الدعوة إلى اللّه فضلها
وآدابها
الحمد لله الذي أيقظ الغافلين ، ونفع بالتذكرة المؤمنين
، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها ، بل جمعوا بين الدنيا والدين ، وعرفوا ما لربهم من الحق
، فقاموا به قيام الصادقين، أحمده حمد الحامدين، وأشكره وأستعينه، فهو نعم المولى ونعم
المعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي
الأمين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلّامة ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: إذا كانت الدّعوة
إلى اللّه أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصّل إلّا بالعلم الّذي يدعو
به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدّعوة من البلوغ في العلم، إلى حدّ أقصى يصل إليه السّعي،
ويكفي هذا في شرف العلم أنّ صاحبه يحوز به هذا المقام، واللّه يؤتي فضله من يشاء .
أقسام الدعوة إلى اللّه:
نقل الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ عن ابن القيّم- رحمه
اللّه تعالى- قوله في معنى قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
: ذكر سبحانه مراتب الدّعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعوّ: فإنّه إمّا أن يكون
طالبا للحقّ محبّا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى
موعظة وجدال. وإمّا أن يكون مشتغلا بضدّ الحقّ، ولكن لو عرفه آثره واتّبعه، فهذا يحتاج
إلى الموعظة بالتّرغيب والتّرهيب. وإمّا أن يكون معاندا معارضا فهذا يجادل بالّتي هي
أحسن، فإن رجع وإلّا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن .
الدعوة إلى اللّه وآدابها:
تبليغ الدّعوة إلى اللّه يكون بالقول وبالعمل وبسيرة الدّاعي
الّتي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم إلى الإسلام .
ولا بدّ أن يستعين الدّاعي إلى اللّه بأساليب الدّعوة الإسلاميّة،
وهي:
1- الحكمة.
2- الوعظ عن طريق التّرغيب والتّرهيب.
3- الجدل والحوار وإقامة الحجّة.
4- القدوة.
5- الجهاد.
6- التّربية والتّعليم.
7- استخدام العلم ونظريّاته واكتشافاته.
8- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
9- الإعلام.
10- التّأليف والكتابة والتّحقيق والتّخريج.
11- دروس المساجد.
12- الخروج إلى القرى والمساجد والمدن.
13- الاهتمام بالعقل.
14- الاهتمام بالرّوح وتزكية النّفس وأعمال البرّ .
الآيات والأحاديث الواردة في «الدعوة إلى اللّه»
(عن قتادة- رحمه اللّه- في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا
مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
قال: هذا عبد صدق قوله، وعمله، ومولجه، ومخرجه، وسرّه، وعلانيته، ومشهده، ومغيبه) .
(عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين
نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم:
إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا،
وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم
يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال
بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة،
والدّاعي محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم فقد
أطاع اللّه، ومن عصى محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم فقد عصى اللّه، ومحمّد فرّق بين
النّاس)* .البخاري
(عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه
عليه وسلّم قال: «نضّر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها، فربّ حامل فقه
إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلم:
إخلاص العمل للّه، ومناصحة أئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ
الدّعوة تحيط من ورائهم») . الترمذي
من فوائد (الدعوة إلى اللّه)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) دلالة النّاس على الخير وهدايتهم إليه.
(3) دليل على صلاح العبد واستقامته.
(4) تثمر محبّة اللّه ومحبّة النّاس.
(5) التّشبّه بالأنبياء والصّالحين وسلوك مسالكهم.
(6) في القيام بها نشر للفضيلة ومحاربة للرّذيلة.
(7) بها تصلح الأفراد وتسعد الشّعوب.
(8) بها يتقرّب العبد من ربّه ويفوز بمحبّته.
(9) باب من أبواب النّصيحة إلى اللّه ورسوله والمؤمنين لا يفوز
بها إلّا الصّالحون.
(10) تكسب الدّاعي بركة دعوة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم
بأن ينضّر اللّه وجهه.
(11) تشرح للعالم كلّه سبل الإسلام السّمحة وتردّ على الدّعاوى
الباطلة الّتي يلصقها المغرضون بالدّين الحنيف.
(12) للدّاعي أجر عظيم يتضاعف بعدد الّذين يستجيبون له .
مواقف حكيمة في الدعوة
إلى الله
1- موقفه صلى الله عليه وسلم مع اليهودي زيد بن سعنة:
كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم العالية من أعظم الأسباب
في إجابة دعوته، ومن ذلك ما فعله مع أحد أحبار اليهود وعلمائهم الكبار.
جاء زيد بن سعنة إلى
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يطلبه دينا له عليه، فأخذ بمجامع قميصه وردائه وجذبه،
وأغلظ له القول، ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوجه غليظ وقال: يا محمد ألا تقضيني
حقي، إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطْلٌ ، وشدّد له في القول، فنظر إليه عمر وعيناه
تدوران في رأسه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ما أسمع، وتفعل ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَةٍ وتَبَسُّمٍ، ثم قال:
« "أنا وهو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره
بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمرٍ"، » فكان هذا
سببًا لِإسلامه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وكان زيد قبل هذه القصة يقول: « لم يبق شيء من علامات النبوة
إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه
جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا » (البداية
والنهاية)
فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وُصِفَ فأسلم، وشهد مع النبي
صلى الله عليه وسلم مشاهده، واستشهد في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر . الإصابة .
2- موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي أراد قتله:
روى البخاري ومسلم ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما-
قال: غزونا مع رسول صلى الله عليه غزوة قِبَل نجد (ذات الرقاع) فأدركنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في واد كثير العضاه، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تحت شجرة،
فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « "إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف ، فاستيقظت
وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا (مسلولا) في يده، فقال لي، من يمنعك مني؟
قال: قلت: اللّه، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت اللّه، قال: فشام السيف
(رده في غمده) فها هو ذا جالس » ، ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه
وسلم . البخاري
الله أكبر، ما أعظم
هذا الخلق! وما أكبر أثره في النفس! أعرابي يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعصمه
الله منه، ويمكِّنه من القدرة على قتله، ثم يعفو عنه! إن هذا لخلق عظيم، وصدق الله
العظيم إذ يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } وهذا
الخلق الحكيم قد أثر في حياة الرجل، وأسلم بعد ذلك، فاهتدى به خلق كثير (وذكر ابن حجر والنووي في هذا الموضع أن اسم الأعرابي: غورث بن
الحارث، بل ذكره البخاري في صحيحه
أسأل الله أن
يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق