بسم
الله الرحمن الرحيم
قصة
موسى والخضر عليهما السلام من القرآن والسنة
وما
فيها من دروس وعبر
إعداد:
عبداللطيف بن محمد البلوشي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
فهذه قصة عظيمة وحادثة جليلة لنبي الله الكليم موسى عليه السلام مع
الرجل الصالح الكريم الخضر عليه السلام، وقد أوردها الله في كتابه الحكيم، وقصها
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على أصحابه الميامين، وقد اشتملت القصة على معان
جليلة ودروس عظيمة وفوائد نفيسة، وآداب شريفة خصوصا في طلب العلم والرحلة في
تحصيله، وسنورد القصة من الكتاب والسنة مع شرح مختصر وبيان ما فيها من الدروس
والفوائد والآداب.
قال الله تعالى في سورة الكهف: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا
(60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا
غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ
أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا
الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا
مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ
مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي
فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا
حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ
أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي
عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ
فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ
بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
(78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ
أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا
(79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا
طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ
زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ
فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ
رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
(82)}
وقد
ذكر الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره على الآيات (ص 482) جملة من الفوائد
النفيسة والآداب الرفيعة انتقاها من هذه القصة نذكر جملة منها فيما يلي :
1
- فضيلة العلم والرحلة في طلبه وأنه أهم الأمور: رحل موسى -
عليه السلام - مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل
لتعليمهم وإرشادهم،واختار السفر لزيادة العلم على ذلك .
2-
البدء بالأهم فالأهم: فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من
ترك ذلك ، والاشـتـغال بالتعليم دون تزود من العلم والجمع بين الأمرين أكمل.
3-
أن المسافر لطلب العلم أو جهاده أو نحوه ، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه وأين
يريد فإنه أكمل من كتمه: لأن في إظهاره فوائد من الاستعداد له ،
واتخاذ عدته ، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهار الشوق لهذه العبادة الجليلة كما قال
موســى : ((لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ
حُقُباً))[الكهف:60] .
4
- أن المعونة تتنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به:وأن
الموافق لأمر الله يعاني ما لا يعانيه غيره ؛ لقوله : ((لَقَدْ لَقِينَا مِن
سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً))[الكهف:62] . والإشارة إلى السفر المجاوز لمجمع البحرين
، أما الأول فلم يشتكِ منه التعب - مع طوله - لأنه هو السفر على الحقـيقـة. وأما
الأخير فالظاهر أنه بعض يوم ؛ لأنها فقدا الحوت حين آويا إلى الصخرة .
5-
التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب: لقول موسى -
عليه السلام -: ((هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ
رُشْداً))[الكهف:66] فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، أي : هل تأذن فـي ذلـك
أم لا؟ وإقــراره بأنه يتعلم منه بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر الذين لا
يُظهرون للمعلم افتقارهم إلـى علمه. بل يدَّعون أنهم يتعاونون هم وإياه ! ، بل
ربما ظن أحدهم أنه يُعلم معلمه ، وهو جاهل جداً، فالذل للمعلم ، وإظهار الحاجة إلى
علمه من أنفع الأشياء للمتعلمين.
6-
أن تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه يكون ممن مهر فيه - وإن كان دونه
في العلم بدرجات كثيرة -: فإن موسى - عليه السلام - وهو من أُولي
العزم من المرسلين الذين منحهم الله ، وأعطاهم من العلم ما لم يعطِ سواهم ؛ فعلى
هذا لا ينبغي للفقيه المحدث - إذا كان قاصراً في عالم النحو أو الصرف ، أو
نحوهـمــا من العلوم - أن لا يتعلم ممن مهر وإن لم يكن محدثاً ولا فقيهاً.
7-
إضافة العلم وغيره من الفضائل لله - تعالى - والإقرار بذلك وشكر الله : بقوله
: ((تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ))[الكهف:66] ، أي مما علّمك الله - تعالى - .
8-
أن العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير: فكل علم يـكـون
فـيـه رشد وهداية لطريق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك فإنه من العلم
النافع ، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً أو ليس منه فائدة لقوله:((أَن
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً))[الكهف:66].
9-
أن مَن ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم ، وحسن الـثـبـات على ذلك ليس
أهلاً لتلقِّي العلم: فمَن لا صبر له لا يدرك العلم ، ومن
استعمل الـصـبـر ولازمه أدرك به كل أمر سعى إليه؛ لقول الخضر:((ذَلِكَ تَأْوِيلُ
مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً))[ الكهف:82].
10-
الأمر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء حتى يعـرف ما يراد منه
وما هو مقصود.
11-
أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيعازه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض
الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها فإن المصلحة تتبع: كما
إذا كان فهمه قاصراً، أو نهاه عن السؤال عن دقيق الأشياء التي غيرها أهم منها، أو
لا يدركها ذهنه ، أو يسأل سؤالاً لا يتعلق بموضع البحث.
12
- أن الإنسان غير مؤاخذ بنسيان ، لا في حق الله ولا في حقوق العباد:
لقوله : ((لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ))[الكهف:73] .
13-
أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم العفو وما سمـحـت بــــه
أنفسهم:
ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون ، أو يشدد عليهم ويرهقهم فإن هذا مدعاة إلى
النفور منه والسآمة ، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر .
14-
وفي القصة تبدو القاعدتان الكبيرتان الجليتان التاليتان :
*
الأولى : وهي أنه : "يُدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير" وتراعَى
أكبر المصلحتين بتفويت أدناهما: فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه
حي يفتن أبويه عن دينهما أعظم شراً مـنـه ، وبقاء الغلام من دون قتل ، وعصمته وإن
كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويــــه وإيمانهما خير من ذلك ، فلذلك قتله
الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحُم
المصالح والمفاسد كلها داخل في هذا.
*
الثانية : وهي أن "عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة
المفسدة أنه يجوز - ولو بلا إذن - حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير: كما
خرق الخضر السفينة لتعيب فتسلم من غضب الملك الظالم.
15
- استعمال الأدب مع الله - تعالى - في الألفاظ : فإن الخضر أضاف
عيب السفينة إلى نفسه بقوله ((فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا))[الكهف:79] وأما الخير
فأضافه إلى الله - تعالى - لقوله : ((فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
ويَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ))[الكهف:82] .
والآن سنورد القصة من رواية البخاري في جامعه:
قال البخاري:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِى
يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى
آخَرُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَى بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"قَامَ مُوسَى النَّبِى خَطِيبًا
فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَى النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ
فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى
اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ
أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِى
مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ
يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَحَمَلَا حُوتًا فِى مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ
الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنْ الْمِكْتَلِ
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَبًا وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا
فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ
مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا
وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنْ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى
أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ
فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ قَالَ مُوسَى
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ، فَلَمَّا
انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ تَسَجَّى
بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ
فَقَالَ أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ
عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا
أَعْلَمُهُ قَالَ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِى لَكَ
أَمْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى
سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ
فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ
نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً
أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِى الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِى
وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِى
الْبَحْرِ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ
فَنَزَعَهُ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى
سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلَا
تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا فَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَانْطَلَقَا
فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ
أَعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا
زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِى صَبْرًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا
أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ الْخَضِرُ
بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ
أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ .
قَالَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ
اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ
أَمْرِهِمَا .
رواه البخاري (1/35 برقم 122)
شرح حديث قصة
موسى والخضر عليهما السلام:
§
قوله: (إذ
قال: سلونى) فيه جواز قول العالم ذلك، ومحله إذا أمن العجب أو دعت الضرورة
إليه كخشية نسيان العلم.
§
قوله: (قال:
ذكر) هو بتشديد الكاف أى وعظهم. وفى رواية ابن إسحاق عند النسائى" فذكرهم
بأيام الله. وأيام الله نعماؤه"ولمسلم من هذا الوجه " يذكرهم بأيام الله
وآلاء الله نعماؤه وبلاؤه"
§
قوله: (حتى
إذا فاضت العيون ورقت القلوب) وفيه أن الواعظ إذا أثر وعظه فى السامعين فخشعوا
وبكوا ينبغى أن يخفف لئلا يملوا.
§
قوله: (فأدركه
رجل) لم أقف على اسمه، وهو يقتضى أن السؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة
وتوجه،
§
والذى يظهر أن
السؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس.
§
قوله: (هل فى
الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا) فى رواية سفيان"فسئل أى الناس أعلم؟
فقال: أنا"
§
وبين الروايتين
فرق، ويؤيد رواية الباب أن فى قصة الحر بن قيس"فقال: هل تعلم أحدا أعلم
منك؟ قال: لا"
§
وفى رواية أبى
إسحاق عند مسلم"فقال: ما أعلم فى الأرض رجلا خيرا وأعلم منى، فأوحى الله
إليه: إنى أعلم بالخير عند من هو، وإن فى الأرض رجلا هو أعلم منك"
§
عن ابن
عباس"أن موسى قال: أى رب، أى عبادك أعلم؟ قال: الذى يبتغى علم الناس إلى
علمه، قال: من هو وأين هو؟ قال: الخضر، تلقاه عند الصخرة"وذكر له
حليته.
§
وفى هذه
القصة"وكان موسى حدث نفسه بشيء من فضل علمه أو ذكره على منبره"
§
عن أبى العالية
ما يدل على أن الجواب وقع فى نفس موسى قبل أن يسأل ولفظه"لما أوتى موسى
التوراة وكلمه الله وجد فى نفسه أن قال من أعلم منى" ونحوه عند النسائى من
وجه آخر عن ابن عباس وأن ذلك وقع فى حال الخطبة ولفظه"قام موسى خطيبا فى بنى
إسرائيل فأبلغ فى الخطبة، فعرض فى نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتى".
§
قوله: (قال:
أى رب فأين) فى رواية سفيان " قال: يا رب فكيف لى به"
§
وفى رواية
النسائى المذكورة"قال: فادللنى على هذا الرجل حتى أتعلم منه".
§
قوله: (اجعل
لى علما) بفتح العين واللام أى علامة، وفى قصة الحر بن قيس: فجعل الله له
الحوت آية" وفى قصة الحر بن قيس"فسأل موسى السبيل إلى لقيه".
§
قوله: (قال:
حيث يفارقك الحوت) يعنى فهو ثم، وقع ذلك مفسرا فى رواية سفيان عن عمرو
قال:"تأخذ معك حوتا فتجعله فى مكتل، فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم"
§
قوله: (قال:
خذ حوتا) فى رواية الكشميهنى " نونا"وفى رواية أبى إسحاق عند
مسلم " فقيل له تزود حوتا مالحا، فإنه حيث تفقد الحوت"
§
ويستفاد من هذه
الرواية أن الحوت كان ميتا لأنه لا يملح وهو حى،
§
ومنه تعلم
الحكمة فى تخصيص الحوت دون غيره من الحيوانات لأن غيره لا يؤكل ميتا، ولا يرد
الجراد لأنه قد يفقد وجوده لا سيما بمصر.
§
قوله: (فأخذ
حوتا فجعله فى مكتل) فى رواية ابن أبى حاتم أنهما اصطاداه، يعنى موسى
وفتاه. قوله: (فقال لفتاه) فى
رواية سفيان"ثم انطلق وانطلق معه بفتاه".
§
قوله: (وإذ
قال موسى لفتاه) يوشع بن نون، وهو الذى قام فى بنى إسرائيل بعد موت موسى، ونقل
ابن العربى أنه كان ابن أخت موسى،
§
الفتى مأخوذ من
الفتى وهو الشباب، وأطلق ذلك على من يخدم المرء سواء كان شابا أو شيخا، لأن الأغلب
أن الخدم تكون شبانا.
§
قوله: (فبينما
هو فى ظل صخرة) فى رواية سفيان"حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما
فناما".
§
قوله: (فى
مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة ثم تحتانية أى مبلول.
§
قوله: (إذ
تضرب الحوت) بضاد معجمة وتشديد وهو تفعل من الضرب فى الأرض وهو السير. وفى
رواية سفيان"واضطرب الحوت فى المكتل فخرج منه فسقط فى البحر"وفى رواية
أبى إسحاق عند مسلم"فاضطرب الحوت فى الماء" ولا مغايرة بينهما، لأنه
اضطرب أولا فى المكتل فلما سقط فى الماء اضطرب أيضا، فاضطرابه الأول فيما فى مبدأ
ما حيى، والثانى فى سيره فى البحر حيث اتخذ فيه مسلكا.
§
قوله: (وموسى
نائم، فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ فنسى أن يخبره) فى الكلام حذف
تقديره حتى إذا استيقظ سار فنسى.
§
وأما قوله
تعالى: (نسيا حوتهما) فقيل نسب النسيان إليهما تغليبا، والناسى هو الفتى،
نسى أن يخبر موسى كما فى هذا الحديث. وقيل: بل المراد أن الفتى نسى أن يخبر موسى
بقصة الحوت، ونسى موسى أن يستخبره عن شأن الحوت بعد أن استيقظ لأنه حينئذ لم يكن
معه وكان بصدد أن يسأله أين هو فنسى ذلك.
§
"وذكر ابن
عطية أنه رأى سمكة أحد جانبيها شوك وعظم وجلد رقيق على أحشائها ونصفها الثانى
صحيح، ويذكر أهل ذلك المكان أنها من نسل حوت موسى، إشارة إلى أنه لما حيى بعد أن
أكل منه استمرت فيه تلك الصفة ثم فى نسله، والله أعلم.
§
قوله: (فأمسك
الله عنه جرية البحر حتى كان أثره فى حجر) كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم.
وفى رواية جحر بضم الجيم وسكون المهملة وهو واضح.
§
قوله: (قال لى
عمرو) القائل هو ابن جريج (كأن أثره فى حجر وحلق بين إبهاميه والتى) فى رواية
الكشميهنى"واللتين تليانهما" يعنى السبابتين. وفى رواية سفيان عن
عمرو"فصار عليه مثل الطاق"وهو يفسر ما أشار إليه من الصفة. و عند
مسلم" فاضطرب الحوت فى الماء فجعل لا يلتئم عليه، صار مثل الكوة"
§
قوله: (لقد لقينا
من سفرنا هذا نصبا) عند مسلم"فلما تجاوزا قال لفتاه: (آتنا غداءنا لقد
لقينا من سفرنا هذا نصبا) قال: ولم يصبه نصب حتى تجاوزا"
§
قوله: (قال:
قد قطع الله عنك النصب،) قوله: (أخره)
ثم فى نسخة منه بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الراء بعدها هاء ضمير أى إلى آخر الكلام
. وفى رواية غير أبى ذر"أخبره" من الإخبار، أى أخبر الفتى موسى
بالقصة. ووقع فى رواية سفيان"فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) فساق
الآية إلى (عجبا) قال: فكان للحوت سربا ولموسى عجبا"عن قتادة قال: عجب موسى
أن تسرب حوت مملح فى مكتل.
§
قوله: (فرجعا
فوجدا خضرا) فى رواية سفيان"فقال موسى: (ذلك ما كنا نبغ) أى
نطلب"وفى رواية للنسائى"هذه حاجتنا"وذكر موسى ما كان الله عهد إليه
يعنى فى أمر الحوت.
§
قوله: (فارتدا
على آثارهما قصصا قال: رجعا يقصان آثارهما) أى آثار سيرهما (حتى انتهيا إلى
الصخرة) زاد النسائى فى رواية له"التى فعل فيها الحوت ما فعل"وهذا
يدل على أن الفتى لم يخبر موسى حتى سارا زمانا، إذ لو أخبره أول ما استيقظ ما
احتاجا إلى اقتصاص آثارهما.
§
قوله: (فوجدا
خضرا) وزعم الداودى أن هذه الرواية وهم وأنهما إنما وجداه فى جزيرة البحر.
قلت: ولا مغايرة بين الروايتين، فإن المراد أنهما لما انتهيا إلى الصخرة تتبعاه
إلى أن وجداه فى الجزيرة. ووقع فى رواية أبى إسحاق عند مسلم" فأراه مكان
الحوت فقال: هاهنا وصف لى، فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر". عن طريق الربيع
بن أنس قال: انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة، فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا
هو بالخضر. عن ابن عباس قال: فرجع موسى حتى أتى الصخرة فوجد الحوت، فجعل موسى يقدم
عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس
حتى يصير: صخرة، فجعل موسى يعجب من ذلك حتى انتهى إلى جزيرة فى البحر فلقى الخضر.
قال السدى: بلغنا عن ابن عباس أن موسى دعا ربه ومعه ماء فى سقاء يصب منه فى البحر
فيصير حجرا فيأخذ فيه، حتى انتهى إلى صخر فصعدها وهو يتشوف هل يرى الرجل، ثم رآه.
§
قوله: (قال
لى عثمان بن أبى سليمان: على طنفسة خضراء) عن عثمان بن أبى سليمان قال: رأى
موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء انتهى. والطنفسة فرش صغير.
§
قوله: (قال
سعيد بن جبير: مسجى بثوبه) وفى رواية مسلم"مسجى ثوبا مستلقيا على
القفا"وعن أبى العالية"فوجده نائما فى جزيرة من جزائر البحر
ملتفا بكساء" عن السدى"فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف
ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه،
§
قال: وإنما سمى
الخضر لأنه كان إذا أقام فى مكان نبت العشب حوله"انتهى. وفي حديث أبى هريرة
رفعه"إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز تحته خضراء"
والمراد بالفروة وجه الأرض.
§
قوله: (فسلم
عليه موسى فكشف عن وجهه) فى رواية أبى إسحاق عند مسلم"فقال: السلام
عليكم، فكشف الثوب عن وجهه وقال: وعليكم السلام".
§
قوله: (وقال:
هل بأرضى من سلام) فى رواية الكشميهنى"بأرض"بالتنوين. وفى
رواية سفيان"قال: وأنى بأرضك السلام"وهى بمعنى أين أو كيف، وهو
استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين، ويجمع بين
الروايتين بأنه استفهمه بعد أن رد عليه السلام.
§
قوله: (من
أنت؟ قال أنا موسى. قال: موسى بنى إسرائيل؟ قال: نعم) وفى رواية أبى
إسحاق"قال: من أنت؟ قال: موسى. قال: من موسى؟ قال: موسى بنى إسرائيل
" ويجمع بينهما بأن الخضر أعاد ذلك تأكيدا.
قوله: (قال: فما شأنك) فى رواية أبى إسحاق"قال: ما جاء بك
"؟
§
قوله: (جئت
لتعلمنى مما علمت رشدا) قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون
ثانيه، والجمهور على أنهما بمعنى كالبخل والبخل، وقيل بفتحتين: الدين، وبضم ثم
سكون: صلاح النظر.
§
قوله: (يا
موسى إن لى علما لا ينبغى لك أن تعلمه) أى جميعه (وإن لك علما لا ينبغى لى
أن أعلمه) أى جميعه، وتقدير ذلك متعين لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما
لا غنى بالمكلف عنه، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحى.
§
قوله فى رواية
سفيان (قال: إنك لن تستطيع معى صبرا) كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار
النفى لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف
الشرع، لأن ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة بل مشى معه
ليشاهد منه ما أطلع به على منزلته فى العلم الذى اختص به. وقوله:"وكيف تصبر"استفهام
عن سؤال تقديره: لم قلت إنى لا أصبر وأنا سأصبر، قال: كيف تصبر؟
§
وقوله:"ستجدنى
إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك" وكأن المراد بالصبر أنه صبر عن اتباعه
والمشى معه وغير ذلك، لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع.
§
وقوله:"فلا
تسألنى عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا" عن ابن عباس " حتى أبين لك
شأنه".
§
قوله: (فأخذ
طائر بمنقاره) ظاهر هذه الرواية أن الطائر نقر فى البحر عقب قول الخضر لموسى
ما يتعلق بعلمهما، ورواية سفيان تقتضى أن ذلك وقع بعدما خرق السفينة، فيجمع بأن
قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر
السفينة، عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى:"أتدرى ما يقول هذا الطائر؟ قال:
لا. قال: يقول: ما علمكما الذى تعلمان فى علم الله إلا مثل ما أنقص بمنقارى من
جميع هذا البحر" فى رواية هارون بن عنترة قال:" أرسل ربك الخطاف فجعل
يأخذ بمنقاره من الماء" ونقل بعض من تكلم على البخارى أنه الصرد.
§
قوله: (وجدا
معابر) هو تفسير لقوله: (ركبا فى السفينة) لا أن قوله: (وجدا) جواب (إذا) لأن
وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة.وفى رواية سفيان"فانطلقا يمشيان على
ساحل البحر، فمرا فى سفينة فكلموهم أن يحملوهم"والمعابر جمع معبر وهى السفن
الصغار،
§
وعند الربيع بن
أنس قال:"مرت بهم سفينة ذاهب فناداهم خضر".
§
قوله:(عرفوه
فقالوا:عبد الله الصالح، قال: قلنا لسعيد بن جبير: خضر؟ قال. نعم) عن عمرو بن
دينار"فكلموهم أن يحملوهم،فعرفوا الخضر فحملوا"
§
قوله: (بأجر)
أى أجرة. وفى رواية سفيان"فحملوا بغير نول" وهو الأجرة، ومن رواية
الربيع بن أنس" فناداهم خضر وبين لهم أن يعطى عن كل واحد ضعف ما حملوا به
غيرهم، فقالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا فى مكان مخوف نخشى أن يكونوا لصوصا، فقال:
لأحملنهم، فإنى أرى على وجوههم النور، فحملهم بغير أجرة"وذكر النقاش أن أصحاب
السفينة كانوا سبعة بكل واحد زمانة ليست فى الآخر.
§
قوله: (فخرقها
ووتد فيها) أى جعل فيها وتدا. وفى رواية سفيان"فلما ركبوا فى السفينة لم
يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم"والجمع بين الروايتين
أنه قلع اللوح وجعل مكانه وتدا، ورواية أبى العالية"فخرق السفينة فلم يره أحد
إلا موسى، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك".
§
قوله: (لقد
جئت شيئا إمرا. قال مجاهد: منكرا) عن قتادة فى قوله: (إمرا) قال: عجبا وعن أبى
صخر فى قوله: (إمرا) قال: عظيما. وفى رواية الربيع بن أنس "أن موسى لما رأى
ذلك امتلأ غضبا وشد ثيابه وقال: أردت إهلاكهم، ستعلم أنك أول هالك. فقال له يوشع:
ألا تذكر العهد؟ فأقبل عليه الخضر فقال: ألم أقل لك؟ فأدرك موسى الحلم فقال: لا
تؤاخذنى. وإن الخضر لما خلصوا قال لصاحب السفينة: إنما أردت الخير، فحمدوا رأيه،
وأصلحها الله على يده".
§
قوله: (كانت
الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا) ومن طريق الربيع بن أنس قال:"
قال الخضر لموسى: إن عجلت على فى ثلاث فذلك حين أفارقك" قوله: (لقيا غلاما) فى رواية
سفيان" فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما".
§
قوله: (فقتله)
الفاء عاطفة على لقيا إشارة إلى أن قتل الغلام يعقب لقاءه من غير مهلة، وهو بخلاف
قوله: (حتى إذا ركبا فى السفينة خرقها) فإن
§
قوله: (قال
سعيد) هو ابن جبير (وجد غلمانا يلعبون، فأخذ غلاما كافرا ظريفا) عن ابن
جريج "غلاما وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين"وفى رواية
سفيان"فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله"وفى روايته
"فقطعه" ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه. عند الطبرى"فأخذ
صخرة فثلغ رأسه" ، والأول أصح. ويمكن أن يكون ضرب رأسه بالصخرة ثم ذبحه وقطع
رأسه.
§
قوله: (قال:
أقتلت نفسا زكية بغير نفس لم تعمل الحنث) بكسر المهملة وسكون النون وآخره
مثلثة، ولأبى ذر بفتح المعجمة والموحدة،
§
وقوله:"لم
تعمل"تفسير لقوله " زكية"والتقدير: أقتلت نفسا زكية لم تعمل
الحنث بغير نفس.
§
قوله: (وابن
عباس قرأها) كذا لأبى ذر ولغيره"وكان ابن عباس يقرأها زكية" وهى
قراءة الأكثر، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو زاكية، والأولى أبلغ لأن فعيلة من
صيغ المبالغة.
§
قوله: (زاكية
مسلمة كقولك غلاما زاكيا) هو تفسير من الراوى، ويشير إلى القراءتين، أى أن
قراءة ابن عباس بصيغة المبالغة والقراءة الأخرى باسم الفاعل بمعنى مسلمة، وإنما
أطلق ذلك على موسى على حسب ظاهر حال الغلام، لكن اختلف فى ضبط"مسلمة "
فالأكثر بسكون السين وكسر اللام، ولبعضهم بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة، وزاد
سفيان فى روايته هنا (ألم أقل لك أنك لن تستطيع معى صبرا) قال: وهذه أشد من
الأولى، زاد مسلم من رواية أبى إسحاق عن سعيد بن جبير فى هذه القصة"فقال
النبى صلى الله عليه وسلم: رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل لرأى العجب،
ولكنه أخذته ذمامة من صاحبه فقال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبنى"ولابن
مردويه من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير عن سعيد بن جبير"فاستحيا عند ذلك
موسى وقال: إن سألتك عن شيء بعدها"وهذه الزيادة وقع مثلها فى رواية
عمرو بن دينار من رواية سفيان فى آخر الحديث"قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: وددنا أن موسى صبر حنى يقص الله علينا من أمرهما"زاد الإسماعيلى من
طريق عثمان بن أبى شيبة عن سفيان"أكثر مما قص"
§
قوله: (فانطلقا
فوجدا جدارا) فى رواية سفيان"فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية"وفى
رواية أبى إسحاق عند مسلم"أهل قرية لئاما. فطافا فى المجالس فاستطعما
أهلها"قيل هى الأبلة وقيل إنطاكية وقيل أذربيجان وقيل برقة وقيل ناصرة وقيل
جزيرة الأندلس، وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف فى المراد بمجمع البحرين، وشدة
المباينة فى ذلك تقتضى أن لا يوثق بشيء من ذلك.
§
قوله: (قال
سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام) "قال يعلى هو ابن مسلم حسبت أن سعيدا
قال: فمسحه بيده فاستقام"وفى رواية سفيان" فوجدا جدارا يريد أن ينقض -
قال مائل - فقال الخضر بيده فأقامه"وذكر الثعلبى أن عرض ذلك الجدار كان خمسين
ذراعا فى مائة ذراع بذراعهم.
§
قوله: (قال: لو
شئت لاتخذت عليه أجرا، قال سعيد: أجرا نأكله) زاد سفيان فى روايته"فقال
موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرا"وفى
رواية أبى إسحاق"قال: هذا فراق بينى وبينك، فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال:
حدثنى"وذكر الثعلبى أن الخضر قال لموسى: أتلومنى على خرق السفينة وقتل الغلام
وإقامة الجدار، ونسيت نفسك حين ألقيت فى البحر، وحين قتلت القبطى، وحين سقيت أغنام
ابنتى شعيب احتسابا.
§
قوله:(وكان
وراءهم ملك، وكان أمامهم، قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وفى رواية "وكان
ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا".
§
قوله: (يزعمون
عن غير سعيد أنه هدد بن بدد) القائل ذلك هو ابن جريج، ومراده أن تسمية الملك الذى
كان يأخذ السفن لم تقع فى رواية سعيد. قال: وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك
حمير زوجه سليمان بن داود بلقيس. قلت: إن ثبت هذا حمل على التعدد والاشتراك فى
الاسم لبعد ما بين مدة موسى وسليمان، وهدد فى الروايات بضم الهاء وحكى ابن الأثير
فتحها والدال مفتوحة اتفاقا، ووقع عند ابن مردويه بالميم بدل الهاء، وأبوه بدد
بفتح الموحدة، وجاء فى"تفسير مقاتل " أن اسمه منولة بن الجلندى بن سعيد
الأزدى، وقيل: هو الجلندى وكان بجزيرة الأندلس.
§
قوله: (الغلام
المقتول اسمه يزعمون حيسور) القائل ذلك هو ابن جريج، وفى روايته عن غيره بجيم
أوله، وعند القابسى بنون بدل التحتانية، وعند عبدوس بنون بدل الراء، وذكر السهيلى
أنه رآه فى نسخة بفتح المهملة والوحدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة،
وعند الطبرى من طريق شعيب الجبائى كالقابسى، وفى"تفسير الضحاك بن
مزاحم"اسمه حشرد، ووقع فى تفسير الكلبى اسم الغلام شمعون.
§
قوله: (ملك
يأخذ كل سفينة غصبا) فى رواية النسائى"وكان أبى يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة
غصبا"وفى رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان"وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة
صحيحة غصبا". قوله: (فأردت
إذا هى مرت به أن يدعها لعيبها) فى رواية النسائى"فأردت أن أعيبها حتى لا
يأخذها".
§
قوله: (فإذا
جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها) فى رواية النسائى"فإذا جاوزوه رقعوها
فانتفعوا بها وبقيت لهم".
§
قوله: (ومنهم
من يقول سدوها بقارورة، ومنهم من يقول بالقار) أما القار فهو بالقاف وهو
الزفت، وأما قارورة فضبطت فى الروايات بالقاف، لكن فى رواية ابن مردويه ما يدل على
أنها بالفاء لأنه وقع فى روايته"ثارورة"بالمثلثة والمثلثة تقع فى موضع
الفاء فى كثير من الأسماء ولا تقع بدل القاف، قال الجوهرى: يقال فار فورة مثل ثار
ثورة، فإن كان محفوظا فلعله فاعولة من ثوران القدر الذى يغلى فيها القار أو غيره،
وقد وجهت رواية القارورة بالقاف بأنها فاعولة من القار، وأما التى من الزجاج فلا
يمكن السد بها، وجوز الكرمانى احتمال أن يسحق الزجاج ويلت بشيء ويلصق به ولا يخفى
بعده، ووقع فى رواية مسلم"وأصلحوها بخشبة"ولا إشكال فيها.
§
قوله: (كان
أبواه مؤمنين وكان كافرا) يعنى الغلام المقتول، فى رواية سفيان" وأما
الغلام فطبع يوم طبع كافرا، وكان أبواه قد عطفا عليه"وفى"المبتدأ لوهب
بن منبه"كان اسم أبيه ملاس واسم أمه رحما، وقيل اسم أبيه كاردى واسم أمه
سهوى.
§
قوله: (فخشينا
أن يرهقهما طغيانا وكفرا: أن يحملها حبه على أن يتابعاه على دينه) وقال أبو
عبيدة فى قوله: (يرهقهما) أى يغشاهما.
§
قوله: (خيرا
منه زكاة وأقرب رحما لقوله: أقتلت نفسا زكية) يعنى أن قوله زكاة ذكر للمناسبة
المذكورة. عن ابن جريج فى قوله: (خيرا منه زكاة) قال: إسلاما. ومن طريق عطية
العوفى قال: دينا.
§
قوله: (وأقرب
رحما هما به أرحم منهما بالأول الذى قتل خضر) وعن الأصمعى قال: الرحم بكسر
الحاء القرابة، وبسكونها فرج الأنثى، وبضم الراء ثم السكون الرحمة. وعن أبى عبيد
القاسم بن سلام: الرحم والرحم - يعنى بالضم والفتح مع السكون فيهما - بمعنى، وهو
مثل العمر والعمر، .
§
قوله: (وزعم
غير سعيد أنهما أبدلا جارية). وعن سعيد بن جبير: إنها جارية. عن ابن عباس"فأبدلهما
ربهما خيرا منه زكاة قال: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء" ولابن
المنذر من طريق بسطام بن حميل قال: أبدلهما مكان الغلام جارية ولدت نبيين، عن
عكرمة: ولدت جارية، ومن طريق السدى قال: ولدت جارية فولدت نبيا، وهو الذى كان بعد
موسى فقالوا له: ابعث لنا ملكا واسم هذا النبى شمعون، واسم أمه حنة. وعند أبى بن
كعب أنها ولدت غلاما، لكن إسناده ضعيف. وفى تفسير ابن الكلبى: ولدت جارية ولدت عدة
أنبياء فهدى الله بهم أمما. وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا.
§
قوله: (وأما
داود بن أبى عاصم فقال عن غير واحد: إنها جارية) قال ابن جريج: وبلغنى أن أمه
يوم قتل كانت حبلى بغلام.
§
وفى الحديث من الفوائد
غير ما تقدم:
§
استحباب الحرص
على الازدياد من العلم، والرحلة فيه، ولقاء المشايخ وتجشم المشاق فى ذلك،
والاستعانة فى ذلك بالأتباع، وإطلاق الفتى على التابع، واستخدام الحر، وطواعية
الخادم لمخدومه وعذر الناسى، وقبول الهبة من غير المسلم. واستدل به على أن الخضر
نبى لعدة معان قد نبهت عليها فيما تقدم كقوله: (وما فعلته عن أمرى) وكاتباع موسى
رسول الله له ليتعلم منه، وكإطلاق أنه أعلم منه، وكإقدامه على قتل النفس لما شرحه
بعد وغير ذلك. وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما، والإغضاء على
بعض المنكرات مخافة إن يتولد منه ما هو أشد، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء
البهيمة للسمن وقطع أذنها لتتميز، ومن هذا مصالحة ولى اليتيم السلطان على بعض مال
اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيح، لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع، فلا يسوغ الأقدام
على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك.
وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه. وقال ابن بطال: قول الخضر: وأما
الغلام فكان كافرا هو باعتبار ما يؤول إليه أمره أن لو عاش حتى يبلغ، واستحباب مثل
هذا القتل لا يعلمه إلا الله، ولله أن يحكم فى خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده
انتهى. ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميز قبل أن يبلغ كان فى تلك الشريعة فيرتفع
الإشكال. وفيه جواز الإخبار بالتعب ويلحق به الألم من مرضى ونحوه، ومحل ذلك إذا
كان على غير سخط من المقدور، وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب
والجوع، بخلاف المتوجه إلى غيره كما فى قصة موسى فى توجهه إلى ميقات ربه وذلك فى
طاعة ربه فلم ينقل عنه أنه تعب ولا طلب غداء ولا رافق أحدا، وأما فى توجهه إلى
مدين فكان فى حاجة نفسه فأصابه الجوع، وفى توجهه إلى الخضر لحاجة نفسه أيضا فتعب
وجاع. وفيه جواز طلب القوت وطلب الضيافة، وفيه قيام العذر بالمرة الواحدة وقيام
الحجة بالثانية، قال ابن عطية: يشبه أن يكون هذا أصل مالك فى ضرب الآجال فى
الأحكام إلى ثلاثة أيام، وفى التلوم ونحو ذلك. وفيه حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف
إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السفينة (فأردت أن
أعيبها) وعن الجدار (فأراد ربك) ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"والخير
بيدك، والشر ليس إليك".
انظر الشرح في
فتح الباري لابن حجر (8/412)
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق