بسم الله الرحمن الرحيم
تقريب روضة الناظر وجنّة المناظر
في أصول الفقه للموفق ابن قدامة
علـم
أصـول الفـقـه
1.
العلم: هو إدراك
الشيء على ما هو عليه من غير احتمال لما أدركه .
وأكثر
أحكام الفروع على سبيل الظن الغالب لكن يجب العمل به لإجماع الصحابة، فصح أن نقول
أن الفقه عِلم .
2.
والأصول جمع أصل:
والأصل لغة: الأساس، وهو ما يُبنى عليه غيره،
واصطلاحاًً:
هو الدليل، أو القاعدة المستمِرّة، أو المقصود به الأدلة الإجمالية للفقه .
3.
والفقه لغة:
الفهم، أوفهم خاص، وفي الإصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها
التفصيلية .
ومعنى
أصول الفقه: هو علم يُعرف به أحوال المجتهد وكيفية الإستدلال وحال المستفيد .
4.
فائدته:
الإستنباط من الأدلة التفصيلية .
5.
موضوعه: الأدلة
التفصيلية من حيث عوارضها .
6.
استمداد: يُستمد
من ثلاثة علوم: 1) علم اللغة العربية، 2) علم العقيدة، 3) علم الأحكام وهو ثمرة
الأصول .
7.
من لوازم معرفة
الأحكام: 1) معرفة الحاكم، 2) البحث المحكوم عليه، 3) البحث عن المحكوم به .
حقيـقة الحكـم وأقسـامه
8.
الحكم في اللغة:
المنع والقضاء، ومنه: حُكم القاضي، أي يمنع الخصم، ومنه: حَكَمَة اللِّجام، وهو ما
أحاط بحنكي الدابة، لأنها تمنعها من الجري الشديد، ومنه: الحِكْمة: لأنها تمنع
صاحبها عن أخلاق الرذائل .
وفي الإصطلاح العام: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، وينقسم إلى ثلاثة
أقسام:
1)
حكم عقلي: وهو
ما يعرف بالنسبة إلى العقل إيجاباً أو سلباً: نحو الكل أكبر من الجزء إيجاباً،
والجزء ليس أكبر من الكل سلباً .
2)
حكم عادي: وهو
ما يعرف بالنسبة إلى العادة، مثل: كونه حرارة الجسم دليلاً على المرض، والنار
محرقة .
3)
حكم شرعي: وهو
المقصود هنا ، - وله تعريفان:
1-
تعريف عند الأصوليين
وهو: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالإقتضاء أو التخيير أو الوضع .
2-
تعريف عند الفقهاء
وهو: مقتضى خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالإقتضاء أو التخيير أو
الوضع .
والسبب:
أن الأصولييون يعرفونه بما يفيد أنه خطاب يبين صفة الفعل الصادر،والفقهاء يعرفونه
بما يفيد أنه أثر ذلك الخطاب .
-
وينقسم الحكم الشرعي
إلى قسمين: 1) حكم تكليفي، 2) حكم وضعي .
9.
أقسام أحكام التكليف
خمسة : واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه ، ومحظور .
10.
وجه هذه
القسمة : أن خطاب الشرع إما أن يرد باقتضاء الفعل أو الترك أو التخيير بينهما .
-
فالذي يرد باقتضاء
الفعل أمر ، فإن اقترن به إشعار بعدم العقاب على الترك فهو ندب ، وإلا فيكون
إيجاباً . والذي يرد باقتضاء الترك نهي، فإن أشعر بعدم العقاب على الفعل فكراهة ،
وإلا فحظر .
الـواجــب
11.
وحد الواجب: 1) ما
توعد بالعقاب على تركه .
2) وقيل: ما يعاقب تاركه
.
3) وقيل: ما يذم تاركه
شرعاً قصداً مطلقاً .
12.
والفرض: هو: 1) الواجب
على إحدى الروايتين لاستواء حدهما وهو قول الشافعي .
2) الفرض آكد، 1- فقيل: هو
اسم لما يقطع بوجوبه، كمذهب أبى حنيفة .
2-
وقيل: مالا يتسامح في تركه عمداً ولا سهواً نحو أركان الصلاة .
-
فإن الفرض في اللغة:
التأثير، ومنه: فرضة النهر والقوس .
-
والواجب: السقوط ،
ومنه : وجبت الشمس والحائط إذا سقطا ، ومنه قول تعالى : { فَإِذَا وَجَبَتْ
جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ ... } فاقتضى
تأكد الفرض على الواجب شرعاً ليوافق مقتضاه لغة .
-
والجمهور يقولون:
لافرق بينهما، وإنما من حيث تأثيره، كتفريقهم بين الركن والواجب في الصلاة فالفرق
في قوة الدلالة .
-
والحنفية يرون أن
الفرض: ماثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني .
ولا خلاف في انقسام الواجب إلى مقطوع
ومظنون ، ولا حجر في الاصطلاحات بعد فهم المعنى .
تقـسيمات الـواجب
13.
الواجب له تقسيمات
باعتبارات عدة، باعتبارات ثلاثة:
1)
باعتبار ذاته: أي
الحكم الواجب، فينقسم إلى :1) معين ، 2) مبهم في أقسام محصورة واجباً مخيراً كخصلة
من خصال الكفارة .
- وأنكرت المعتزلة ذلك وقالوا لامعنى للوجوب مع
التخيير . ولنا أنه جائز عقلاً وشرعاً .
2)
ينقسم بالإضافة إلى
الوقت إلى : 1) مضيق ، 2) موسع .
-
وأنكر أكثر أصحاب أبي حنيفة التوسع ، وقالوا : هو يناقض الوجوب .
3)
باعتبار المكلّف أي
الفاعل، فينقسم إلى: 1) فرض كفاية، 2) فرض عين .
تضييـق الواجـب المـوسّع
14.
إذا أخر الواجب الموسع
فمات في أثناء وقته قبل ضيقه لم يمت عاصياً لأنه فعل ما أبيح له فعله لكونه جوز له
التأخير .
-
ومعنى الواجب وتحقيقه
: أنه لا يجوز له التأخير إلا بشرط العزم ولا يؤخر إلا إلى وقت يغلب على ظنه
البقاء إليه .
مقـدمة
الواجب وحكمـها
15.
ما لا يتم الواجب إلا
به ينقسم إلى :
1)
ما ليس إلى المكلف،
كالقدرة، واليد في الكتابة، وحضور الإمام، والعدد في الجمعة، فلا يوصف بوجوب .
2)
وإلى ما يتعلق باختيار
العبد، كالطهارة للصلاة، والسعي إلى الجمعة، وغسل جزء من الرأس مع الوجه، وإمساك
جزء من الليل مع النهار في الصوم، فهو واجب .
-
وهذا أولى من قولنا :
يجب التواصل إلى الواجب بما ليس بواجب ؟ إذ قولنا " يجب ما ليس بواجب "
متناقض، لكن الأصل وجب بالإيجاب قصداً ، والوسيلة وجبت بواسطة وجوب المقصود ، فهو
واجب كيف ما كان وان اختلفت علة إيجابهما .
بعـض
الفروع المخـرجة على مـقدمـة الـواجب
16.
إذا اختلطت أخته
بأجنبية ، أو ميتة بمذكاة حرمتا : الميتة بعلة الموت والأخرى بعلة الاشتباه .
-
وقال قوم :
المذكاة حلال لكن يجب الكف عنها وهذا متناقض .
الواجب غير
المحدّد
17.
الواجب الذي لا يتقيد
بحد محدود ، كالطمأنينة في الركوع والسجود ، ومدة القيام والقعود إذا زاد على أقل
الواجب : فالزيادة ندب ، واختاره أبو الخطاب .
-
وقال القاضي :
الجميع واجب .
المنــدوب
18.
الندب في اللغة
الدعاء إلى الفعل كما قال :
لا يسألون
أخاهم وحين يندبهم في النائبات على
ما قال برهانا
19.
وحده في الشرع
: 1) مأمور لا يلحق بتركه ذم ، من حيث تركه من غير حاجة إلى بدل .
2) قيل : هو ما في فعله ثواب ، ولا عقاب في تركه .
20.
والمندوب مأمور به ،
وأنكر قوم كونه مأموراً به .
وثمرة الخلاف: فيما إذا قال
الصحابي: أُمِرنا بكذا، هل يصدق على الواجب فقط ؟ أم على الواجب والمندوب ؟
المبــاح
21.
وحده : ما أذن
الله في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه .
22.
وهو من الشرع ، وأنكر
بعض المعتزلة ذلك .
23.
الأفعال ثلاثة أقسام:
1)
قسم صرّح فيه الشرع
بالتخيير بين فعله وتركه، فهذا خطاب، ولا معنى للحكم إلا بالخطاب .
2)
قسم لم يَرِد فيه خطاب
بالتخيير ، لكن دلّ دليل السمع على نفي الحرج عن فعله وتركه، فقد عُرف بدليل السمع
.
3)
قسم لم يتعرّض الشرع
له بدليل من أدلّة السمع، فيُحتمل أن يُقال: قد دلّ السمع أن على أن المكلّف فيه
مخيّر .
حكـم
الأشيـاء قبل ورود الشـرع
24.
اختلف في الأفعال والأعيان
المنتفع بها قبل ورود الشرع ما حكمها :
1)
فقال التميمي ، وأبو
الخطاب ، والحنفية : هي على الإباحة .
2)
وقال ابن حامد ،
والقاضي ، وبعض المعتزلة : هي على الحظر .
3)
وقال أبو الحسن الجزري
، وطائفة من الواقفية : لا حكم لها .
-
وفائدة الخلاف :
أن من حرم شيئاً أو أباحه كفاه فيه استصحاب حال الأصل. والظاهر أنه يرجع إلى
عمومات الشرع .
هـل
المبـاح مأمـور به ؟
25.
المباح غير مأمور به ،
لأن الأمر استدعاء وطلب ، والمباح مأذون فيه ومطلق له ، غير مستدعى ولامطلوب ،
وتسميته مأموراً تجوز .
المكــروه
26.
وهو : ما تركه خير من
فعله .
27.
وقد يطلق ذلك على
المحظور . مثل قوله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ
نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ " .
وقد يطلق على ما نهى عنه نهي تنزيه ، فلا يتعلق بفعله عقاب
.
-
إذا خُصّص شيء من أمر
عام مطلوب، وخصّص بالنهي: فهل يتناول هذا النهي ذلك العام ؟
التحقيق: أنه يتناوله لفظاً ولغة، فإذا جاء وقت النهي: لم
يتناوله تخصيص العموم .
فصـل
28.
والأمر المطلق لا
يتناول المكروه ، لأن الأمر : استدعاء وطلب ، والمكروه غير مستدعى ولامطلوب
،
ولأن الأمر
ضد النهي ، فيستحيل أن يكون الشيء مأموراً ومنهياً ، وإذا قلنا : إن المباح ليس
بمأمور ، فالمنهي عنه أولى .
الحــرام
29.
الحرام ضد الواجب
وهو: ما يُثاب تاركه، ويُعاقب فاعله، قصداً مطلقاً .
فيستحيل أن يكون الشيء الواحد واجباً حراماً ،
طاعة معصية من وجه واحد .
- إلا أن الواحد بالجنس
ينقسم إلى : 1) واحد بالنوع ، وإلى 2) واحد بالعين ، أي بالعدد .
1) والواحد بالنوع يجوز أن ينقسم إلى
واجب وحرام، ويكون انقسامه بالإضافة، لأن اختلاف الإضافات والصفات توجب المغايرة ، والمغايرة 1) تارة تكون
بالنوع، 2) وتارة تكون باختلاف في الوصف .
كالسجود لله تعالى
واجب، والسجود للصنم حرام، والسجود لله تعالى غير السجود للصنم .
-
قال الله تعالى: {لا
تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُن
...}.
-
والإجماع منعقد على أن
الساجد للصنم عاص، بنفس السجود والقصد جميعاً، والساجد لله مطيع بهما جميعاً .
2) وأما الواحد بالعين: كالصلاة في
الدار المغصوبة من عمرو، فحركته في الدار واحد بعينه.
- واختلفت الرواية في صحتها . فروي أنها لا تصح، وروي أن الصلاة
تصح .
في أقسـام النـهي
30.
النهي في اللغة: طلب الترك
على سبيل الجزم بلا تفعل أو غيرها، كقوله: لا تقم، أي طلب عدم القيام .
31.
مصححوا الصلاة في
الدار المغصوبة قسموا النهي ثلاثة أقسام :
الأول: ما يرجع
إلى ذات المنهي عنه، فيضاد وجوبه، كقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ...} .
الثاني: مالا
يرجع إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى وصفه اللازم، فلا يضاد وجوبه، مثل قوله تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ}، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تلبسوا
الحرير"، ولم يتعرض في النهي للصلاة، فإذا صلى في ثوب حرير أتى بالمطلوب
والمكروه جميعاً .
الثالث: أن يعود
النهي إلى وصف المنهي عنه دون أصله، كقوله تعال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ...}، مع
قوله تعالى:
{ ...لا تَقْرَبُوا
الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً
إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ...}. وقوله عليه السلام: "دعي الصلاة أيام
أقرائك"، ونهيه عن الصلاة في المقبرة، وقارعة الطريق، والأماكن السبعة، ونهيه
عنها في الأوقات الخمسة .
-
فأبو حنيفة يسمي
المأتي به على هذا الوجه فاسداً غير باطل، وعندنا: أن هذا من القسم الأول، وهو قول
الشافعي .
-
عند الحنفية، الفاسد:
ما كان الخلل فيه يرجع إلى وصف من أوصاف الفعل، والباطل: ما يرجع إلى أصل الفعل .
في الأمـر
بالشيء هـل هو نهي عن ضـده أو لا ؟
32.
الأمر بالشيء نهي عن ضده
من حيث المعنى، فأما الصيغ فلا، فإن قوله "قم" غير قوله "لا تقعد"
.
وإنما النظر في المعنى وهو: أن طلب
القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود ؟
1)
فقالت المعتزلة: ليس
بنهي عن ضده .
2)
وقال قوم: فعل الضد:
هو عين ترك ضده الآخر .
فصل في
معنى التكليـف وشـروطه
33.
التكليف في اللغة:
إلزام ما فيه كلفة، أي مشقة . قالت الخنساء في صخر:
يكلفه القوم ما
نابهم وإن كان أصغرهم مولدا
وفي الإصطلاح: إلزام أو طلب ما فيه كلفة، أي مشقة محتملة
. وهو في الشريعة: الخطاب بأمر أو نهي .
34.
وله شروط 1) بعضها يرجع
إلى المكلف . 2) وبعضها يرجع إلى نفس
المكلف به .
35.
أما ما يرجع إلى
المكلف:فهو أن يكون عاقلاً يفهم الخطاب .
فأما الصبي والمجنون: فغير مكلفين، لأن
مقتضى التكليف: الطاعة والامتثال، ولا تمكن إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد: العلم
بالمقصود، والفهم للتكليف، إذ من لا يفهم كيف يقال له: افهم، ومن لا يسمع
الصوت كالجماد كيف يكلم؟ وإن سمع الصوت كالبهيمة، ولكنه لا يفهم فهو كمن لا يسمع .
- ومن يفهم فهماً ما لكنه لا يعقل ولا يثبت كالمجنون وغير المميز،
فخطابه ممكن، لكن اقتضاء الامتثال منه مع أنه لا يصح منه قصد صحيح غير ممكن،
- ووجوب الزكاة
والغرامات في مال الصبي والمجنون ليس تكليفاً لهما، إذ يستحيل التكليف بفعل الغير
.
- وإنما معناه:أن
الإتلاف وملك النصاب سبب لثبوت هذه الحقوق في ذمتهما ، بمعنى أنه سبب لخطاب الولي
بالأداء في الحال، وسبب لخطاب الصبي بعد البلوغ، وهذا ممكن .
36.
فأما الصبي المميز:
فتكليفه ممكن لأنه يفهم ذلك إلا أن الشرع حط التكليف عنه تخفيفاً لأن العقل
خفي وإما يظهر فيه على التدريج، إذ لا يمكن الوقوف بغتة على الحد الذي يفهم به
خطاب الشارع، ويعلم الرسول والمرسل فنصب له علامة ظاهرة .
-وقد
روي عن الإمام أحمد أنه مكلف. يُحمل على أنه يُثاب على ما يفعله، وقيل: يُكلّف
بالندب والمكروه لا الواجب المحرّم .
فصل في عدم
تكليف الناسي والنائم والسكران
37.
الناسي والنائم غير
مكلف، لأنه لا يفهم، فكيف يقال له: افهم . وكذا السكران الذي لا يعقل .
-
وثبوت أحكام أفعالهم
من: الغرامات،ونفوذ طلاق السكران، من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، وذلك مما لا ينكر
.
-
وأما قوله تعالى: {
لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ...}، فقد قيل: 1) هذا كان في
ابتداء الإسلام قبل تحريم الخمر، والمراد منه : المنع من إفراط الشرب في وقت الصلاة،
كيلا يأتي وقت الصلاة وهو سكران، كما يقال: لا تقرب التهجد وأنت شبعان، معناه: لا
تشبع فيثقل عليك التهجد .
-
وقيل: 2) هو خطاب لمن
وجد منه مبادئ النشاط والطرب ولم يزل عقله، لأنه إذا ظهر بالبرهان استحالة توجه
الخطاب: وجب تأويل الآية .
فصل في حكم
تكليف الـمكره
38.
أما المكره: وهو من
أُجبر على فِعل ما لا يجوز فعله، أو ترك ما لا يجوز تركه .
فيدخل تحت التكليف، لأنه يفهم ويسمع ويقدر على تحقيق ما أمر
به وتركه.
-
وقالت المعتزلة: ذلك محال .
39.
قسم العلماء الإكراه
إلى قسمين:
1)
إكراه ملجئ: وهو الذي
لا تبقى للمكلّف معه قدرة ولا اختيار، كمن حلف أن لا يدخل دار فلان، فقهره من هو
أقوى منه، وكبلّه بالحديد، وحمله حتى أدخله .
2)
إكراه غير ملجئ: بحيث
يبقى للإنسان قدرة واختيار على الفعل أو الترك، كما لو أُمِر بقتل إنسان ما، وإلا
قتلناك .
فصل في حكم
تكليف الكفـار بفروع الإسـلام
40.
اختلفت الرواية: هل
الكفار مخاطبون بفروع الإسلام ؟
فروي: 1) أنهم لا يخاطبون
منها بغير النواهي، لأنها من التروك، ولا تُشترط النية، والنية لا تصح من الكافر .
2) وروي: أنهم مخاطبون بها، لأنه جائز
عقلاً، وقد قام دليله شرعاً . كقوله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ" .
وفائدة الوجوب:
أنه لو مات عوقب على تركه، وإن أسلم سقط عنه، لأن الإسلام يجب ما قبله .
-
ولا يبعد النسخ قبل
التمكن من الامتثال، فكيف يبعد سقوط الوجوب بالإسلام ؟
شروط الفـعل المكـلف به
41.
أما الشروط المعتبرة
للفعل المكلف به فـثلاثة :
42.
أحدها: 1) أن
يكون معلوماً للمأمور به، حتى يتصور قصده إليه .
2) وأن يكون معلوماً كونه
مأموراً به من جهة الله تعالى حتى يتصور منه قصد الطاعة والامتثال .
وهذا يختص بما يجب به قصد الطاعة
والتقرب. وهناك قد لا يُقصد التقرب بها إلى الله كالبيع والشراء، فقد يفعلها بدون
تقرب.
43.
الثاني: أن يكون
معدوماً، لأنه يطلب تحصّل الفعل، أما الموجود فلا يمكن إيجاده، فيستحيل الأمر به .
44.
الثالث: أن يكون
ممكناً، فإن كان محالاً، كالجمع بين الضدين ونحوه 1) لم يجز الأمر به،
2) وقال قوم: يجوز ذلك .
45.
المستحيل: ما لا
يمكن إيقاعه وجوداً أو عدماً . وهو على ثلاثة أقسام:
1)
مستحيل عقلاً لذاته:
كوجود الشريك لله، وكالجمع بين الضّدّين .
2)
مستحيل عقلاً لأمر
عارض: كإيمان أبي لهب .
3)
مستحيل عادة: كطلب
الطيران ممن ليس له جناح .
فصل في المقتـضى
بالـتكليف
46.
والمقتضى بالتكليف:
فعل وكف، فالفعل: الصلاة، والكف: كالصوم وترك الزنا والشرب .
-
وقيل: لا يقتضي الكف، إلا أن يتلبس بضد من أضداده، فيثاب على ذلك لا على الترك .
والصحيح أن الأمر فيه مستقيم .
الضرب
الثاني من الأحكام ما يتلقى من خطـاب الوضـع والإخـبار
47.
الحكم الوضعي: ما وضعه
الشرع علامة على الأحكام التكليفية، وهو أعم من الحكم التكليفي، لأن الوضعي
قد يكون في نفسه تكليفياً كالطهارة شرط لصحة الصلاة فهو وضعي، ومن حيث أنه مأمور
بها فهو تكليفي .
48.
للأحكام الشرعية
علامات تُعرف بها: منها ماهي محسوسة، ومنها ماهي معنوية .
وهي أقسام: 1) السبب، والشرط، والمانع، والعلة .
2) الحكم على الأفعال، كالصحة والفساد والبطلان .
3) الصفات على الأفعال، كالرخصة، والعزيمة، والأداء،
والإعادة، والقضاء .
49.
وهو أقسام أيضاً: أحدها:
ما يظهر به الحكم :
50.
لمّا عسر على الخلق
معرفة خطاب الشارع في كل حال، أظهر لهم بأمور محسوسة، جعلها مقتضية لأحكامها على
مثال، اقتضاء العلة المحسوسة معلولها، وذلك شيئان:
أحدهما: العلة ، والثاني:
السبب ، ونصبهما مقتضيين لأحكامهما حكم من الشارع .
- فلله تعالى في الزاني حكمان: أحدهما: وجوب الحد عليه ، والثاني:
جعل الزنا موجباً له .
فإن الزنا لم بكن موجباً للحد لعينه، بل
بجعل الشرع له موجباَ، ولذلك يصح تعليله فيقال: إنما نصب علة لكذا وكذا .
51.
فأما العلة:
فهي في اللغة: عبارة عما اقتضى تغييراً، ومنه سميت علة المريض؛ لأنها اقتضت تغيير
الحال في حقه .
52.
ومنه العلة العقلية :
وهي عبارة عما يوجب الحكم لذاته، كالكسر مع الإنكسار، والتسويد مع السواد .
فاستعار الفقهاء لفظ "العلة"
من هذا، واستعملوه في ثلاثة أشياء:
-
أحدها: بإزاء ما
يوجب الحكم لا محالة .فعلى هذا لا فرق بين المقتضى والشرط والمحل والأهل، بل
العلة: المجموع، و"الأهل والمحل" وصفان من أوصافها؛ أخذاً من العلة
العقلية .
-
والثاني: أطلقوه
بإزاء المقتضي للحكم، وإن تخلف الحكم لفوات شرط، أو وجود مانع .
-
والثالث :أطلقوه
بإزاء الحكمة، كقولهم: المسافر يترخص لعلة المشقة، والأوسط أولى .
ما الفرق بين العلة الشرعية والعلة العقلية ؟
العلة العقلية: تعرف من ذاتها، ملازمة
لمعلولها، أما الشرعية: فلا تعرف إلا من مصدره، وهو الشرع .
53.
الثاني السبب: وهو في
اللغة: عبارة عما يحصل الحكم عنده لا به، ومنه سمي الحبل والطريق سبباً، لأنه
يتوصل بهما إلى المراد، ومن: قوله تعالى: "فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى
السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَع" .
فاستعار
الفقهاء لفظة "السبب" من هذا الموضع، واستعملوه في أربعة أشياء:
-
أحدها: بإزاء ما
يقابل المباشرة، كالحفر مع التردية: الحافر يسمى صاحب سبب، والمردي صاحب علة .
-
والثاني: بإزاء
علة العلة، كالرمي، يسمى سبباً .
-
والثالث: بإزاء
العلة بدون شرطها، كالنصاب بدون الحول .
-
والرابع: بإزاء
العلة نفسها،
- وإنما سميت سبباً وهي موجبة؛ لأنها لم تكن موجبة لعينها، بل بجعل
الشرع لها موجبة، فأشبهت ما يحصل الحكم عنده لا به .
فصل في الشـرط وأقسـامه
54.
ومما يعتبر للحكم: الشرط
وهو: ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم، كالإحصان مع الرجم، والحول في الزكاة .
فالشرط: ما لا
يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده .
أو تقول: ما يلزم من عدمه عدم الحكم،
ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته .
والعلة: يلزم من
وجودها وجود المعلول، ويلزم من عدمها عدمه في الشرعيات .
-
ما الجامع بين العلة
والشرط ؟ وما الفرق بينهما ؟
الجامع بينهما: بأنه يلزم من عدمه العدم، ويفرق بينهما: بأن
العلة: ما يلزم من وجودها الوجود، والشرط: ما لا يلزم ذلك .
55.
والشرط: عقلي, ولغوي،
وشرعي، وعادي .
-
فالعقلي: كالحياة
للعلم، والعلم للإرادة .
-
واللغوي: اللام
المقترن به أداة من أدوات الشرط، أو تعليق الشيء بالشيء بأداة معيّنة كقوله إن
دخلتِ الدار فأنت طالق .
-
والشرعي: كالطهارة
للصلاة، والإحصان للرجم .
-
والعادي: هو ما يعتاد
به، ويُتوصّل به إلى شيء ما، كالحبل لإستخراج الماء . لم يذكره المؤلف لأنه داخل
في العقلي .
56.
وسمي شرطاً، لأنه
علامة على المشروط، يقال: أشرط نفسه للأمر: إذا جعله علامة عليه، ومنه قوله تعالى:
{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ..}. أي علاماتها .
57.
وعكس الشرط: المانع:
وهو ما يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه عدم ولا وجود، كالدَّين وعنده
نصاب.
ونصب الشيء شرطاً للحكم، أو مانعاً له:
حكم شرعي، على ما قررناه في المقتضي للحكم .
القسم الثاني- الصحـة والفـسـاد
58.
فالصحة في اللغة:
السلامة، أي السلامة من العلل، وهي: اعتبار الشرع الشيء في حق حكمه من حيث تأثيره
.
59.
والفساد عكس الصحة،
وهو: حصول ما يخلّ بالشيء في تكوينه والتغيير فيه .
-
ويطلق لفظ الصحة على
العبادات مرة وعلى العقود مرة أخرى . فالصحيح من العبادات: ما أجزأ وأسقط
القضاء .
-
بخلاف لفظ الإجزاء
فتُطلق على العبادات، كقوله: صوم صحيح مجزيء .
والمتكلمون يطلقونه بإزاء ما وافق
الأمر، وإن وجب القضاء، كصلاة من ظن أنه متطهر .
-
وهذا يبطل بالحج
الفاسد، فإنه يؤمر بإتمامه وهو فاسد .
60.
وأما العقود
هي: ما أفاد الثمرة المقصود منه شرعاً، كالتملّك في البيع .
والعقود: كل ما كان سبباً لحكم إذا أفاد حكمه المقصود منه
فهو صحيح، وإلا فهو باطل، كعقد النكاح .
فالباطل: هو الذي
لم يثمر، والصحيح: الذي أثمر. والفاسد مرادف الباطل، فهما اسمان
لمسمى واحد .
- الجمهور لا يفرّقون بين الباطل
والفاسد إلا نادراً ، ما منع بأصله لا بوصفه .
- وأبو حنيفة أثبت قسماً بين
الباطل والصحيح، جعل الفاسد: عبارة عما كان مشروعاً بأصله، غير مشروع بوصفه .
والباطل فهو: ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه .
ولو صح له هذا المعنى في تعريف الفاسد، لم
ينازع في العبارة، لكنه لا يصح، إذ كل ممنوع بوصفه فهو ممنوع بأصله .
فصل في القـضـاء والأداء والإعـادة
61.
الإعادة لغة:
تكرار الفعل مرة بعد مرة، وشرعاً: فعل العبادة مرة أخرى، في وقتها المحدّد لها
شرعاً، كأن صلى بغير طهارة ثم تبين له فيعيدها، - ولا تطلق في المعاملات، لأنه ليس
لها وقت محدد، بل هو مطلق، والعبادات لها أوقات محدّدة .
62.
والأداء لغة:
إعطاء الحقوق لأهلها، ومن: قوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" .
وشرعاً: فعل العبادة في وقتها
المخصّص لها شرعاً، ولا يكون إلا لعبادة لها وقت مخصًّص .
63.
والقضاء لغة:
الحكم والجزم والأداء، وشرعاً: فعل العبادة بعد خروج وقتها المعين له شرعاً .
فلو غلب على ظنه في الواجب الموسع أنه يموت
قبل آخر الوقت: لم يجز له التأخير، فإن أخره وعاش لك يكن قضاء، لوقوعه في الوقت .
- والزكاة واجبة على
الفور، فلو أخرها ثم فعلها لم تكن قضاء، لأنه لم يعين وقتها بتقدير وتعيين .
64.
ومن لزمه قضاء صلاة
على الفور فأخر: لم نقل: إنه قضاء القضاء .
- ولا فرق بين فواته لغير عذر، أو لعذر: كالنوم والسهو والحيض في
الصوم والمرض والسفر .
وقال قوم:
الصيام من الحائض بعد رمضان ليس بقضاء ، وقيل: في المريض والمسافر لا يلزمهما
الصوم أيضاً فلا يكون ما يفعلانه بعد رمضان قضاء . وهذا فاسد لوجوه ثلاثة .
العـزيمة والـرخـصة
65.
العزيمة في
اللسان: القصد المؤكد، ومنه قوله تعالى:{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} {فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه...} .
والرخصة: السهولة
واليسر، ومنه: رخص السعر: إذا تراجع وسهل الشراء .
66.
فأما في لغة حملة
الشرع:
فالعزيمة: الحكم الثابت من غير
مخالفة دليل شرعي، وقيل: ما لزم بإيجاب الله تعالى .
والرخصة: إباحة
المحظور، مع قيام الحاظر، وقيل: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح .
67.
ولا يسمى ما لم يخالف
الدليل رخصة، وإن كان فيه سعة، كإسقاط صوم شوال، وإباحة المحظورات .
لكن ما حُطّ عنا من الإصر الذي كان على
غيرنا يجوز أن يُسمّى رخصة مجازاً، لما وجب على غيرنا، فإذا قابلنا أنفسنا به حسن
إطلاقه ذلك .
68.
فأما إباحة التيمم:
1) إن كان مع القدرة على استعمال الماء لمرض أو زيادة ثمن، سُمِّي رخصة،
2) وإن كان مع عدمه فهو معجوز عنه، فلا
يمكن تكليف استعماله الماء مع استحالته، فكيف يُقال: السبب قائم ؟
69.
فإن قيل: فكيف
يُسمّى أكل الميتة رخصة مع وجوبه في حال الضرورة ؟ قلنا: 1) يُسمّى رخصة من
حيث: إن فيه سعة، إذ لم يُكلفه الله تعالى إهلاك نفسه، ولكون سبب التحريم
موجوداً، وهو:خبث المحل ونجاسته .
2) ويجوز أن يُسمّى
عزيمة من حيث: وجوب العقاب بتركه، فهو من قبيل الجهتين .
70.
فأما الحكم
الثابت على خلاف العموم:
1)
فإن كان الحكم في بقية
الصور لمعنى موجود في الصورة المخصوصة، كبيع العرايا المخصوض من المزابنة المنهي
عنها: فهو حينئذٍ رخصة . 2) وإن كان لمعنى غير موجود في الصورة المخصوصة، كإباحة
الرجوع في هبة للوالد، المخصوص من قوله عليه السلام: "العائد في هبته كالعائد
في قيئه" فليس برخصة، لأن المعنى الذي حُرِّم لأجله الرجوع في الهبة غير
موجود في الوالد .
أدلــة الأحكـام
71.
الأصول أربعة:
1)
كتاب الله تعالى .
2)
وسنة رسوله زظ.
3)
والإجماع .
4)
ودليل العقل المبقي
على النفي الأصلي . من حيث لا تكليف إلا في الشرع .
5)
واختُلِف في قول
الصحابي، وشرع من قبلنا .
72.
وأصل الأحكام كلها من
الله سبحانه إذ قول الرسول ز إخبار عن الله بكذا .
-
فإذا نظرنا إلى ظهور
الحكم عندنا فلا يظهر بقول الرسول ز فإننا لا نسمع الكلام من الله تعالى ولا من
جبريل عليه السلام، وإنما ظهر لنا من رسول الله ز والإجماع يدل على
أنهم استندوا إلى قوله .
لكن إذا لم نحرر النظر وجمعنا المدارك
صارت الأصول التي يجب فيها النظر منقسمة إلى ما ذكرنا .
تعريف
الكتاب والقـرآن وأنهما بمـعنى واحد
73.
كتاب الله هو كلامه،
وهو القرآن الذي نزل به جبريل عليه السلام على النبي ز .
وقال قوم:
الكتاب غير القرآن، وهو باطل هذا إذا اختلفوا في حقيقته، أما في وسيلته فلا
بأس .
74.
قال الله تعالى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ...} إلى قوله تعالى: {...إِنَّا سَمِعْنَا
كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى..}وقالوا:{..إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً
عَجَباً}.فأخبر الله تعالى أنهم استمعوا القرآن وسمّوه قرآناً وكتاباً.
وقال تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ
الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ..}، سماه قرآناً
وكتاباً، وهذا مما لاخلاف فيه بين المسلمين.
75.
والقرآن هو: ما نُقِل
إلينا بين دفّتي المصحف نقلاً متواتراً .
أو تقول: هو كلام الله
على رسول المنقول إلينا متواتراً موجود
بين دفتي المصحف .
76.
وقيدناه بالمصحف، لأن
الصحابة رضي الله عنهم بالغوا في نقله وتجريده عما سواه، حتى كرهوا التعاشير
والنقط، كيلا يختلط بغيره، فنعلم أن المكتوب في المصحف هو القرآن، وما خرج منه
فليس منه، إذ يستحيل في العرف والعادة، مع توفر الدواعي على حفظ القرآن أن يُهمل
بعضه فلا يُنقل أو يخلط به ماليس منه .
حكم الإحـتـجاج بالقـراءة الشاذة
77.
أما ما نُقل نقلاً غير
متواتر، كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ
مُتَتَابِعَاتٍ}:
فقد قال قوم: ليس بحجة، والصحيح:
أنه حجة .
اشتـمال
القرآن على الحقيـقـة والمجـاز
78.
والقرآن يشتمل على
الحقيقة والمجاز: وهو: اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي على وجه يصح .
كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلّ}، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} ، وذلك كله مجاز، لأنه استعمال اللفظ في
غير موضوعه .
79.
ومن منع ذلك فقد كابر
. ومن سلَّم وقال: لا أُسمِّيه مجازاً: فهو نزاع في عبارة لا فائدة المشاحة فيه .
ليس في
القـرآن ألفـاظ غير عـربية
80.
1) قال القاضي: ليس في القرآن لفظ بغير العربية .
2) ورُوِيَ عن ابن
عباس، وعكرمة رضي الله عنهما أنهما قالا: فيه ألفاظ بغير العربية ، قالوا: {نَاشِئَةَ
الَّيلِ} بالحبشية، و{مِشْكَاة} الهندية، و{إِسْتَبْرَقٍ} فارسية .
81.
ويُمكن الجمع بين
القولين، بأن تكون هذه الكلمات أصلها بغير العربية، ثم عرّبتها العرب، واستعملتها،
فصارت مِن لسانها بتعريبها واستعمالها لها، وإن كان أصلها أعجمياً .
المحكـم
والمتـشابه
82.
في كتاب الله سبحانه
مُحكم ومُتشابه، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ...} .
1)
قال القاضي:
المحكم: المفسِّر، والمتشابه: المجمل، لأن الله سبحانه سمى (المحكمات): أمّ
الكتاب، وأمّ الشيء: الأصل الذي لم يتقدمه غيره، فيجب أن يكون المحكم غير محتاج
إلى غيره، بل هو أصل بنفسه، وليس إلا ما ذكرنا .
2)
وقال ابن عقيل:
المتشابه: هو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين، كالآيات التي ظاهرها
التعارض، كقوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ}، وقال تعالى في آية أخرى:
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}، ونحو ذلك .
3)
وقال آخرون:
المتشابه: الحروف المقطعة في أوائل السور، والمحكم: ماعداه .
4)
وقال آخرون:
المحكم: الوعد والوعيد، والحرام والحلال، والمتشابه: القصص والأمثال .
والصحيح: أن
المتشابه ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به، ويحرم التعرض لتأويله،
كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {بَلْ يَدَاهُ
مَبْسُوطَتَانِ} .
النسـخ
83.
النسخ في اللغة:
الرفع والإزالة، ومنه: نسَخَتِ الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر .
وقد يُطلق لإرادة ما يشبه النقل،
كقولهم: نسخت الكتاب .
- فأما النسخ في الشرع: فهو بمعنى الرفع والإزالة لا غير .
84.
وحده: رفع
الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه .
-
ومعنى الرفع: إزالة
الشيء على وجه لولاه لبقي ثابتاً على مثال: رفع حكم الإجارة بالفسخ، فإن ذلك يفارق
زوال حكمها بانقضاء مدتها .
-
وقيدنا الحد بالخطاب
المتقدم، لأن ابتداء العبادات في الشرع مزيل لحكم العقل من براءة الذمة، وليس بنسخ
.
-
وقيدناه بالخطاب
الثاني، لأن زوال الحكم بالموت والجنون ليس بنسخ .
-
وقولنا: مع تراخيه
عنه، لأنه لو كان متصلاً به، كان بياناً وإتمامً لمعنى الكلام، وتقديراً له بمدة
وشرط .
وقال قوم:
النسخ: كشف مدة العبادة بخطاب ثان .
النسـخ
عنـد المعتـزلة
85.
وحد المعتزلة النسخ
بأنه: الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل على وجه لولاه
لكان ثابتاً .
ولا يصح، لأن حقيقة النسخ الرفع وقد
أخلوا الحد عنه .
86.
فإن قيل: تحديد النسخ
بالرفع لا يصلح لخمسة أوجه .
الفـرق بين
النسـخ والتـخـصيص
87.
إن قيل: ما
الفرق بين النسخ والتخصيص ؟
قلنا: هما مشتركان
من حيث: إن كل واحد يوجب اختصاص بعض متناول اللفظ،
مفترقان من حيث:
إن التخصيص: بيان أن المخصوص غير مراد باللفظ .
والنسخ يخرج ما أريد باللفظ الدلالة
عليه كقوله: صم أبداً، يجوز نسخ ما أريد باللفظ في بعض الأزمنة .
88.
وكذلك افترقا في وجوه
ستة:
أحدها: أن النسخ
يُشترط تراخيه، والتخصيص يجوز اقترانه .
والثاني: أن النسخ
يدخل في الأمر بمأمور واحد، بخلاف التخصيص .
الثالث: أن النسخ
لا يمون إلا بخطاب، والتخصيص يجوز بأدلة العقل والقرائن .
والرابع: أن النسخ
لا يدخل في الأخبار، والتخصيص بخلافه .
والخامس: أن النسخ
لا يبقى معه دلالة اللفظ على ما تحته، والتخصيص لا ينتفي معه ذلك .
والسادس: أن النسخ
في المقطوع به لا يجوز إلا بمثله، والتخصيص فيه جائز بالقياس وخبر الواحد وسائر
الأدلة .
النسـخ بين الإثبـات
والإنـكار
89.
قد أنكر قوم النسخ .
-
وهو فاسد، لأن النسخ
جائز عقلاً، وقد قام دليله شرعاً .
وجـوه
النسـخ في القـرآن
90.
يجوز 1) نسخ تلاوة الآية
دون حكمها، كنسخ قوله: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة}، بقوله:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ...} .
2) ونسخ حكمها دون تلاوتها، مثل قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} .
3) ونسخهما معاً، كما في الرضاع .
-
وأحال قوم نسخ اللفظ .
-
ومنع آخرون نسخ الحكم
دون التلاوة .
قلنا هم متصور عقلاً، وواقع .
نسخ الأمـر
قبل الـتمكن من الإمتـثال
91.
يجوز نسخ الأمر قبل
التمكن من الإمتثال، نحو أن تقول: في رمضان: "حجوا في هذه السنة" وتقول
قبل يوم عرفة: "لاتحجوا"، وكما في قصة إبراهيم عليه السلام، فإن الله
سبحانه نسح ذبح الولد عنه قبل فعله بقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
وأنكرت المعتزلة ذلك . وقد اعتاص هذا
النسخ في هذه الآية على القدرية حتى تعسّفوا في تأويله من ستة أوجه .
هل
الزيـادة على النـص نسخ ؟
92.
الزيادة على النص ليست
بنسخ .
93.
وهي على ثلاث مراتب:
أحدها: أن لا
تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، كما إذا أوجب الصلاة ثم أوجب الصوم .
فلا نعلم فيه خلافاً، لأن النسخ: رفع
الحكم وتبديله، ولم يتغير حكم المزيد عليه، بل بقي وجوبه وإجزاؤه .
الرتبة الثانية: أن تتعلق
الزيادة بالمزيد عليه تعلقاً ما، على وجه لا يكون شرطاً فيه، كزيادة التغريب على
الجلد في الحد، وعشري سوطاً على الثمانين في حد القذف .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه نسخ .
الرتبة الثالثة: أن تتعلق
الزيادة بالمزيد عليه تعلق الشرط بالمشروط، بحيث يكون المزيد عليه وعدمه واحداً،
كزيادة النية في الطهارة، وركعة في الصلاة .
وذهب بعض من وافق في الرتبة الثانية إلى
أن الزيادة ههنا نسخ . - وليس بصحيح .
نسخ جـزء
العبادة أو شـرطها
94.
ونسخ جزء العبادة
المتصل بها، أو شرطها، ليس بنسخ لجملتها .
وقال المخالفون
في الرتبة الثالثة من الزيادة: هو نسخ .
جـواز نسخ
العبـادة إلى غير بـدل
95.
يجوز نسخ العبادة إلى
غير بدل .
وقيل لا يجوز .
ولنا: أنه
متصور عقلاً، وقد قام دليله شرعاً
النسخ
بالأخـف والأثـقل
96.
يجوز النسخ بالأخف
والأثقل .
وأنكر بعض أهل الظاهر
جواز النسخ بالأثقل .
ولنا: أنه لا
يُمتنع لذاته، ولا يُمتنع أن تكون المصلحة في التدريج من الأخف إلى الأثقل، كما في
ابتداء التكليف، كنسخ التخيير بين الفدية والصيام بتعيين الصيام، وتحريم الخمر .
حكم من لم
يبـلغه النـسخ
97.
إذا نزل الناسخ، فهل
يكون نسخاً في حق من لم يبلغه ؟
1)
قال القاضي:
ظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه لا يكون نسخاً .
2)
وقال أبو
الخطاب: يتخرج أن يكون نسخاً .
وجـوه
النسخ بين القرآن والسـنة
98.
يجوز نسخ القرآن
بالقرآن، كعدة المتوفَّى عنها زوجها .
99.
والسنة المتواترة
بمثلها .
100.
والآحاد بالآحاد، كحكم
زيارة القبور .
101.
والسنة بالقرآن، كما
نسخ التوجه إلى بيت المقدس، وتحريم المباشرة في ليالي رمضان . وهو في السنة أيضاً
.
102.
فأما نسخ القرآن
بالسنة المتواترة:
1)
فقال أحمد رحمه
الله: لا ينسخ القرآن إلا قرآن يجيء بعده .
قال القاضي:
ظاهره أنه مُنع منه عقلاً وشرعاً .
2)
وقال أبو
الخطاب وبعض الشافعية: يجوز ذلك .
حكم نسخ القرآن
ومـتواتر السـنة بالآحاد
103.
أما نسخ القرآن،
والمتواتر من السنة، بأخبار الآحاد: فهو جائز عقلاً، إذ لا يُمتنع أن يقول الشارع:
تعبّدناكم بالنسخ بخبر الواحد .
1)
وغير جائز شرعاً .
2)
وقال قوم من
أهل الظاهر: يجوز .
3)
وقالت طائفة:
يجوز في زمن النبي زظولا
يجوز بعده .
الإجماع لا
يَنسـخ ولا يُنسـخ به
104.
أما الإجماع: فلا
ينسخ: لأنه لا يكون إلا بعد انقراض زمن النص، والنسخ لا يكون إلا بالنص .
105.
ولا ينسخ بالإجماع:
لأن النسخ إنما يكون لنص، والإجماع لا ينعقد على خلافه، لكونه معصوماً عن الخطأ،
وهذا يُفضي إلى إجماعهم على الخطأ .
106.
فإن قيل: فيجوز أن يكونوا
ظفروا بنص كان خفياً هو أقوى من النص الأول، أو ناسخ له .
قلنا: فيُضاف
النسخ إلى النص الذي أجمعوا عليه، لا إلى الإجماع .
نسخ القيـاس والنسـخ
به
107.
ما ثبت بالقياس:
1)
إن كان منصوصاً على
علته: فهو كالنص، ينسخ وينسخ به .
2)
وما لم يكن منصوصاً
على علته: فلا ينسخ، ولا ينسخ به، على اختلاف مراتبه .
-
وشذت طائفة فقالت: ما
جاز التخصيص به: جاز النسخ به .
وهو منقوض بدليل العقل، وبالإجماع،
وبالخبر الواحد .
- والتخصيص بجميع
ذلك جائز دون النسخ، فكيف يتساويان؟ والتخصيص بيان، والنسخ رفع، والبيان تقرير،
والرفع إبطال .
نسخ التنبـيه
والنـسخ به
108.
والتنبيه ينسخ، وينسخ
به: لأنه يُفهم من اللفظ، فهو كالمنطوق، وأوضح منه .
ومنع منه بعض الشافعية وقالوا: هو قياس جلي . وليس بصحيح .
109.
وإذا نسح الحكم في
المنطوق: بطل الحكم في المفهوم، وفيما ثبت بعلته، أو بدليل خطابه .
وأنكر ذلك بعض الحنفية، لأنه نسخ بالقياس . وليس بصحيح .
كقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ " .
فيـما يعرف
بـه النسخ
110.
اعلم أن ذلك لا يُعرف
بدليل العقل، ولا بقياس: بل بمجرد النقل، وذلك من طرق:
أحدها: أن يكون في اللفظ: كقوله زظ "كنت
نهينكم عن زيارة القبور فزوروها" .
الثاني: أن يذكر الراوي تاريخ سماعه فيقول: سمعت عام
الفتح، ويكون المنسوخ معلوماً تقدمه .
الثالث: أن تجمع الأمة على أن هذا الحكم منسوخ، وأن
ناسخه متأخر .
الرابع: أن ينقل الراوي الناسخ والمنسوخ، فيقول:
"رُخِّص لنا في المُتعة، فمكثنا ثلاثاً، ثم نهانا عنها" .
الخامس: أن يكون راوي أحد الخبرين أسلم في آخر حياة
النبي زظ والآخر لم
يصحب النبي زظ إلا في
أول الإسلام، كرواية طلق بن علي الحنفي، وأبي هريرة في الوضوء مِن مَسّ الفرج .
والله تعالى أعلم .
الحــد وأقـسامه
111.
الحدّ هو: اللفظ الجامع
المانع .
112.
وسُمّيَ الحدّ حدّاً:
لأنه يجمع جميع الأفراد، ويخرج ماعداه، تشبيهاً بحد الدار، ومنه: سمي البواب
حدّاداً .
113.
والحد ينقسم ثلاثة
أقسام: حقيقي، ورسمي، ولفظي .
الـحد
الحقيقي وشـروطه
114.
فالحقيقي: هو القول
الدال على ماهية الشيء ، وماهية الشيء حقيقته، والماهية: ما يصلح جواباً لسؤال
بصيغة "ما هو" .
115.
فإن صيغ السؤال التي
تتعلق بأمهات المطالب أربعة:
أحدها: "هل" يُطلب بها إما أصل الوجود،
وإما صفته . هل زيداً في الدار ؟
والثاني: " لِمَ" سؤال عن العلة، جوابه
بالبرهان . لماذا فعل كذا ؟
والثالث: "أيّ" يُطلب بها تمييز ما عرف
جملته . أي الكتب عندك ؟
والرابع: "مَا" وجوابه بالحد . ما الإنسان ؟
وسائر
صيغ السؤال كمتى، وأيّان، وأين، يدخل في مطلب "هل"، إذ المطلوب به صفة
الوجود .
والكيفية: مايصلح جواباً للسؤال بِكَيف ؟
والماهية تتركب من الصفات الذاتية .
116.
والصفات تنقسم إلى
ثلاثة أقسام:
1)
الوصف الذاتي: كل وصف
يدخل في حقيقة الشيء دخولاً لا يُتصوّر فهم معناه بدون فهمه، كالجسمية للفرس .
2)
والوصف اللازم: ما لا
يفارق الذات، لكن فهم الحقيقة غير موقوف عليه، كالظل للفرس عند طلوع الشمس .
3)
وأما الوصف العارض:
فما ليس من ضرورته أن يلازم بل تتصوّر مفارقته إمّا سريعاًكحمرةالخجل أوبطيئاً
كصفرة الذهب.
تقـسيم الأوصـاف
الذاتية
117.
الأوصاف الذاتية تنقسم
إلى جنس وفصل .
1)
فالجنس: هو الوصف
الذاتي المشترك بين شيئين فصاعداً مختلفين بالحقيقة .
-
ثم هو منقسم 1- إلى عام، لا أعم منه، كالجوهر، ينقسم إلى جسم
وغير جسم . والجسم ينقسم إلى نام وغيره .
والنامي ينقسم إلى
حيوان وغيره .والحيوان ينقسم إلى آدمي وغيره .
2- وإلى خاص، لا أخص منه،
كالإنسان .ولا أعم من الجوهر إلا الموجود، وليس بذاتي .
ولا أخص من الإنسان إلا
الأحوال العرضية، من الطول، والقصر، والشيخوخة ونحوها .
1)
والفصل: ما يفصله
عن غيره، ويميزه به، كالإحساس في الحيوان، فإنه يشارك الأجسام في الجسمية،
والإحساس يفصله .
الـحد الرسـمي
وشـروطه
118.
أما الحد الرسمي: فهو
اللفظ الشارح للشيء بتعديد أوصافه الذاتية واللازمة، بحيث يطرد وينعكس، كقوله في
حد الخمر: "مائع يقذف بالزبد، يستحيل إلى الحموضة، ويُحفظ في الدّن"،
تجمع من عوارضه ولوازمه ما يساوي بجملته الخمر .
الـحد اللـفـظي
119.
أما الحد اللفظي: فهو
شرح اللفظ بلفظ أشهر منه: كقولك في العقار: "الخمر"، وفي الليث:
"الأسد" .
ويشترط
أن يكون الثاني أظهر من الأول .
البـرهــان
120.
وهو الذي يُتَوصّل به
إلى العلوم التصديقية المطلوبة بالنظر .
وهو
عبارة عن أقاويل مخصوصة،ألّفَت تأليفاً مخصوصاً بشرط يلزم منه رأي هو مطلوب النظر،
وتُسمّى هذه الأقاويل مقدّمات .
121.
ويتطرق الخلل إلى البرهان
من جهة المقدمات تارة، ومن جهة التركيب تارة، ومنهما تارة، على مثال البيت المبني:
تارة
يختلّ لِعِوج الحِيطان، وانخفاض السقف إلى قُرب الأرض، وتارة لشعث اللبنات، أو
رخاوة الجذوع، وتارة لهما جميعاً.
122.
فمن يُريد نظم البرهان
يبتديء أولاً بالنظر في الأجزاء المفردة، ثم في المقدّمات التي فيها النظم
والترتيب .
وأقلّ
ما يحصّل منه المقدمة: مفردان .
وأقل
ما يحصّل منه البرهان: مقدمتان، ثم يجمع المقدمتين فيَصوغ منهما برهاناً، وينظر
كيفية الصياغة .
كيـفية دلالـة
الألـفاظ على الـمعـاني
123.
دلالة الألفاظ على
المعنى تنحصر في: المطابقة، والتضمن، واللزوم .
1)
فالمطابقة: هي دلالة
اللفظ على تمام معناه، كدلالة لفظ "البيت" على معنى البيت، والإنسان .
فيه جميع الدلالات .
2)
والتّضَمُّن: هي دلالة
اللفظ على جزء معناه، كدلالته على السقف، ودلالة لفظ "الإنسان" على
الجسم .
3)
واللزوم: هي دلالة اللفظ على لازم معناه، كدلالة لفظ "السقف" على
الحائط، إذ ليس جزءاً من السقف، لكنه لا ينفكّ عنه .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق