الأربعاء، 16 أغسطس 2017

ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه

ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه

روى البيهقي عن الحاكم بسنده عن أبي ذر قال:
كنت ربع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة نفر، وأنا الرابع، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا سياق مختصر.
وقد جاء إسلامه مبسوطاً في ((صحيح مسلم)) وغيره، فروى أحمد عن عبد الله بن الصامت [قال: ] قال أبو ذر:
خرجنا من قومنا غفار – وكانوا يحلون الشهر الحرام – أنا وأخي أنيس وأمّنا، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثى عليه ما قيل له، فقلت له: أما ما مضى من معروفك؛ فقد كدرته، ولا جماع لنا فيما بعد.
قال: فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه، وجعل يبكي.
قال: فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة (مكة)، قال: فنافر أنيس [رجلاً] عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخيّر أنيساً، فأتانا بصرمتنا ومثلها.
وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين.
قال: قلت: لمن؟ قال: لله. قال: فأين توجه؟ قال: حيث وجهني الله. قال: وأصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل أُلقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.
قال: فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني حتى آتيك.
قال: فانطلق فراث عليّ، ثم أتاني، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلاً يزعم أن الله عز وجل أرسله على دينك. قال: فقلت: ما يقول الناس له؟ قال: يقولون: إنه شاعر وساحر [وكاهن]. وكان أنيس شاعراً.
قال: فقال: قد سمعت قول الكاهن، فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فوالله؛ ما يلتئم لسان أحد أنه شعر، والله ؛ إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: فقلت له: هل أنت كافيّ حتى أنطلق فانظر؟ قال: نعم، وكن من أهل (مكة) على حذر؛ فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا له.
قال: فانطلقت حتى قدمت (مكة)، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الرجل الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلي. [قال: الصابئ. قال: ] فمال أهل الوادي عليّ بكل مدَرَةٍ وعظم، حتى خررت مغشياً عليّ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نُصُب أحمر.
فأتيت زمزم فشربت من مائها، وغسلت عني الدم، ودخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت به ابن أخي! ثلاثين من بين يوم وليلة، وما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سُخفة جوع.
قال: فبينا أهل (مكة) في ليلة قمراء إضحيان، فضرب الله على أصمخة أهل (مكة)، فما يطوف بالبيت غير امرأتين، فأتتا عليّ وهما تدعوان (إساف) و(ونائلة)، فقلت: أنكحوا أحدهما الآخر! فما ثناهما ذلك، قال: فأتتا عليّ، فقلت: وهنّ مثل الخشبة. غير أني لم أُكن.
قال: فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا!
قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل، فقال: ((ما لكما؟)). فقالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ((ما قال لكما؟)). قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم!
قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر، فطاف بالبيت، ثم صلى.
قال: فاتيته، فكنت أول من حياه بتحية أهل الإسلام، فقال:
((عليك السلام ورحمة الله، ممن أنت؟)).
قال: قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضعها على جبهته. قال: فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. قال: فأردت أن آخذ بيده، فقدعني صاحب، وكان أعلم به مني، قال:
((متى كنت ههنا؟)).
قال: قلت: كنت ههنا منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال:
((فمن كان يطعمك؟)).
قلت: ما كان إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((إنها مباركة، وإنها طعام طُعم)).
قال: فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله! في طعامه الليلة. قال: ففعل.
قال: فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ، [وانطلق أبو بكر]، وانطلقت معهما، حتى فتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. قال: فكان ذلك أول طعام أكلته بها، فلبثت ما لبثت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إني قد وجّهت إلى أرض ذات نخل، ولا أحسبها إلا (يثرب) فهل أنت مبلغ عني قومك؛ لعل الله عز وجل ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟)).
قال: فانطلقت حتى أتيت أخي أنيساً، قال: فقال لي: ما صنعت؟ قال: قلت: إني صنعتُ أني أسلمتُ وصدّقت. قال: قال: فما لي رغبة عن دينك؛ فإني قد أسلمت وصدقت.
ثم أتينا أمنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما؛ فإني قد أسلمت وصدّقت.
فتحملنا حتى أتينا قومنا (غفاراً) ، فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة)، وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة، وكان سيدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة)، فأسلم بقيتهم.
قال: وجاءت (أسلم)، فقالوا: يا رسول الله! إخواننا؛ نسَلّم على الذي أسلموا عليه. فأسلموا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( (غفار) غفر الله لها، و(أسلم) سالمها الله)).
ورواه مسلم نحوه، وقد روى قصة إسلامه على وجه آخر، وفيه زيادات غريبة. فالله أعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق