
1)
عن علي بن أبي طالب t
أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع ، فقال: "قام رسول الله e يعني في الجنازة ثم قعد" [171]
وفي رواية لمسلم أيضا : "قام
فقمنا وقعد فقعدنا"[172].
وفي بعض الروايات من حديث علي t أن رسول الله e : قام مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ، ثم قعد وأمرهم بالقعود"
[173].
وفي رواية أن عليا t : رأى ناسا قياما ينتظرون الجنازة أن توضع فأشار إليهم بدرة معه أو سوط
: أن اجلسوا فإن رسول الله e قد جلس بعدما كان يقوم [174].
2)
عن الحسن بن علي وابن عباس. من طريق محمد بن سيرين قال: إن جنازة مرت بالحسن بن علي وبن عباس
فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن أليس قد قام رسول الله e لجنازة يهودي قال بن
عباس نعم ثم جلس.[175].
3)
عن واقد بن عمرو بن سعد
بن معاذ ؛ أنه قال: رآني
نافع بن جبير، ونحن في جنازة، قائما. وقد جلس ينتظر أن توضع الجنازة. فقال لي: ما
يقيمك ؟ فقلت: أنتظر أن توضع الجنازة. لما يحدث أبو سعيد الخدري. فقال نافع: فإن
مسعود بن الحكم حدثني عن علي بن أبي طالب ؛ أنه قال: قام رسول الله e ثم قعد[176].
4)
عن محمد بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد أو
شبيهاً بهذا، وقال: "قام رسول الله e وأمر بالقيام ثم جلس وأمر بالجلوس"[177].
5)
عن طريق إسماعيل بن مسعود
بن الحكم الزُّرقي عن أبيه قال: شهدت جنازة بالعراق، فرأيت رجالاً قيامًا ينتظرون
أن توضع، ورأيت علي بن أبي طالب t يشير إليهم أن اجلسوا، فإن النبي e قد أمرنا بالجلوس بعد القيام[178].
الجمع
بين أحاديث القيام للجنازة والجلوس لها
أولاً: أقوال العلماء القائلين بالنسخ:
قال الشافعي: وهذا الحديث (أي
حديث علي) ناسخ للأول " إذا رأيتم الجنازة فقوموا "[179]،
ويدل على النسخ حديث عبادة .
قال إسحاق بن إبراهيم: قال
أبو عيسى: معنى قول علي قام رسول الله e
في الجنازة ثم قعد، يقول: كان رسول الله e
إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد فكان لا يقوم
إذا رأى الجنازة[180] .
ونسخ القيام
للجنازة على نوعين:
الأول: نسخ
قيام الجالس لها إذا مرَّت، وهو منسوخ بالأحاديث المذكورة.
والنوع الثاني: نسخ القيام لها عند تشييعها حتى توضع في قبرها.
ثانياً:
أقوال العلماء القائلين بالرخصة:
قال عياض: ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي،
وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا
إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن قال: والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي انتهى[181]
.
وقال أحمد: إن شاء قام وإن شاء لم يقم،
واحتج بأن النبي
e قد روى عنه: أنه قام ثم قعد وهكذا. فعند أحمد حديث علي هذا ليس بناسخ للحديث الأول[182].
قال الشوكاني: واعلم أن حديث علي باللفظ الذي سبق لا يدل على
النسخ لما عرفناك من أن فعله لا ينسخ القول الخاص بالأمة. وأما حديثه باللفظ الذي ذكره
فإن صح صلح النسخ لقوله فيه: وأمرنا بالجلوس ولكنه لم يخرج هذه الزيادة مسلم ولا الترمذي
ولا أبو داود بل اقتصروا على قوله ثم قعد.
وأما حديث ابن عباس فكذلك أيضا لا يدل على النسخ لما عرفت
واقتصار جمهور المخرجين لحديث علي عليه السلام وحفاظهم على مجرد
القعود بدون ذكر زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الاطمئنان إليها والتمسك بها في
النسخ لما هو من الصحة في الغاية لا سيما بعد أن شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة
بها يبعد كل البعد أن يخفى على مثلهم الناسخ ووقوع ذلك منهم بعد عصر النبوة.
ويمكن أن يقال إن الأمر بالجلوس لا يعارض بفعل بعض الصحابة بعد
أيام النبوة لأن من علم حجة على من لم يعلم. وحديث عبادة وإن كان ضعيفا فهو لا يقصر
عن كونه شاهدا لحديث الأمر بالجلوس [183].
قال الصنعاني: حديث علي ليس نصاً في النسخ لاحتمال أن قعوده e كان لبيان الجواز، ولذا قال النووي : المختار أنه مستحب[184].
قال الشوكاني: ولو سلم أن المراد بالقيام المذكور في حديث علي
هو قيام التابع للجنازة فلا يكون تركه e ناسخا مع عدم ما يشعر بالتأسي به في هذا الفعل بخصوصه لما تقرر في الأصول
من أن فعله e لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا ينسخه . وظاهر الأحاديث أنه يشرع القيام لجنازة المسلم والكافر[185].
قال إسحق معنى قول علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا رأى الجنازة قام
ثم ترك ذلك بعد.
وعلى هذا التفسير لا يصح دعوى النسخ، وليس في
اللفظ عموم فيعم الأمرين جميعاً فلم يجز النسخ بأمر محتمل ولأن قول علي قام رسول
الله e ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام، وهاهنا إنما وجدت منه الاستدامة
إذ ثبت هذا فأظهر الروايتين أنه أريد وضعها عن
أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل. وقد روي الحديث: " إذا أتبعتم الجنازة
فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض "[186].
قال صاحب المحلى: فكان قعوده eبعد أمره بالقيام مبينا أنه أمر ندب وليس
يجوز أن يكون هذا نسخا ; لأنه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ،
والنسخ لا يكون إلا
بالنهي , أو بترك معه نهي ؟ [187]
.
قال في المحلى: فإن
قيل : فهلا قطعتم بالنسخ بهذا الخبر ؟
قلنا: كنا نفعل ذلك, لولا
ما روينا عن أبي
هريرة وأبي سعيد الخدري قالا جميعا: ما رأينا رسول الله
e شهد جنازة قط فجلس حتى توضع [188].
فهذا عمله عليه السلام المداوم، وأبو هريرة
وأبو
سعيد
ما فارقاه
عليه السلام
حتى مات, فصح أن أمره
بالجلوس إباحة وتخفيف, وأمره بالقيام وقيامه ندب. وممن كان يجلس: ابن عباس، وأبو
هريرة، وسعيد
بن المسيب.[189]
الفصل الثاني
المبحث الثالث:
اختلاف العلماء في أصل المسألة
اختلاف الفقهاء: قد اختلف أهل العلم في أصل المسألة:
1- القيام للجنازة: 1) استحباب القيام لها:
ذهب أكثر الصحابة والتابعين منهم أبو مسعود البدري وأبو
سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله، إلى استحبابه قالوا: والنسخ إنما هو في قيام من مرت به لا في قيام من شيعها كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي وأحمد
وإسحاق ومحمد بن الحسن وابن أبى موسى والقاضي وإسحاق الحنظلي[191].
قال الترمذي: لم أقف على حديث صحيح يدل على ما روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة
فيقعدون قبل أن تنتهي إليهم الجنازة. والظاهر الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة هو ما ذهب إليه أحمد
وإسحاق وغيرهما والله تعالى أعلم[192]
.
وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي
هريرة وابن عمر وغيرهما:
أن
القائم مثل الحامل، يعني في الأجر [193].
وقال القليوبيّ : يندب القيام للجنازة على
المعتمد، وأن يدعو لها ويثني عليها خيراً ، إن كانت أهلاً له [194].
قال ابن تيمية: ويستحب القيام للجنازة إذا
مرت به وهو إحدى الروايتين عن
أحمد.
وقال
ابن حزم : قعوده e بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ، ولا يجوز أن يكون نسخاً لأن
النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهي انتهى .
وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة ، فمر به حبر
من اليهود فقال : هكذا نفعل ، فقال : اجلسوا وخالفوهم "[195].
، فلولم يكن إسناده ضعيفاً لكان حجة في النسخ ،
ويمكن أن يقال إذا ثبت النسخ للقيام تبعه ما عداه ، فيحمل على أن ذلك كان
عند مشروعية القيام، فلما ترك القيام منع من الإظهار[196].
قال ابن
القيم: وصح عنه e أنه قام للجنازة لما مرت به وأمر بالقيام لها وصح عنه أنه قعد
فاختلف في ذلك : وأمال رحمه الله إلى أن الأمرين جائزين وفعله بيان للاستحباب
وتركه بيان للجواز وهذا أولى من ادعاء النسخ [197].
حكم القعود للجنازة:
وقال ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية: كان
قعوده e لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر . إذا فهو مخيّر[199].
واختار
النووي أن يكون الأمر للندب، والقعود بيانًا للجواز[200].
2- كراهة القعود: قال الشوكاني: ولا يخفى أن مجرد الفعل لا ينتهض دليلا للوجوب فالأولى الاستدلال
له بحديث " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها فمن اتبعها فلا يجلس حتى توضع."
فإن فيه النهي عن القعود قبل وضعها وهو حقيقة
للتحريم وترك الحرام واجب[201].
قال الشعبي والنخعي: يكره القعود قبل أن توضع
.
2) وجوب القيام:
قال الحافظ بن عبد البر في التمهيد: جاءت آثار صحاح ثابتة توجب
القيام للجنازة وقال بها جماعة من السلف والخلف منهم: الحسن بن علي وأبو هريرة وبن
عمر وبن الزبير وأبو سعيد وأبو موسى والمسور بن مخرمة، وقتادة، وابن سيرين[202].
واحتج له برواية سعيد " عن أبي هريرة
وأبي سعيد قالا : ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى
توضع " أخرجه النسائي.
ورأوها غير منسوخة وقالوا: لما يفيده النهي: لا يجلس من اتبع الجنازة حتى توضع عن أعناق الرجال:.
قال صاحب المجموع: قد أثبتت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما
أن رسول الله e : أمر بالقيام لمن مرت به جنازة حتى تخلفه أو توضع وأمر من تبعها أن لا
يقعد عند القبر حتى توضع .
قال المحاملي : وحكي عن أبي مسعود البدري t أنه كان يقوم لها ، وإذا
كان معها لا يقعد حتى توضع ، وهذا الذي قاله صاحب التتمة هو المختار ، فقد صحت الأحاديث
بالأمر بالقيام ، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي t وهو ليس صريحا في النسخ
، بل ليس فيه نسخ لأنه محتمل القعود لبيان الجواز والله أعلم [203].
3) كراهة القيام :
قال الطحاوي: ذهب آخرون منهم عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب
وعلقمة والأسود ونافع بن جبير وأبا حنيفة ومالكاً وابن عرفة وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وأبا يوسف وروي عن علي بن أبي
طالب والحسن بن علي والنخعي وممن صرح بكراهته سليم الرازي في الكفاية والمحاملي وصاحب
العدة والشيخ نصر المقدسي ،.
فقالوا ليس على من مرت
به الجنازة أن يقوموا لها ولمن تبعها أن يجلس وإن لم يوضع .
كره قيام للجنازة من جالس مرت عليه أو من سبقها للقبر , وكذا
استمرار مشيعها قائما حتى توضع , وقد نسخ هذا كله بما روي أنه e كان يقوم للجنازة ثم جلس وأمرهم بالجلوس , وروي أنه فعل ذلك مرة ,
وكان يشتبه بأهل الكتاب فلما نهي . انتهى[204]
قال الخطيب في (المغني) : ويكره القيام للجنازة إذا مرت به ولم
يرد الذهاب معها كما صرح به في الروضة وجرى عليه ابن المقري[205].
قال ابن حجر قال الشافعي: أن الأمر بالقيام منسوخ أو يكون القيام لعلة ، وأيهما كان فقد ثبت أنه
تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره ، والقعود أحب إلي انتهى .
وأشار بالترك إلى حديث علي وتمسكوا به وهو
" أنه e قام للجنازة ثم قعد " أخرجه مسلم، ولفظ بن حبان في صحيحه " كان يأمرنا بالقيام في الجنائز
ثم جلس بعد ذلك وأمر بالجلوس" كذا في
عمدة القارىء شرح البخاري ملخصا [207].
ذكر الحازمي بإسناده عن مسعود بن الحكم الزرقى أنه سمع علي بن
أبي طالب t في رحبة الكوفة وهو يقول "كان رسول الله e أمرنا بالقيام في الجنازة
ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس"[208].
ثم ذكر بإسناده أيضاً عن مجاهد عن أبي معمر قال: مرت بنا جنازة
فقمنا فقال من أفتاكم بهذا ؟ قلنا: أبو موسى الأشعري فقال: ما فعله رسول الله e إلا مرة كان يتشبه بأهل
الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عنه انتهى.
قال الحازمي: فهذه الألفاظ
كلها تدل على أن القعود أولى من القيام .
قال الشافعي: قد جاء عن النبي e تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمر رسول الله e وإن كان الأول واجبا
فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا لا بأس بالقيام
والقعود فالقعود أولى لأنه الآخر من فعله e انتهى[209]
.
قال
البيضاوي: يحتمل قول علي (( ثم قعد )) أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه ،
ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام
أصلاً ، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب
،
ويحتمل أن يكن نسخاً للوجوب المستفاد من ظاهر
الأمر ،
والأول أرجح لأن احتمال المجاز - يعني في
الأمر - أولى من دعوى النسخ انتهى .
والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي " أنه أشار إلى
قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث" ، ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة كما
ذكرنا [210]
[1]
- الممتع
[2]
- العين 2 /
[8] - الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن حبان.
[13]
- البخاري
[19]
- روه مسلم (8/165) عن جابر
رضي الله عنه .
[21]
- رواه مسلم (3/38)
[24]
- أخرجه االترمذي (2/130)
هوه صحيح .
[26]
- البقرة (155/157)
[28]
- أخرجه البخاري (3/90،145) ومسلم (3/54) .
[30]
- أخرجه مسلم (3/45)
[31]
- . رواه مسلم وأحمد
[32]
- أخرجه البخار ي ( 3/114 ،
9/400 ـ 401 )
[34]
- الأم ( 1/247 )
[35]
- البخاري (1/1274 )
[36]
- البخاري ( 1/1274 )
[38]
- أخرجه الحاكم بسند حسن عن
معاذ
[39]
- أخرجه أحمد ( 6582 ) وهو
صحيح
[40]
- انظر البخاري ( 10/156 )
[41]
- أخرجه أحمد ( 5/391 )
حذيفة وانظر الصحيحة رقم ( 374 ) .
[42]
- البخاري ( 6/89 )
[44]
- أخرجه البخاري ( 3/99 )
ومسلم ( 3/47 ) ومضمونه .
[46]
- مسلم ( 3/50 )
[47]
- أحمد ( 3426 ) وهو صحيح
[49] - أخرجه
البخاري ( 1/89 ) ومسلم ( 3/51 ) .
[51]
- أخرجه الشافعي في الأم (
1/239 ) وهو صحيح .
[52]
- الدارقطني (191) وهو صحيح
.
[54]
- رواه مسلم ( 3/59,60)
وأحمد (6/23 )
[55]
- أخرجه أحمد (2/368) وهو
صحيح .
[56] - رواه
أحمد (3/118,204) وأبو داود (2/66 ) وهو صحيح .
[57] - انظر عبد
الرزاق (3/465) ، النسائي (1/280) ، أحكام الجنائز 132 للألباني .
[58]
- رواه مسلم ( 3/53) وأحمد
(6/32) .
[60]
- ( انظر المغني لابن قدامة
ج 2/376 ) .
[64]
- انظر زاد المعاد لابن
القيم وللتفصيل انظر أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص 118
[66] - زاد
المعاد . انظر مسلم (3/63) حديث عائشة وأحمد ( 5/ 289 ) .
[68]
- متفق عليه ( 3/142 )
وأحمد ( 2/240 ) من طريق عن أبي هريرة
[72]
- أخرجه أحمد ( 2 / 427 )
وأبو داود ( 2 / 64 ) وهن ضعيف ولكن يتقوى بشواهده المرفوعة وبعض الآثار الموقوفة
/ انظر أحكام الجنائز ص 91
[73]
- أخرجه البخاري (1 / 1248
) عن أبي سعيد رضي الله عنه
[74]
- مسلم ( 2 / 59 )
[75]
- البخاري ( 1/ 328 ) ومسلم
( 3 / 47 ) وأحمد ( 6 / 408 ) .
[76]
- أخرجه الترمذي ( 2 / 157
) وهو حسن
[78]
- رواه مسلم ( 2 / 208 )
وأحمد ( 4 / 152 )
[80]
- أخرجه أحمد ( 4 / 19 )
وهو صحيح
[85]
- رواه أحمد ( 6 / 18 )
وإسناده حسن .
[87]
- الأم ( 1 / 245 )
[88]
- رواه البخاري ( 3 / 198 ـ
199 ) .
[90]
- رواه مسلم ( 3 / 62 ) .
[91]
- أخرجه أحمد ( 5/83 ) والحاكم ( 1/ 373 ) وقال صحيح الإسناد
ووافقه الذهبي وأقره الحافظ في الفتح ( 3/ 160 )
[96]
- رواه مسلم ( 3/65 ) وأحمد
( 5/350 ) .
[100]
- انظر نيل الأوطار ( 4/95
) وأحكام الجنائز للألباني ص 299 مسألة 166 في استحباب زيارة النساء للقبور .
[101]
- أخرجه مسلم ( 8 / 71 ) عن
أبي هريرة رضي الله عنه .
[107]- رواه
أحمد 1 / 457 والبزار، قال الهيثمي: فيه موسى بن عمران بن منَّاح ولم أجد من ترجمته بما يشفي.
[110]
- هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.
[111]
- حتى تخلفكم: بضم أوله
وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة بعدها فاء، أي: تترككم وراءها، ونسبة ذلك
إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها.
[113]
- رواه البخاري 1/1245 والنسائي 4/1916 والبيهقي 4/6660 قال ابن حجر في الفتح 4 / : قد رويناه موصلاً في مسند الحميدي،
وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه كذلك ، وكذا أخرجه مسلم عن
أبي بكر بن أبي شيبة وثلاثة معه أربعتهم عن سفيان بالزيادة إلا أنه في سياقهم
بالعنعنة، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي في نسق .
[115]
- "حتى يخلفها أو
تخلفه" شك من البخاري، أومن قتيبة حين حدثه به . وقد رواه النسائي ومسلم عن
قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث فقالا : " حتى تخلفه " من غير شك.
[116]
- رواه البخاري، ومسلم.
[117]
- مسلم 2/960 والنسائي 2/2056 والبيهقي 4/6670 وأحمد 3/14180 .
[118]
- رواه أحمد والنسائي.
[122]
- سبل السلام 2 /
[126]
- رواه البخاري 1/1248 والنسائي 4/ 1914 والبيهقي 4 / 6663 وأخرجه
مسلم من وجه آخر عن هشام الدستوائي .
[127]
- رواه البخاري 1/ 1247 والبيهقي 4 / 6664 .
[129]
- مسلم 2 / 959
[136]
- سبق تخريجه ص 6
[137]
- رواه أحمد 3/15712 ومسند عبد بن حميد 1/315
[138]
- الشرح الكبير
[140]
- شرح منتهى الإرادات
[141]
- رواه البخاري 1/1245 ومسلم.
[142]
- مسلم 2 / 960 وأبو داود 3 / 3174 والنسائي 1 / 2049 والبيهقي 4
/ 6668 وأبو يعلى 3 / 1950 ومسند عبد بن حميد 1 / 1153 .
[144]
- البخاري 1 / 1250
[149]
- أبو داود 3 / 3174 وأبو يعلى 3 / 1950
[152]
- أخرجه النسائي 4 /
1922 وابن ماجه 2 / 1543 وأحمد وعن ابن عباس مثله عند الطبراني 12 / 12468 والبزار
قال الهيثمي: وفيه قيس بن الربيع الأسدي وفيه كلام.
[161]
- عون المعبود شرح سنن أبي داود 8 /
[163]
- فتح الباري 3 /
[164]
- رواه الطبراني في الكبير 22 / 962
[166]
- حبر: أي عالم.
[168]
- حديث عبادة غريب في إسناده بشر بن رافع
وليس بالقوي كما قال الترمذي. وقال البزار: تفرد به بشر وهو لين.
[175]
- رواه أحمد والنسائي 4 / 1924 ورجال إسناده
ثقات وقد أشار إليه (الترمذي) وقال: حديث علي
حديث حسن صحيح، وفيه رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض والعمل على هذا عند بعض أهل العلم.
[177]
- رواه الشافعي في المسند كتاب الجنائز
[179]
- سبق تخريجه ص 6 رقم الهامش 9
[186]
- الشرح الكبير
[187]
- المحلى 5 /
[188]
- رواه النسائي 4 / 1918 .
[189]
- المحلى 5 /
[192]
- تحفة الأحوذي 4 /
[197]
- زاد المعاد
[198]
- تحفة الأحوذي 4 /
[200]
- شرح النووي 6 /
[203]
- المجموع شرح المهذب 5 /
[205]
- مغني المحتاج 1 /
[206]
- المجموع شرح المهذب 5 /
[208]
- نيل الأوطار 4 / - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بنحوه رجال
إسناده ثقات عند أبي داود وابن ماجه وقد أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ والبيهقي بلفظ:
ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود . وله ألفاظ أخرى مخرَّجة في أحكام الجنائز للألباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق