بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة في القواعد الأصولية على
كتاب ابن اللحام
تعريف القاعدة الأصولية:
اصطلاحاً: مسائل كلية أصولية
تبنى عليها فروع فقهية.
- هي: النتائج التي استخلصت بعد التحرير من الخلاف التي وقع
فيها، ثم تبني على هذه القواعد مسائل فقهية تسمى بالفروع
* تسمى هذه القواعد أيضاً: تخريج الفروع
على الأصول .
* غاية هذا الفن: ذكر الفروع .
*الفرق بين القواعد
الأصولية والقواعد الفقهية:
تشتركان في الأمور التالية:
1-
أن كلاً منهما تندرج
تحتها جزئيات كثيرة.
2-
أن كلاً منهما تبني
عليها فروع فقهية.
وتفترقان في أمور:
1-
أن القواعد الأصولية
استخلصت من أصول الفقه. أما القواعد الفقهية فهي أحكام فقهية أصلاً.
2-
أن بناء الفروع في
القواعد الفقهية أقرب منها في القواعد الأصولية.
3-
أن الإحتجاج بالقواعد
الأصولية أقوى من الإحتجاج من القواعد الفقهية.
أمثلة على القواعد الأصولية:
1-
الناسي غير مكلف.
2-
الزيادة على النص ليست
نسخاً.
3-
خبر الواحد لا يعمل فيما تعم به البلوى.
4- الأمر بعد الحظر يقتضي الوجوب.
5-
مفهوم المخالفة حجة.
أمثلة على القواعد الفقهية:
1-
صلاة المأموم تتبع
صلاة الإمام .
2-
ما غيّر الفرض في أوله
غيره في آخره.
3-
شعر الحيوان في حكم المنفصل لا في حكم المتصل.
4-
النماء المتولّد من العين حكمه حكم الجزء، والمنفصل على العكس.
الفائدة من دراسة القواعد الأصولية:
1-
ربط الصلة بين الفقه
وأصول الفقه.
2-
اكتساب للملكة
الأصولية والفقهية للطالب.
3-
إلحاق المسائل المستجدّة
بالقاعدة الأصولية لبيان شرع الله فيها.
4-
الوقوف على سبب مهم من
أسباب الخلاف بين الفقهاء.
5-
اعتبارها أحد مراجع
الفقه المقارن.
6-
الإستعانة بها في
الترجيح في كثير من المسائل الفقهية المختلفة.
7-
كسب طالب العلم فهماً
دقيقاً في الدراسة والتمحيص .
8-
ضبط كثير من الفروع الفقهية،
وربط المتناثر منها بالقواعد الأصولية.
9-
تمييز الفتاوى المبنية
على الأصول الصحيحة من غيرها، والتفريق بين القوية منه والضعيفة.
نشأة هذا العلم :
كان مرتبطاً بنشأة الفقه المقارن، والمناظرات التي تحدث بين
الفقهاء، وظهر بعد ما نضج علمي الفقه والأصول، فهو مزيج بينهما.
نشأ بعد منتصف القرن الرابع والخامس وفي أواخر القرن
السادس، وتسمى هذه الفترة بفترة النضوج الفقهي، حيث أن أتباع المذاهب أصبحوا
ينتصرون لمذاهبهم بتقرير القواعد وتحريرها.
أسباب نشأة هذا الفن:
1-
الترف الفقهي: أي كثرة
الكتب المؤلفة في كل مذهب. 2- الرغبة في
تأييد المذهب ونصرته بضبط فروعه المتناثرة .
التأليف في هذا العلم:
1-
تأسيس النظائر لأبي
الليث السمرقندي. وهو أول ما كُتب في هذا العلم.
2-
تأسيس النظر لأبي زيد
الدبوسي. وهو أقدم كتاب موثّق.
- أن مؤلفه هو أول من أظهر علم الجدل
والمناظرة، غير أنه قوي الإستدلال على خصومه.
- اشتمل على قواعد
فقهية غالباً أكثر من القواعد الأصولية.
3-
تخريج الفروع على
الأصول،
لشهاب الدين أبي المناقب محمود بن أحمد الزنجاني ت 656هـ.
-
أغلب مسائله أصولية.
- رتب كتابه على الأبواب
الفقهية، ولم يسبق إليه، لكنه لم يلتزم بهذا الترتيب.
-
يعتني بتقرير قواعد المذهب الشافعي.
4-
التمهيد في تخريج
الفروع على الأصول، لجمال الدين أبو محمد عبد الرحيم الإسنوي.
-
المؤلف له عناية بأصول
الفقه الشافعي.
-
له عناية بالتأليف في
القواعد الأصولية حيث ألف كتاباً آخر وسماه (الكوكب الدري في تخريج القواعد
الأصولية من القواعد النحوي).
-
اهتم بذكر قواعد
المذهب الشافعي وفروعه.
-
ذكر 188 مسألة في
كتابه، وأكثرها تدور في مسألة الطلاق وألفاظه.
5-
مفتاح الوصول إلى
الفروع على الأصول، للشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد التلمساني
المالكي.
-
عُدّ من كتب القواعد
الأصولية مع أنه كتاب أصول فقه على المذهب المالكي: لكثرة الفروع الفقهية
المذكورة.
-
اعتنى الكتاب بذكر
الخلاف بين المذاهب الثلاثة.
6-
القواعد الأصولية ، لأبي
الحسن علي بن أحمد بن علي ابن اللحام.
-
رتب كتابه على ترتيب
كتاب الأصول.
-
احتوى على 66 قاعدة،
على المذهب الحنبلي.
7-
الوصول إلى قواعد
الأصول
، محمد بن عبد الله الخطيب الدمرداشي الحنفي.
نسبة إلى بلدة قريبة من خوارزم، توفي عام 1004 هـ وقيل:
1007 هـ.
-
ألفه استجابة لدعوة
الأسنوي.
8-
أثر الإختلاف في
القواعد الأصولية على الفروع الفقهية، لمصطفى بن سعيد
الخنى.
9-
أثر الأدلة المختلفة
فيها في الفقه الإسلامي، لمصطفى الدين البغا.
قاعدة ( مالا يتم الواجب إلا به )
-
للناس في ضبطه طريقان:
1- أنه ينقسم إلى: 1) غير مقدور كالقدرة والأعضاء ، وإلى
فعل غيره كالإمام والعدد في الجمعة، فلا يكون واجباً.
2) وإلى ما يكون مقدوراً له: كالطهارة، وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر،
فيكون واجباً.
- وهذا ضعيف
في القسم الأول، إذ لا واجب هناك، وفي
الثاني: باطل باكتساب المال في الحج والكفارات ونحو ذلك.
2- أن ما لا يتم الواجب إلا به: ليس بواجب كالمال في الحج
والكفارات.
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقاً.
1) قال أبو البركات: وهي أصح، وسواء كان (شرطاً) وهو
ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
أو
(سبباً) وهو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
2) وقال بعض الأصوليين : يكون أمراً بالسبب دون الشرط.
3) وقال بعضهم: لا يكون أمراً بواحد منهما. بل إن كان شرطاً
شرعياً وجب، وإن كان عقلياً عادياً فلا.
من فروع القاعدة:
1-
هل يجب على الصائم
إمساك جزء من الليل أم لا ؟
في المسألة قولان:
1) قال ابن الجوزي : أصحهما لا
يجب. 2) وقطع جماعة بوجوبه.
2-
إذا اشتبهت زوجته
بأجنبية، فيجب عليه الكف عن الجميع.
ومثله: لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات بعشر، فهل
له أن ينكح واحدة منهن أم لا ؟ في المسألة وجهان:
1)
الجواز كالقبيلة
الكبيرة. 2) المنع لدون العشر.
وحيث قلنا بالجواز. فهل يلزمه التحري أم لا ؟
في المسألة وجهان: قال بعضهم: يتوجه هذه المسألة في اشتباه
الميتة بالمذكاة.
قال الإمام أحمد: أما شاتان، فلا يجوز، فأما إذا كثر: فهذا غير هذا.
3-
إذا اشتبه الماء
الطاهر بالنجس، فهل يجوز له التحري أم لا ؟
إن كان النجس مساوياً للطاهر، أو أكثر: فلا
يجوز له التحري، ويجب عليه الكف عنه، بلا خلاف.
-
وإن كثر عدد الطاهر: فهل يجوز له التحرّي أم لا ؟
1) المذهب : عدم الجواز، 2) ولنا: رواية بالجواز.
- وهل
يكتفي بطلق الزيادة، أو يعتبر ذلك بعشرة أوان طاهرة، منها واحد نجس، أو عشرة طاهرة
وواحد نجس، وبما هو كثير عادة ؟ فيه أقوال.
4-
الأكل من مال من في
ماله حرام، هل يجوز أم لا ؟
في المسألة أربعة أقوال:
1)
التحريم مطلقاً،
وعلل القاضي: وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هناك، لاختلاط الأموال،
لأخذهم المال من غير جهته، ووضعه في غير حقه.
قال الأزجي: هذا قياس المذهب.
وسأل المروزي أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده
؟ قال: لا ، قد لعن رسول الله e آكل الربا وموكله، وقد أمر النبي e بالوقوف عند الشبهة.
2)
إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل، وإلا فلا،
لأن الثلث ضابط في مواضع.
3)
إن كان الأكثر حرام
حرم، وإلا فلا، إقامة للأكثر مقام الكل .
4)
عدم التحريم مطلقاً،
قلّ الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته.
5-
لو نسي صلاة من خمس، فهل
يلزمه قضاء الخمس أم لا ؟
1)
المذهب: لزوم قضاء
الخمس، وينوي بكل واحدة الفرض.
2)
وعنه: يلزم مغرب وفجر
ورباعية، بناء على أن نية التعيين لا تشترط.
6-
الحائض أو النفساء إذا ظنت
نسيان القرآن: وجب عليها درسه، لأن استدامة حفظ القرآن واجب، وما لا يتم الواجب
إلا به فهو واجب، فيباح مع المانع كالقراءة في الصلاة. والمذهب: تحريم القراءة عليها.
قاعدة: ( الأمر المطلق لا يتناول المكروه )
1) عند أصحابنا ، والشافعية . 2) وقال الرازي الحنفي: يتناوله .
فعلى الأول: لا يستدل لصحة طواف الحائض بقوله تعالى: {
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، ولا بآية الوضوء . على أن الترتيب لا
يجب إذا قدّرنا أنه لا دلالة فيها للتنافي. إذ المأمور به مطلوب إيجاده . والمنهي
عنه مطلوب إعدامه .
وكلام الأصحاب صريح بأن المراد بالمكروه هنا: كراهة التنْزيه.
فيكون التحريم أولى.
وإن كان المراد كراهة التنـزيه: فيبقى ذلك مشكلا في الصلاة
وغيرها .
فإن مقتضى هذه القاعدة: أن كل عبادة مكروهة لا تصح،
كالصلاة إلى المتحدث والنائم ، واستقباله صورة، وكصلاة الحاقن ، وكالصلاة المشتملة
على التخصر والسدل، والالتفات، ونحو ذلك من المكروهات في الصلاة، وغيرها من
العبادات .
والمذهب: الصحة في الجميع ، وإن كان في بعض الصور
خلاف في المذهب .
والظاهر لما رأى ابن الزاغوني
هذا الإشكال قال: إن معنى المكروه هنا عند أصحابنا: المحرم، وليس مرادهم
كراهة التنزيه .
قاعدة: ( الكلام )
ونحوه ، كالقول )
1) الكلمة عندنا: تطلق على الحروف المسموعة حقيقة . وتطلق
على مدلول ذلك مجازاً .
ونقل
عن المحققين : أنه مشترك بينهما . واقتصر عليه .
2) وقال بعض المتكلمين ( الكلام ) حقيقة في مدلوله مجاز في
لفظه.
3) وقيل : هو مشترك بينهما . والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعري .
من فروع القاعدة :
- اختلاف أصحابنا في قوله e: ( فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد شاتمه أو
قاتله فليقل : إني صائم ) هل يقول ذلك بلسانه أو بقلبه ؟ في المسألة ثلاثة أوجه
لنا:
1- يقوله مع نفسه ـ يعني يزجرها ـ ولا يطلع الناس للرياء .
2- يجهر به مطلقاً، لأن القول المطلق باللسان . يؤيد ما
قاله: أنه لو حلف إنسان أن لا يتكلم، أو لا يقرأ، أو لا يذكر: فإنه لا يحنث إلا
بما تكلم بلسانه، دون ما يجري على قلبه .
قاعدة: ( القراءة الشاذة )، كقراءة ابن مسعود في كفارة اليمين
(فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، هل هي حجة أم لا ؟
1) مذهبنا ومذهب أبي حنيفة : أنها حجة يحتج بها . وذكره ابن
عبد البر إجماعاً .
2) حكي رواية عن أحمد أنه لا يحتج بها . ونقل عن الشافعي t
.
وجزم به النووي وغيره. ذكر ذلك في الكلام على قوله e: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ).
- وما حكاه هؤلاء: خلاف مذهب الشافعي، وخلاف قول جمهور
أصحابه .
فقد نص الشافعي على أنها حجة . وجزم به أيضاً أكثر من واحد.
والذي وقع للإمام فقلده فيه النووي مستنده : عدم إيجاب
الشافعي التتابع في الصيام في كفارة اليمين، مع قراءة ابن مسعود السابقة . وهو منع
عجيب . فإن عدم الإيجاب يجوز أن يكون لعدم
ثبوت ذلك عند الشافعي، أو لقيام معارض راجح .
من فروع القاعدة :
- هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أم لا ؟
المذهب المنصوص عن الإمام أحمد : الوجوب . وعنه رواية أخرى
: لا يجب .
قاعدة: ( الأمر المجرد عن قرينة ) : هل يقتضي الوجوب أم
لا ؟
في المسألة مذاهب :
1) أنه يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة تصرفه إلى
غيره . نص عليه الإمام أحمد t في موضع، وهو الحق . وبه قال عامة المالكية ،
وجمهور الفقهاء. وقيل: إنه مذهب الشافعي .
- لكن هل يدل على الوجوب بوضع اللغة ، أم بالشرع ؟
فيه مذهبان :
1- هو
كونه بالوضع نقل عن الشافعي، 2- ثم اختار هو أنه بالشرع . وقيل: 3- أنه يدل بالعقل .
2) أنه حقيقة في الندب
. وحكاه قولاً للشافعي . ولبعض الشافعية . وعن المعتزلة .
3) أنه حقيقة في الإباحة ، لأنه المحقق . والأصل:
عدم الطلب .
4) أنه مشترك بين الوجوب والندب.
5) أنه مشترك بين هذين وبين الإرشاد . ونقل عن الشيعة .
6) أنه حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب. وهو
الطلب . والشافعي نص على أن الأمر متردد بين الوجوب والندب. وهذا محتمل لهذا
المذهب. والمذهب الرابع .
7) أنه حقيقة: إما في الوجوب، وإما في الندب. ولكن لم يتعين
لنا ذلك .
حكي عن الغزالي. وليس كذلك.
قال الغزالي: وظاهر الأمر للوجوب . وما عداه : فالصيغة
مستعارة فيه . هذا لفظه .
8) أنه مشترك بين الوجوب والندب والإباحة .
9) أنه مشترك بين الثلاثة المذكورة، ولكن بالاشتراك المعنوي
، وهو الإذن .
10) أنه مشترك بين خمسة. وهي الثلاثة التي ذكرناها .
والإرشاد والتهديد .
11) أنه مشترك بين الأحكام الخمسة : الوجوب ، والندب ،
والإباحة ، والتحريم ، والكراهة . حكاه بعضهم ونسب إلى الأشعري .
12) أنه موضوع لواحد من هذه الخمسة ، ولا نعلمه. ونسب إلى
الأشعري .
- فإن قيل : كيف يستعمل لفظ ( الأمر ) في
التحريم أو الكراهة ؟.
قيل : لأنه يستعمل في
التهديد . والمهدد عليه : إما حرام ، أو مكروه .
13) أنه مشترك بين ستة أشياء . وهي : الوجوب ، والندب ،
والتهديد ، والتعجيز ، والإباحة ، والتكوين . وحكي عن الأشعري.
ونسب إلى الأشعري مذاهب أخرى غير ما تقدم . ولكن اتفق جمهور
الأشعرية على أن مذهبه: التوقف بين أمور . ويعبر عنه أيضاً بأن الأمر ليست له صيغة
تخصه .
14) أن أمر الله للوجوب ، وأمر رسول الله e
للندب .
15) أن أمر الشارع للوجوب دون غيره . وبنى عليه : من أخّر
دفع مال أمر بدفعه بلا عذر . قال: لا يضمن بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع .
قاعدة: إذا فرعنا على
أن الأمر المجرد للوجوب، فورد بعد حظر، فماذا يقتضي ؟
في المسألة مذاهب :
1) أنه يقتضي الإباحة . هذا قول جمهور أصحابنا . نص
عليه الشافعي، ونقل عن أكثر الفقهاء والمتكلمين.
2) ذكره القاضي الحسين من الشافعية: أنه للاستحباب .
3) أنه يقتضي الوجوب. كما لو لم يتقدمه حظر ، ونقل
عن المعتزلة . وذكر بعضهم: أنه ظاهر قول أحمد في قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا}.
وهو قول متقدمي أصحاب مالك .
4) أن حكمه حكم ما كان قبل الحظر . فإن كان مباحاً: كان
مباحاً، وإن كان واجباً أو مستحباً: كان كذلك ، وهو المعروف عن السلف والأئمة.
5) إن كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه. كما لو قال: أمرتكم
بالصيد إذا حللتم: فيقتضي الوجوب، بخلاف صيغة ( أفْعَلْ ) حكاه أبو محمد المقدسي
وهو يقتضي التسوية عنده . قال أبو البركات: وعندي: أن هذا التفصيل : هو كل المذهب
.
وللقاضي أبي بكر في الأمر بعد الحظر تفصيل حسن وهو : إن كان
الحظر السابق على الأمر حظر ابتداءٍ لا لعلة عارضة، فالأمر هنا: كالأمر المبتدأ
الذي لم يسبقه حظر أصلاً . وإن كان الحظر لعلة عارضة، بعد تقدم إطلاقه وإباحته.
فالأظهر: حمل الأمر على الإذن، ورفع الحظر. وعليه تنزل أوامر القرآن .
ومحل الخلاف في الأمر بعد الحظر:
إذا كان من غير استئذان في الفعل، أما إذا استئذن في الفعل بعد الحظر: فلا يقتضي
الوجوب بغير خلاف.
فروع القاعدة:
1- الأمر
بزيارة القبور للرجال، 1) عن الخرقي: أنها مباحة، لأن الأمر بزيارتها أمر
بعد حظر، فيقتضي الإباحة بناء على القاعدة
2) المذهب عن أحمد: أنها مستحبة، وذكره
بعضهم إجماعاً، لأنه وإن كان بعد حظر لكنه علله e بتذكر الموت والآخرة، وذلك أمر مطلوب شرعاً.
قال أبو البركات وغيره: وتجوز زيارة قبر
الكافر، وقُيّد ذلك للإعتبار، ولم يصرّح أحد باستحبابها ولو للإعتبار.
2- لا
يجب على الزوج أن يخرج مع امرأته إلى الحج 1) في أصح الروايتين عن أحمد، لأنه وإن
كان قد جاء الأمر به لكنه أمر بعد حظر، لأن المأمور كان قد اكتتب في غزاة، فتعين
عليه، ثم لما أمره النبي e بالخروج مع امرأته صار أمراً بعد حظر.
2) والرواية الأخرى: يجب عليه الخروج أخذاً بظاهر الأمر،
وهذا فيه نظر،
وإن قيل باستحبابه، فلما فيه من الإعانة على العبادة وهو
مطلوب شرعاً.
3- الأمر بقبول الحوالة على المليء في قوله e: (مطل الغني ظلم، وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع).
قال طائفة: إنه أمر بعد حظر، لأن ذلك بيع دَين بدين، وذلك
لا يجوز، وهذا فيه نظر. فإن الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع، ولهذا
ذكر النبي e الحوالة في معرض الوفاء، فأمر المدين بالوفاء ونهاه عن المطل،
وبين أنه ظلم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على المليء بشروط.
- وهل تبرأ ذمة المحيل على المليء قبل أن يجبره
الحاكم على قبول الحوالة ؟ في المسألة روايتان.
4- الأمر بالكتابة في قوله تعالى: { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }.
قال طائفة: هو أمر بعد حظر، لأن الكتابة بيع الرجل ماله
بماله، فإن العبد ماله، وكسبه من ماله، فبيع بعضه ببعض أكل مال بالباطل، فيد خل في
النهي عن أكل المال بالباطل، وإذا كانت الكتابة محظورة في الأصل، فالأمر بها بعد ذلك
أمر بعد حظر، فلا يفيد الوجوب، لكن يستحب كتابة ذي الكسب والأمانة، وإن قلنا الأمر
بعد الحظر للإباحة، لما في ذلك من تحرير الرقبة، وذلك مطلوب شرعاً.
5- أمره النبي e بالنظر إلى المخطوبة: هو أمر بعد حظر، فيقتضي الإباحة،
1) وهذا أحد الوجهين لأصحابنا، وهو إباحة النظر، لا
استحبابه.
2) الوجه الثاني: وجزم به جماعة: استحباب النظر إلى
المخطوبة، لأنه وإن كان أمراً بعد حظر، لكنه معلل بعلة تدل على أنه أريد بالأمر
بعد الندب، وهي قوله e : (فهو أحرى أن يؤدم بينكما).
قاعدة : إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب، فوجد أمر بعد
استئذان: فإنه لا يقتضي الوجوب بل الإباحة.
-
إطلاق جماعة: ظاهره
يقتضي الوجوب، والأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال تعليمه: شبيه في المعنى بالأمر بعد
الإستئذان.
-
إذا تقرر هذا فلا
يستقيم القول بالإباحة في الإستدلال على نقض الوضوء بلحم الإبل بقوله e (لما سُئل عن التوضيء من لحوم الإبل ؟ فقال: نعم، فتوضأ من لحوم
الإبل) .
-
ومما يقوي الإشكال: أن
في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم، وهو بعد سؤال، ولا يجب بلا خلاف، بل
يستحب.
-
فإن قلت: إذا كان
كذلك، فلم يستحبون الوضوء منه ؟ والإستحباب حكم شرعي يفتقر إلى دليل،
وعندكم هذا الأمر يقتضي الإباحة .
-
قلت: إذا قيل
باستحبابه فلدليل غير هذا الأمر، وهو أن الأكل من لحوم الإبل يورث قوة نارية،
فناسب أن تطفأ بالماء، كالوضوء عند الغضب، ولو كان الوضوء من لحوم الإبل واجباً
على الأمة، وكلهم كانوا يأكلون لحم الإبل، لم يوقف بيان وجوبه حتى يسأله سائل
فيحيبه.
-
فعلم أنه مقصوده: لأن
الوضوء من لحومها مشروع، وهو حق.
-
وقد يقال:
الحديث إنما ذكر فيه بيان وجوب ما يتوضأ منه، بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم
الغنم ؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ" مع أن التوضيء من لحوم
الغنم مباح، فلما خيّر في لحوم الغنم، وأمر بالوضوء من لحوم الإبل: دل على أن
الأمر ليس هو لمجرد الإذن، بل للطلب الجازم.
-
وأما الأمر بماهية
مخصوصة بعد سؤال التعليم: فإنه لا يقتضي الوجوب، على ما سبق في إلحاقه الأمر بعد
الإستئذان، وحينئذٍ فلا يستقيم استدلال أصحابنا على وجوب الصلاة على النبي e في التشهد الأخير، نعم إنه ثبت الوجوب من خارج، فكيف يكون الأمر
للوجوب لأنه بيان لكيفية واجبة.
قاعدة ( الأمر إذا ورد مقيداً بالمرة أو التكرار حُمل عليه،
ولم أر فيه خلافاً،
وإن كان مطلقاً لم يقيد بشيء، فما يقتضي ؟
في ذلك مذاهب:
1)
مذهب أحمد وأصحابه:
أنه يقتضي التكرار، لكن بحسب الطاقة والإمكان.
-
وبالغ القاضي في ذلك،
حتى منع حسن الإستفهام عن التكرار ثم سلمه.
-
قلت: وفي منعه
نظر، إذ قد ثبت في السنة الصحيحة: قد يستفهم عما في الظاهر دخوله، كأفراد العام.
2)
لا يقتضي التكرار، ولا
يدل على المرة ولا على التكرار، بل يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة،
إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة، فصارت المرة
من ضروريات الإتيان بالمأمور به.
-
مذهب أحمد: أن الأمر لا يقتضي التكرار إلا بقرينة، ولم يفرق بين مطلق، ومعلّق
بشرط، لكن قد يكون التعليق عنده قرينة.
3)
أنه يدل على المرة.
وهو قول أكثر أصحاب الشافعي، ومقتضى قوله.
4)
التوقّف . وعلى هذا
قولان:
1-
التوقف لكونه مشتركاً
بين المرة والتكرار. 2- أنه لأحدهما
ولا نعرفه.
-
إمام الحرمين فسّر
التوقف، فيما زاد على المرة الواحدة، وقال: لست أنفيه ولا أثبته.
قاعدة ( الأمر بالشيء نهي عن أضداده، والنهي عنه أمر بأحد
أضداده من طريق المعنى دون اللفظ)
1)
في قول أصحاب الأئمة.
2)
وقال الأشعرية: من
طريق اللفظ، بناء على أصلهم: أن الأمر والنهي لا صيغة لهما.
-
وزيّف الجويني قول أصحابه بأن المعنى القائم في النفس المعبّر عنه بـ(افعل) مغاير
المعنى القائم في النفس المعبّر عنه بـ(لا تفعل) .
3)
قال طوائف من المعتزلة
وبعض الشافعية: لا يكون منهياً عن أضداده، لا لفظاً ولا معنى،
-
بناء على أصل المعتزلة:
في اعتبار إرادة الناهي والآمر، وبناء على قول بعض الشافعية: أن ما لا يتم الواجب
إلا به غير واجب
* ويشترط في كون الأمر بالشيء نهي عن ضده: أن يكون
الواجب مقرراً.
- إذا قلنا: الأمر بالشيء نهي عن ضده، فهل يعم
الواجب والندب، أم يختص الواجب ؟
في المسألة قولان: وأصحهما: أنه لا فرق.
فروع القاعدة:
1-
إذا قال لزوجته: إن
خالفت أمري فأنت طالق، ولا نية، ثم نهاها فخالفته، لأصحابنا ثلاثة أوجه:
1)
تطلق، لأن
النهي عن الشيء أمر بضده، فإذا خالفته وفعلت المنهي عنه، فقد تركت مشروع المأمور
به.
2)
لا تطلق، تمسّكاً
بصريح لفظه، فإنه إنما علق طلاقها على مخالفتها أمره، وهي إنما خالفت نهيه، فالنهي
عن الشيء ليس أمراً بضده.
3)
إن كان الحالف عارفاً
بحقيقة الأمر والنهي: لم يحنث، وإلا حنث، ولعل هذا أقرب.
2-
النزاع في وجوب النكاح: إذا قلنا
بذلك: فالمكلف منهي عن ترك الزنا، فيكون مأموراً بضده، وهو النكاح، والأمر يقتضي
الوجوب، فيكون النكاح واجباً.
-
ونازعه الطوفي، وقال:
هذا ترجيح ضعيف، لأن التحقيق أن الشيء إذا كان له أضداد، فالنهي عنه أمر بأحد
أضداده، والزنا ليس ينحصر ضده في النكاح، بل ليس ضداً له أصلاً، إنما ضد الزنا
تركه، لكن تركه قد يكون بالنكاح، وقد يكون بالتسري، وقد يكون بالإستعفاف مع
العزوبة، فلا يتعين بالنكاح للتلبس،
بل يلزم مقابل ذلك: أن يكون المكلف المنهي عن الزنا مأموراً
بالنكاح أو التسري، على التخيير لأن ترك الزنا يحصل بكل واحد منهما، فيصير من باب
الواجب المخير، فإذا قال بذلك صح له التخريج المذكور، لكن التسري لم نعلم أحداً
قال بوجوبه، تعييناً ولا تخييراً.
-
قلت: هذا الذي
قاله الطوفي متجه فيما إذا كان المكلف لا شهوة له، أو له شهوة ويأمن على نفسه
مواقعة الزنا،
أما إذا كان له شهوة وخاف على نفسه الوقوع في
الزنا فإن الوطء المباح يتعين دون بقية الأضداد، إذ ليس غيره يقوم مقامه في كسر
الشهوة.
-
وأما قوله: (إنا لا
نعلم أحداً قال بوجوب التسري تعييناً ولا تخييراً)، فلم يطلع على ما قاله الأصحاب،
-
وقد ذكر غير واحد: إذا
قلنا بوجوب النكاح، ففي الإكتفاء بالتسري وجهان لنا: والذي يظهر: الإكتفاء به.
قاعدة النهي صيغة (لا
تفعل) من الأعلى للأدنى، إذا تجردت عن قرينة فهي نهي.
وهل يشترط العلو والإستعلاء أو لا يشترطان ؟ وإطلاق النهي ماذا
يقتضي ؟
في المسألة مذاهب:
1)
الأصل في إطلاقه: التحريم،
نص عليه الشافعي، واختاره أصحابه وهو الحق.
2)
كراهة التنْزيه، وبالغ
الشافعي في إنكار ذلك.
3)
الإباحة.
4)
التوقف.
5)
أنه للقدر المشترك بين
التحريم والكراهة، وهو مطلق الترك.
-
والفرق بينه وبين القول بالكراهة:
أن جواز الفعل هنا مستفاد من الأصل، وفيما إذا جُعل
للكراهة: يكون جواز الفعل مستفاداً من اللفظ.
6)
بين التحريم والكراهة.
7)
أنه لأحدهما، لا بعينه،
قال بعضهم: فيكون محمولاً على هذا القول والقول الذي قبله.
-
وقد يقال على هذين القولين: يرجع إلى القول بالتحريم، لأن ترك الحرام واجب، وهذا
اللفظ مشترك بين الحرام وغيره، فيجب الكف، لأنه من باب ( ما لا يتم الواجب إلا به
) .
فوائد أصولية
1-
قال الإمام أحمد: ما
أمر به النبي e عندي، أسهل مما نهى عنه.
-
قال أبو الخطاب: هذا
يدل على أن إطلاق الأمر يقتضي الندب. وهذا احتمال استبعده أبو البركات لمخالفته
منصوصاته.
- قال أبو البركات: ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد:
أنه أسهل، بمعنى أن جماعة من الفقهاء: فرقوا بأن الأمر للندب، والنهي للتحريم،
والنهي للدوام، والأمر لا يقتضي التكرار.
هل تبطل الصلاة بفعل
الإمام منهياً عنه طرأ عليه كالكلام ونحوه ؟ على روايتين:
1)
تبطل كما تبطل بترك
ركن. 2) لا تبطل.
قال: لأن فعل المنهي عنه أخف من ترك المأمور به، ألا ترى أن
ترك القراءة في الصلاة يبطلها ؟
-
واختلف قوله في الكلام
ساهياً: هل يبطل صلاة المتكلم، وإذا سبقه الحدث: هل يستقبل الصلاة
أم يبني ؟
وإذا كبر دون الصف جاهلاً بذلك عفى عنه، وكان المنهي عنه
أخف من ترك المأمور به.
2-
إذا قيل: الأمر يقتضي التكرار، فالنهي أولى، وإن قيل: لا يقتضيه الأمر، فالمشهور:
أن النهي يقتضيه.
3-
إذا قال: لا تفعل هذا
مرة، 1) قال القاضي: يقتضي الكف مرة، فإذا ترك مرة سقط، 2) وقال غيره: يقتضي تكرار
الترك.
4-
صيغة النهي بعد سابقة الوجوب،
إذا قلنا: إن صيغة الأمر بعد الحصر للإباحة ؟ فيه وجهان:
1)
أنه يقيد التنْزيه دون
التحريم. 2) التحريم، 3)
وقيل: الإباحة.
-
إطلاق النهي: هل
يدل على الفساد أم لا ؟ في ذلك مذاهب:
1)
أنه يدل على الفساد
مطلقاً. قال الخطابي: ظاهر النهي يوجب فساد المنهي عنه، إلا أن تقوم دلالة على
خلافه.
2)
لا يدل عليه مطلقاً،
نقل عن أكثر الفقهاء والمحققين.
3)
يدل عليه في العبادات
والمعاملات، وهو المختار.
4)
أنه يدل مطلقاً في
العبادات، وفي المعاملات، إلا إذا رجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم له، بل ينفك
عنه، كالنهي عن البيع يوم الجمعة وقت النداء، فإن النهي إنما هو لخوف تفويت
الصلاة، لا لخصوص البيع، إذ الأعمال كلها كذلك، والتفويت غير لازم لماهية البيع.
-
وحيث قلنا: 1- يدل على
الفساد، فقيل: يدل من جهة اللغة،
والصحيح عند بعضهم: أنه
لا يدل إلا من جهة الشرع.
-
وإذا قلنا: 2- النهي
لا يدل على الفساد، فبالغ بعضهم وقال: يدل على الصحة، واختاره الغزالي ثم قال: إنه
فاسد.
فائدة
-
إذا قام دليل على أن
النهي ليس للفساد: لم يكن مجازاً، لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه، وإنما انتقل عن
بعض موجبه، فصار كالعموم الذي خرج بعضه، فإنه يبقى حقيقة فيما بقي.
-
كذلك إذا قامت الدلالة
على نقله عن التحريم، فإنه يبقى نهياً حقيقة عن التنْزيه.
كما إذا قامت دلالة الأمر على أنه ليس على الوجوب.
-
التفريع على دلالة
النهي عنه كثيرة: في العبادات والمعاملات وغيرهما.
قاعدة ( المفرد المحلى بالألف واللام يقتضي العموم إذا لم تكن
هناك قرينة عهد )
قد نص عليه أحمد والشافعي وغيرهم.
- وإن كان هناك معهود: انصرف إليه. قلت: وسواء كان المعهود
عرفياً أو شرعياً.
من فروع القاعدة:
-
دعوى أن الأصل جواز
البيع في كل ما ينتفع به، ولم ينه عنه عملاً، بقوله تعالى: { وأحل الله البيع }
حتى يستدل به مثلاً على جواز بيع لبن الآدميات ونحوه، إن قلنا: إنه للعموم وإلا
فلا، 1) جمهور العلماء على أنه للعموم،
2) وقيل: إنه مجمل.
-
وعلى القول بالعموم: فهل
هو من العام المخصوص، أو من العام الذي أريد به الخصوص ؟ في ذلك قولان.
-
الفرق بين العام
المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص من وجهين:
1)
أن العام المطلق الذي
يجري على عمومه، وإن دخله التخصيص: ما يكون المراد باللفظ أكثر، وما ليس بمراد
باللفظ أقل.
والعام الذي
أريد به الخصوص: ما يكون المراد باللفظ أقل، وما ليس بمراد اللفظ أكثر .
2)
أن البيان فيما أريد
به الخصوص: متقدم على اللفظ، وفيما أريد به العموم: متأخر عن اللفظ، ومقترن به.
-
والمختلف فيها: مالم
يقم دليل على التخصيص على إخراجها من العموم، وكذلك الإستدلال على بطلان بيع اللحم
بالحيوان، مأكولاً أو غير مأكول، بقوله: "نهى عن بيع اللحم بالحيوان".
-
ومذهبنا في ذلك:
إن كان الحيوان مأكولاً فيحرم بيعه بلحم من جنسه، وكذا بغير جنسه، إن قيل: اللحم
جنس واحد، فإن قيل: أجناس فيجوز. ولنا قول بالمنع مطلقاً. واختار أبو العباس:
المنع فيما إذا كان من جنسه وكان الحيوان مقصود اللحم.
قاعدة ( المفرد المضاف: يعم )
قال القرافي: ينبغي أن يفصل بين اسم الجنس إذا أضيف، فإن
كان جمعاً: عم، وإن كان مفرداً: فلا.
- قلت: وحكي عن الحنفية والشافعية: أن المفرد المضاف لا
يعم.
- من فروع القاعدة:
1- إذا قال: زوجتي طالق، وعبدي حر، ولم ينو معيناً:
1) فعن أحمد: أنه تطلق جميع زوجاته، ويعتق جميع عبيده.
2) واختار المقدسي: أنه تطلق إحداهن، ويعتق أحدهم، ويخرج
بالقرعة.
2- إذا نذر ذبح ولده، وقلنا: يلزمه ذبح كبش، فكان له أولاد:
فإنه يلزمه أن يذبح عن كل واحد كبشاً.
3- إذا أوصى لحمل امرأة، فولدت ذكراً أو أنثى: فهما سواء.
4- وهو مخالف للقاعدة: إذا قال الموصي: أوصيت لجاري محمد
بكذا، وله جاران بهذا الإسم، هل تصح الوصية أم لا ؟
في المسألة روايتان:
1)
أصحهما قول الأصحاب: لا تصح، للإبهام.
2)
تصح، ويعطي هو الورثة واحداً، وهل هو بقرعتهم، أو بتعيينهم ؟ في المسألة وجهان:
ومقتضى
القاعدة: أنه يصرف إليهما جميعاً على السواء، ولم يقل بواحد.
قاعدة "النكرة في سياق النفي: تعم " سواء باشرها
النافي، نحو: ما أحد قائم، أو باشرها عاملها، نحو: ما قام أحد، وسواء كان النافي،
نحو: "ما، أو لم، أو لن، أو ليس،" أو غيرها.
- إن كانت النكرة صادقة على القليل والكثير (كشيء)، أو
ملازمة للنفي نحو: (أحد) وكذا صيغة (بُد) نحو: مالي عنه بُدٌّ،
أو داخلاً عليها (من)
نحو: ما جاءني من رجل ، أو واقعة بعد (لا) العاملة عمل (إن) وهي (لا) التي
لنفي الجنس. فواضح كونها للعموم .
- وما عدا ذلك. نحو: ما في الدار رجل، بدون (من) ولا رجل
قائماً، أي تنصب الخبر . فمقتضى إطلاق الأصوليين: أنها للعموم أيضاً، ولكنها ظاهرة
في العموم لا نص فيه .
- وقال الجرجاني: على أن الحرف قد يكون زائداً من حيث العمل
دون المعنى. كقولك: ما جاءني من رجل. فإن (من) هنا: تفيد العموم. ولو قلت: ما
جاءني رجل، لم يحصل العموم.
وكذلك قال الزمخشري وغيره في قوله تعالى: { ما لكم من إله
غيره } لو قال: مالكم إله غيره، بحذف (من) لم يحصل العموم .
- قال القرافي : وهذا يقتضي أن هذه الصيغ الخاصة كلها إذا
كانت في سياق النفي لا تفيد العموم، وإنما تفيد النكرات العامة . نحو (أحد) و
(شيء) فإذا قلت: ما جاءني أحد، حصل العموم . وإذا قلت: ما جاءني من أحد، كانت
مؤكدة للعموم.
-
وإذا عمت النكرة، فهل
تعم متعلقات الفعل المنفي ؟
قال القرافي: الذي يظهر لي: أنها تعم في الفاعل والمفعول
إذا كانا متعلقا الفعل .
أما ما زاد على ذلك: فلا، نحو قولنا: ليس في الدار أحد. ولم
يأتني اليوم أحد. فإن ذلك ليس نفياً للطرفين المذكورين. وكذلك ما جاءني أحد ضاحكاً،
ليس نفياً للأحوال .
- قال القرافي: ويستثنى من أن النكرة في سياق النفي
تعم، صورتان:
1)
إذا قلت: لا رجل في
الدار –بالرفع- فإنها لا تعم، بل هي نفي للرجل بوصف الوحدة . فتقول العرب: لا رجل
في الدار، بل اثنان. فهذه نكرة في سياق النفي، وهي لا تعم إجماعاً .
2)
تسلب الحكم على العموم،
حيث وقع . كقولك: ما كل عدد زوجاً . فإن هذا ليس حكماً بالسلب على كل فرد من أفراد
العدد، وإلا لم يكن فيه زوج. وذلك باطل ، بل مقصودك إبطال قول من يقول: إن كل عدد
زوج . فقلت أنت: ما كل عدد زوجاً، أي ليست الكلية صادقة، بل بعضها ليس كذلك . فهو
سلب للحكم عن العموم، لا حكم بالسلب على العموم. فتأمل الفرق بينهما .
من فروع القاعدة:
1-
صحة الاستدلال على منع
الحائض والجنب من قراءة القرآن, ولو دون آية. بقوله e: " لا تقرأ الحائض، ولا الجنب شيئاً من القرآن".
2-
إذا قال المدعي: لا
بينة لي، ثم أتى ببينة: 1) فالمذهب: أنها لا تسمع بينته . 2) ولنا قول آخر: أنها تسمع.
واستشكل على المنصوص. إذا قال
الشاهد: لست متحملاً عليك شهادة ثم أداها بعد ذلك. فإن المنصوص عن أحمد : أنها
تسمع .
-
والفرق بين
النصين: أن الشهادة حق عليه. فتسمع بعد النفي. كما لو أقر بالحق بعد جحوده.
والبينة حق له فلا تسمع . كما لو ادعى الحق بعد أن نفاه .
قاعدة ( النكرة في سياق الإثبات، إن كانت للإمتنان عمّت )
أخذاً من استدلال أصحابنا، إذا حلف لا يأكل فاكهة: أنه يحنث
بأكل التمر والرمان، بقوله: {فيهما فاكهة ونخل ورمان }.
من فروع القاعدة:
الإستدلال على طهورية كل ما نزل من السماء، أو نبع من
الأرض، بقوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}.
فإن لم تكن النكرة المثبتة للإمتنان: فإنها لا تعم .
-
إن وقعت النكرة في
الخبر، نحو: جاء رجل، فإنها لا تعم، وإن وقعت في الأمر، نحو: أعتق رقبة، عمت عند
الأكثرين، بدليل الخروج عن العهدة بإعتاق ما شاء.
-
وقد علم منه أنه ليس
المراد هنا: عموم الشمول حينئذ، فيكون الخلاف إنما هو في إطلاق اللفظ، ووجه كونها
في الخبر: أن الواقع شخص ولكن التبس علينا، بخلاف الأمر.
فوائد أصولية
1- دلالة العام على أفراده، هل هي بطريق الظهور ؟ في
ذلك مذهبان:
1) أنها بطريق التنصيص، فإذا تعارضت ولاية العام
والخاص في شيء واحد: أنهما يتساويان. يحكى عن الشافعي والمعتزلة وعن الحنفية
ورواية عن أحمد.
2) أنه بطريق الظهور، واستدلوا لذلك بأن التخصيص
بالتراخي لا يكون نسخاً، ولو كان العام نصاً على أفراده لكان نسخاً
- وظاهر كلام الأكثر: لا فرق في صيغ العموم بين صيغة
وصيغة، وأن الخلاف جار في الجميع.
- لفظة ( كل ) دلالتها على الأفراد نص صريح، بخلاف المرفوع،
فإنه ظاهر .
- النكرة في سياق النفي تفيد العموم ظاهراً إذا لم يكن فيها
حرف ( من ).
فإن كان فيها حرف ( من ) أفادته قطعاً، ولم يحتمل
التأويل كقولك: ما رأيت من رجل وما أشبهه.
2- قول الشافعي t: حكاية الحال إذا تطرق إليها الإحتمال، كساها ثوب الجمال، وسقط
منها الإستدلال.
ونقل أيضاً عنه: ترك الإستفصال في حكاية الحال، مع قيام
الإحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الإستدلال.
واختلف أجوبة الفضلاء عن
ذلك:
1) من يقول إنه مشكل، 2) ومنهم من يقول: هما قولان للشافعي.
قال القرافي: الإحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على
السواء، فتقدح تارة، وتارة تكون في محل مدلول اللفظ، فلا تقدح.
وقول الشافعي t: إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الإحتمال، كساها ثوب الجمال، وسقط
منها الإستدلال. مراده: إذا استوت الإحتمالات في كلام صاحب الشرع.
أما قوله: أن حكاية الحال إذا نزل فيها الإستفصال تنزل
منزلة العموم في المقال، فمراده: إذا كانت الإحتمالات في محل المدلول دون الدليل.
قاعدة
الإستثناء: إخراج بعض
الجملة بإلا، وهي أم الباب، وما قام مقامها، وهي: غير، وليس، ولا يكون، وحاشا،
وخلا، وعدا، وسوى، وما عدا، وما سوى.
-
أما (سيما) إذا
انتصب بعدها المعرفة: فمنع الجمهور النصب، وقال ابن برهان: لا أعرف له وجهاً،
ووجهه بعضهم: بأن (ما) كافة، وأن (لاسيما) بمنزلة إلا في
الإستثناء . فعلى هذا تكون من أدوات الإستثناء .
-
ورد بأن الإستثناء
مخرج، وما بعدها داخل من باب الأولى،
وأجيب: بأنه مخرج مما أفهمه
الكلام السابق من مساواته لما قبلها، وعلى هذا يكون استثناء منقطعاً.
- قد عرف الإستثناء بالإخراج: غير
واحد من أئمة العربية كابن جني وغيره.
وعند الأكثرين: هو إخراج ما
لولاه لوجب دخوله لغة.
وقال بعض العلماء: إخراج ما
لولاه لجاز دخوله.
-
وهذا الإخراج قبل
الحكم أو بعده، فإذا قال: له علي عشرة إلا ثلاثة،
1)
فالأكثرون على أن
المراد بالعشرة سبعة، و(إلا) قرينة مبينة لذلك،
قال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد ومركب.
2)
وقيل: المراد بالعشرة
مدلولها، ثم أخرجت منها ثلاثة، وأسندتا إليها بعد الإخراج.
-
الإستثناء على قول
القاضي: ليس بتخصيص، وعلى قول الأكثرين: تخصيص، لأن اللفظ قد أطلق لبعضه إرادة
وإسناداً،
وعلى الأخير يحتمل، لكونه أريد الكل، وأسند إلى البعض، ويحتمل:
أنه ليس بتخصيص، لأنه أريد تمام مساواته.
-
وقال القاضي: الإستثناء
كلام ذو صيغ محصورة، تدل على أن المذكور فيه لم يُرَد القول الأول.
ولا يلزم عليه القول المتصل بلفظ العموم، نحو قولهم: رأيت
المؤمنين، وما رأيت زيداً، ولم أر خالداً، لقولنا: كلام ذو صيغ محصورة، وحروف الإستثناء
محصورة، وليس الواو منها.
من فروع القاعدة:
1- الإستثناء إذا تعقب جملاً عُطف بعضها على بعض
بالواو، ويصلح عوده إلى كل واحد منها،
1) فإنه يعود إلى جميعها، إلى أن يرد دليل بخلافه.
- قال أحمد: قول النبي e " لا يؤُمّن الرجل الرجل في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا
بإذنه" قال: أرجوا أن يكون الإستثناء عائداً على كله.
2) قالت الحنفية: يعود إلى الأخيرة.
3) قال جماعة من المعتزلة: إن تبين إضراب عن الأولى
فللأخيرة، وإلا فللجميع.
- والإضراب: 1- أن يختلفا نوعاً، كالأمر والخبر،
نحو: أكرم بني تميم، وجاء القوم إلا الطوال،
2- أو يتحدا نوعاً ويختلفا اسماً وحكماً، نحو: أكرم بني
تميم، وأهن بني زيد إلا الطوال،
3- أو يتحدا نوعاً وحكماً ويختلفا اسماً، نحو: سلم على بني
تميم، وسلم على ربيعة إلا الطوال،
4- أو يختلفا نوعاً واسماً لا حكماً، لكن لا يشتركان في عوض
واحد، نحو: سلم على بني تميم، واستأجر بني تميم إلا الطوال.
4) توقف بعضهم لتعارض الأدلة.
5) وقال المرتضي الشيعي: بالإشتراك، كالقرء والعين، لأنه
ورد للأخيرة، وللكل ، ولبعض الجمل المتقدمة.
6) إن كان بينهما تعلق، كأكرم العلماء والزهاد، وأنفق عليهم
إلا المبتدعة، وإلا فللأخيرة.
ماذا يراد بلفظ الجمل ؟
قال أبو البركات: ولفظ الجمل يراد به لما فيه شمول، لا يراد
به الجمل النحوية.
-
الإستثناء في الإقرار، إذا تعقب
جملتين: هل يعود إليهما أو إلى الثانية ؟ على وجهين .
كما لو عطف المستثنى، فهل يصير المعطوف والمعطوف
عليه جملة واحدة، أو هما جملتان ؟ على وجهين .
-
قال أبو العباس: وكثير
من الناس يدخلون في هذه المسألة الإستثناء المتعقب أسماء، فيريدون بقولهم:
(جملاً) الجملة التي تقبل الإستثناء، لا
يريدون بها الجملة من الكلام، وهذا يحتاج إلى الفرق.
-
في المسألة (الإستثناء
إذا تعقب جملاً عُطف بعضها على بعض بالواو): أن واو العطف تجعل الجملة كجملة
واحدة، وأنها للجمع المطلق لا ترتيب فيها، وأنه هو المعنى الموجب لجعل الجمل كجملة
واحدة، وبنوا على ذلك: أنت طالق وطالق وطالق، إلا واحدة، فهل يصح الإستثناء
؟
وأنه لو أتى بالفاء أو بثم لم يصح، لأن الترتيب إفراد
الأخيرة عما قبلها، فاختص بها الإستثناء.
-
قال أبو العباس: موجب
ما ذكروه: أنه لا فرق بين العطف بالواو، أو بالفاء، أو بثم، على عموم كلامهم.
-
ومما يتعلق بعود
الإستثناء إلى الجميع، أو الجملة الأخيرة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً
وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
تضمنت الآية الكريمة: أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام: وجوب
الجلد، ورد الشهادة، وثبوت الفسق.
1)
فمن رأى أن الإستثناء
يعود إلى الأخيرة فقط، وهو أبو حنيفة قال: إذا تاب القاذف زال فسقه، ولم تقبل
شهادته إذا جلد، لأن الإستثناء في قوله {إلا الذين تابوا} لم يتعلق بقوله: {ولا
تقبلوا لهم شهادة أبداً} فيبقى على عمومه في الزمان.
وقد يقال في
الآية: إنها تضمنت حكمين: وجوب الحد، وثبوت الفسق، أما رد الشهادة: فهو من آثار
الفسق، ومترتب عليه، فإذا زال الفسق المؤثر: زال أثره وهو رد الشهادة.
2)
وأما من رأى عوده إلى
الجميع قال: مقتضى هذا الأصل: أن يعود إلى الفسق ورد الشهادة والحد، لكن منع من
عوده إلى الجلد: الإجماع، فإن حد القذف لا يسقط بالتوبة بالإجماع، فيبقى الباقي
على مقتضى الأصل.
قلت: ودعوى الإجماع لا
تصح. فقد جزم بعض العلماء بعوده إلى الجلد.
-
يؤيد أن حد القذف يسقط
بالتوبة: لو قذف شخص شخصاً لا يجب عليه إعلامه والتحلل منه، حتى إنه يحرم عليه
إعلامه بذلك.
قاعدة المطلق والمقيد
المطلق: ما يتأول واحداً غير
معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه، نحو: تحرير رقبة،
والمقيد: ما يتأول معيناً أو
موصوفاً بزائد على حقيقة جنسه، نحو: تحرير رقبة مؤمنة.
-
إن ورد مطلق ومقيد :
فإن اختلف حكمهما لم يحمل أحدهما على الآخر، بلا خلاف.
إلا في صورة، مثل: إن ظاهرت فأعتق رقبة كافرة، أو لا
يعتقها، فإنه يقيد المطلق بنفي الكفر لامتناع الجمع بينهما.
- وإذا ثبت عدم الحمل، فسواء اتفق السبب، كالتقييد
بالتتابع في الصيام في كفارة الظهار، وإطلاق الإطعام فيها،
أو اختلف السبب
كتقييد الصيام بالتتابع في كفارة الظهار.
-
ويشكل على اختلاف
الحكم واتفاق السبب في عدم الحمل: رواية عن أحمد: أنه يحرم وطء المظاهر منها
قبل التكفير بالإطعام، واحتج القاضي بحمل المطلق على المقيد.
فإن اتحد سببهما وكانا مثبتين، نحو: أعتق في الظهار
رقبة، ثم قال: أعتق في الظهار رقبة مؤمنة، حمل المطلق على المقيد عند الأئمة
الأربعة.
-
قلت: قيل
للقاضي في التعليق في خبر ابن عمر t "أمر النبي e المحرم بقطع الخف" ، وأطلق في خبر ابن عباس y، فيحمل عليه.
فقال: إنما يحمل إذا لم
يمكن تأويله، وتأولنا التقييد على الجواز، قال: وعلى أن المروذي قال: احتججت على
أبي عبد الله بخبر ابن عمر هذا، وقلت فيه زيادة، فقال: هذا حديث، وذاك حديث، وظاهر
هذا: أنه لم يحمل المطلق على المقيد.
- وقيل لأبي الخطاب: المراد في التخالف والسلعة قائمة، لقول النبي e: "والسلعة قائمة" ؟
فقال: لا يحمل المطلق على المقيد على وجه لنا.
-
قال أبو البركات: إن
كان المقيد آحاداً، والمطلق متواتراً، فنبني على مسألة الزيادة: هل هي نسخ
؟ وعلى نسخ المتواتر بالآحاد، والمنع قول الحنفية.
1)
الأشهر: أن المقيد
بيان، لأن المراد من المطلق كان هو المقيد لا نسخاً له، وسواء تقدم المطلق على
المقيد أو تأخر عنه.
2)
وذهب قوم: إلى أنه لو
تأخر المقيد على المطلق كان نسخاً له، وإن تقدم عليه كان بياناً.
وجميع ما ذُكر في المقيد نطقاً.
-
أما إن كانت دلالة
المقيد من حيث المفهوم دون اللفظ،
1) فكذلك أيضاً على أصلنا وأصل من يرى دليل
الخطاب وتقديم خاصه على العموم،
2) أما من لا يرى دليل الخطاب أو
لا يخصص العموم به فيعمل بمقتضى الإطلاق.
-
من صور الأمر: التقييد بالمفهوم دون النهي.
-
وإن اتحد سببهما
وكانا نهيين، نحو: لا تعتق مكاتباً ولا تعتق كافراً، أو لا تكفر بعتق، لا يعتق
مكاتباً كافراً، فالقيد دل بالمفهوم.
1)
فمن لا يراه حجة أو لا
يخص العموم به: فإنه يعمل بمقتضى الإطلاق.
2)
ومن يراه حجة ويخص
العموم به : فإنه يعمل بالمقيد.
3)
واختار القاضي: يعمل
بالمطلق، لأنه لا يخص الشيء بذكر بعض ما يدخل تحته.
4)
وذكر الآمدي: أنه لا
خلاف في العمل بمدلولهما، والجمع بينهما، إذ لا يعذر فيه.
ومعناه: أنه يلزم من نفي المطلق نفي المقيد، فيمكن العمل
بهما، فلا يعتق في مثالنا رقبة لا مؤمنة ولا كافرة، بناء على أن ذكر بعض أفراد
العموم لا يكون مخصصاً، فلا فرق بين هذا القول وبين القول العمل بالمطلق.
- ذكر غير واحد من الأصوليين:
أنه إذا اتحد الحكم والسبب، وكانا نهيين من صور العام والخاص، لأنه نكرة في
سياق نفي، والنكرة في سياق النفي عامة لا مطلقة.
-
وإن اتحدا حكماً
واختلفا سبباً، كالرقبة المؤمنة في القتل، والرقبة المطلقة في الظهار، في ذلك
روايتان:
1)
يحمل المطلق على
المقيد من طريق اللغة. 2) لا يحمل.
-
حمل المطلق على المقيد
بعلة جامعة بينهما:
1)
جائزة عندنا وعند
الشافعية والمالكية.
2)
المنع في رواية لنا،
لأن المطلق كالعام .
3)
قال الماوردي: يعتبر
أغلظ الحكمين، فإن كان حكم المطلق أغلظ: حُمل على إطلاقه، ولم يقيد إلا بدليل، وإن
كان العكس فالعكس، لئلا يؤدي إلى إسقاط ما تيقنا وجوبه بالاحتمال.
-
حمل المطلق على المقيد
بالنسبة إلى الوصف: كوصف الرقبة بالإيمان في القتل،
وأما بالنسبة إلى الأصل –أي المحذوف بالكلية- فكالإطعام
المذكور في كفارة الظهار، دون كفارة القتل.
فالظاهر: يحمل المطلق على المقيد في الأصل، كما حمل عليه في
الوصف، لأنهم حكموا في كفارة القتل في وجوب الإطعام روايتين: الوجوب، إلحاقاً
لكفارة القتل بكفارة الظهار.
دل هذا على: أنه لا
فرق في الحمل بين الأصل والوصف، فممن قال: بأن لا فرق في الحمل بين الأصل والوصف،
ولكن قيل: المراد بحمل المطلق على المقيد: إنما هو المطلق بالنسبة إلى الوصف دون
الأصل.
فائدة
قال طائفة: إن المطلق من الأسماء يناول الكامل من
المستثنيات في الإثبات، لا النفي.
فائدة
إذا قلنا: يحمل المطلق على المقيد، فإنما محله: إذا لم
يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن استلزمه حمل على اطلاقه.
مثال ذلك: إطلاق النبي e لبس الخفين بعرفات وكان معه الخلق العظيم من أهل مكة، والبوادي،
واليمن، لم يشهدوا خطبته بالمدينة، فإنه لا يقيد بما قاله في المدينة، وهو قطع
الخفين.
ونظير هذا في حمل اللفظ على إطلاقه: قول النبي e لعائشة لما سألته عن دم الحيض "حتّيه ثم اقرصيه، ثم اغسليه
بالماء" ولم يشترط عدداً، مع أنه وقت حاجة.
فلو كان العدد شرطاً لبينه، ولم يُحلها على ولوغ الكلب، فإنها ربما لم تسمعه، ولعله لم يكن شرع الأمر بغسل ولوغه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق