الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

لحوم العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم

لحوم العلماء مسمومة
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد
رحم الله ابن عساكر حين قال : ((  أعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإيّاك  ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته  - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب )). { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

مكانة العلماء وفضلهم :
من عقيدة أهل السنة والجماعة -  كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - : ( أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة ) ،  أي أن أهل السنة والجماعة ، يتقربون إلى  الله – تعالى – بتوقير العلماء ، وتعظيم حُرمتهم .
   قال الحسن: ( كانوا يقولون : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ).
   وقال الأوزاعي: ( الناس عندنا أهل العلم . ومن سواهم فلا شيء ).
ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات ، قال الله تعالى:
{ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تَقْوَى القلوب }.
والشعيرة- كما قال العلماء - : كلُّ ما أذِنَ اللهُ وأشعَرَ بفضله وتعظيمه.  العلماء – بلا ريب – يدخلون دخولاً أولياً فيما  أذِن اللهُ وأشعر الله بفضله وتعظيمه ، بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإِيراد .
     إذن ، فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يُعدُّ إعراضاً أو تقصيراً في تعظيم شعير من شعائر الله ، وما أبلغ قول بعض العلماء : ( أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم ).
وإن مما يدل على خطورة إيذاء مصابيح الأمة ( العلماء ) ، ما رواه  البخاري عن أي هريرة رضي الله عن ، قال : قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله- عز وجل-  في الحديث القدسي : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب  )). رواه البخاري .
 روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله - أنهما قالا: (  إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي  ). قال الشافعي: ( الفقهاء العاملون ). أي أن المراد : هم العلماء العاملون .
وقال ابن عباس رضي الله عنهم: ( من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله -عز وجل- ) .
لعل في هذه النصوص تبييناً لفضل العلماء ، وتذكيراً ببعض ما يجب لهم علينا من الحقوق .

خطورة اللسان
ولْنقِفْ وقفة ًلا بد منها في هذا المقام ، للتنبيه إلى خطورة اللسان ؛ لأننا قد تمادينا في التساهل بأمره ، والغفلةِ عن صونه من الزّلل .
إن النصوص تدل على خطورة أمر هذه الجارحة ، وفداحة الخسارة الناجمة عن التهاون في حفظها ، قال الله – تعالى – في شأن الإفك :  { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } .
ولذلك جاء الأمر بحفظ اللسان ،  والتحذير من إطلاق العنان له :
  { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } .
وفي الحديث الذي رواه الترمذي:(( وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )).[1]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : (( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذية ؛  أضمن له الجنة )). رواه البخاري .
يُصاب الفتى من عثرةٍ  بلسانه ******* وليس يصاب المرء من عثرة الرجل

فعثرته في القول تذهب رأسه *******  وعثرته بالرجل تبرأ على مهــل

لئن كانت غيبة العلماء من أشد وأقبح أنواع الغيبة ،  فإن هذا لا يعني أن لحوم غيرهم من الناس مباحة ، بل هي محرمة كذلك ؛ قال تعالى : { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيُحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه }.

أسباب أكل لحوم العلماء
  1-  الغَيرَة والغِيرة :
أما الغَيرَة –بالفتح - فهي محمودة ، وهي أن يغار المرء وينفعل من أجل دين الله، وحرمات الله - جل وعلا- لكنها قد تجر صاحبها – إن لم يتحرز- شيئا فشيئاً حتى يقع في لحوم العلماء من حيث لا يشعر .
وأما الغِيرَة – بالكسر-  فهي مذمومة وهي قرينة الحسد،والمقصود بها هو : كلام العلماء بعضهم في بعض من ( الأقران ) . قال سعيد بن جبير: ( استمعوا لعلم العلماء ، ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايراً من التيوس في ضرابها ) .   أي : استفيدوا من علم العلماء ،ولكن لا تصدقوا كلام العلماء بعضهم على بعض ، من الأقران.
ولذلك قال الذهبي:(كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به،لاسيما إذا كان لحسدٍ أو مذهب أو هوى)
 2- الحسد :
       الحسد يُعْمي ويُصمّ ، ومنه التنافس للحصول على جاه أو مال، فقد يطغى بعض الأقران على بعض ، ويطعن بعضهم في بعض ؛ من أجل القرب من سلطان ، أو الحصول على جاه أو مال.
 3- الهوى:
        إن بعض الذين يأكلون لحوم العلماء لم يتجردوا لله – تعالى – وإنما دفعهم الهوى، للوقوع في 
 أعراض علماء الأمة . و اتباع الهوى لا يؤدي إلى خير ، قال - تعالى- : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( صاحب الهوى يُعْميه الهوى ويُصمه ).
 4 - التقليد:
التقليد الذي يؤدي إلى نهش لحوم العلماء ، فإنك - أحياناً -  تسمع بعض الناس يقع في عرض عالم، فتسأله: هل استمعت إلى هذا العالم؟ فيقول : لا والله . فتقول : إذن كيف علمت من حاله وأقواله كذا وكذا؟! فيقول:  قاله لي فلان.[2] هكذا يطعن في العالم تقليداً لفلان ، بهذه السهولة ، غير مراعٍ حرمة العالم .
  قال ابن مسعود:( ألا لا يقلدنا أحدكم دينه رجلاً إن آمنَ آمن ، وإن كفرَ كفر ، فإنه لا أسوة في الشر).
وقال الإمام أحمد: ( من قِلة علم الرجل أن يقلِّد دينه الرجال ).
  5 - التعصب:
والباعث على التعصب هو الحزبية ، الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد ، الحزبية الضيقة التي فرقت المسلمين شيعاً، حتى صدق على بعضهم قول الشاعر :  وهل أنا إلا من غُزية إن غوت  ******  غويت إن ترشد غزيةُ أرشد
إن هذا التعصب مخالف للمنهج الصحيح، الذي يدعونا إلى أن نأخذ بالحق مهما كان قائله ، ولهذا قال أبو حامد الغزالي في ذم التعصب:( وهذه عادة ضعفاء العقول ؛ يعرفون الحق بالرجال،لا الرجال بالحق ).
  6 – التعالم :
        لقد كثر المتعالمون في عصرنا ، وأصبحت تجد شاباً حدثاً يتصدر لنقد العلماء، و لتفنيد آرائهم وتقوية قوله ، وهذا أمر خطير ؛ فإن منْ أجهل الناس منْ يجهل قدر نفسه ، ويتعدى حدوده .
 7- النفاق وكره الحق :
 قال الله – تعالى - عن المنافقين: { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنُؤمِن كما آمن السفهاءُ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون}
إن المنافقين الكارهين للحق؛من العلمانيين ، والحداثيين، والقوميين، وأمثالهم من أقوى أسباب أكل لحوم العلماء؛ لما في قلوبهم من المرض والبغض للحق وأهله .
  8- تمرير مخططات الأعداء كالعلمنة ونحوها:
   أدرك العلمانيون - أخزاهم الله – أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة، والعلماء لهم وشأن هيئة وهيبة في  البلد فأخذوا في النيل من العلماء، وشرعوا في تشويه صورة العلماء، وتحطيم قيمتهم، بالدس واللمز، والافتراء والاختلاف .
 

الآثار المترتبة على الوقيعة في العلماء :

إنّ هناك عواقب وخيمة ، ونتائج خطيرة ، وآثاراً سلبية ، تترتب على أكل لحوم العلماء؛ والوقوع في أعراضهم . يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع ، ووسع أفقه ، وأبعد نظره ، وإليك أهمها  :
1-  إن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق :
إن جرح العالم ليس جرحا شخصياً، كأي جرح في رجل عامّي ، ولكنه جرح بليغ الأثر ، يتعدى الحدود الشخصية ، إلى رد ما يحمله العالم من الحق .
ولذلك استغل المشركون من قريش هذه الأمر ، فلم يطعنوا في الإسلام أولاً ، بل طعنوا في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم يعلمون – يقيناً - أنهم إذا استطاعوا أن يشوهوا صورة الرسول صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس ؛ فلن يقبلوا ما يقوله من الحق، قالوا : إنه ساحر، كاهن ، مجنون .... ولكنهم فشلوا.
2- أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وهو ميراث النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ 
إذ العلماء ورثةُ الأنبياء، فجرح العالم جرحٌ للنبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا هو  معنى قول ابن عباس : ( أن من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله - جل وعلا - ) إذن ، فالذي يجرح العالم ؛ يجرح العلم الذي معه.
ومن جرح هذا العلم ؛ فقد جرح أرث النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وعلى ذلك فهو يطعن في الإسلام من حيث لا يشعر.
3- أن جرح العلماء سيؤدي إلى بعد طلاب العلم عن علماء الأمة،
وحينئذ يسير الطلاب في طريقهم بدون مرشدين ؛ فيتعرضون للأخطار والأخطاء ، ويقعون في الشطط والزلل.
4 - أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة:
وكذلك وذهاب لهيبتهم ، وقيمتهم  في صدورهم ، وهذا يسُرُّ أعداء الله ، ويفرحهم .  
يقول أحد الزعماء الهالكين في دولة عربية بعد أن سلط إعلامه على العلماء مستهتراً  مستهزئا بهم - :  ( عالم .. شيخ .. أعطه فرختين ؛  فيفتي لك بالفتوى التي تريد ).
5 -  تمرير مخططات الأعداء :
ومن الأمثلة الواقعية لذلك : الطعن في رجال الحُسْبة ، والطعن في القضاة ، والطعن في الدعاة .

المنهج الصحيح والعلاج الناجح لهذه القضية
وبعد أن عرفنا الآثار المترتبة على أكل لحوم العلماء ، ننتقل إلى بيان المنهج الصحيح ،ووصف العلاج الناجح تجاه تلك القضية ، وذلك في نطاق آفاق ثلاثة :
1-                    ما يجب على العلماء في هذا المجال .
2-                    ما يجب علينا تجاه العلماء .
3-                    السبيل السليم لبيان الحق ، بدون الوقوع في العلماء .
  أولاً : ما يجب على العلماء :
إن على العلماء أن يحُموا أنفسهم ، ويسدوا الذرائع المفضية إلى أكل لحومهم . وقدوتهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال :(( على رسلكما . إنها صفية )) هكذا دافع المصطفى عليه الصلاة والسلام عن نفسه وحمى عرضه ، مع أن الموقف مع صحابته الأطهار الأخيار، حتى لقد استغربوا من قوله، فبين لهم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
ويمكن بيان كيفية حماية العلماء لأنفسهم في الأمور التالية :
1- أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله:
 ومن هنا جاء في القرآن التحذير من تخالف العلم والعمل، قال تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.
يـا أيها الرجل المعلم غيره  ****** هلا لنفـسك كـان ذا التعلـيم
لا تنه عن خلق وتأتي غيره  ******  عار عليك إذا فعلت عـظـيم
2 - أن يتثبت العالم في الفتوى ويكمل شروطها :
فإذا طُلب من العالم أن يفتي في أمر ما ، فعليه أن يتأمل ويتأني  ، ويتتبع أسباب الاستفتاء ، والآثار المترتبة على فتواه ، والمراد الحقيقي من هذه الفتوى، ثم يُفتي بعد أن يستكمل شروط الفتوى : من فقه الأصول ، وفقه الفروع ، وفقه الواقع.[3]
ولا يصح أن يكتفي العالم بأن يُقال له : الأمر كيت وكيت . ثم يبني فتواه على ما قيل له ، بدون تثبيت وتأكُّدٍ وتتبع ؛ فيعرض نفسه للألسنة لتقع فيه ، وتنال منه ، بسبب تعجله وعدم تحريه .
3- أن يحذر العالم من الاستدراج، والاستغفال والتدليس :[4]
هناك من يستدرج العلماء، وهناك من يستغفلهم ، هناك من يُلبّس عليهم، ولذلك يجب على العالم أن يكون فطناً متنبهاً ، كما قال عمر رضي الله عن :( لست بالخب ولا الخب يخدعني ) . وهذا لا ينافي سلامة القلب ، والأخذ بالظاهر ، ولكنه يعني الحيطة والحذر .
4- أن يكون جريئا في الحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم :
ينكر المنكر ، ويأمر بالمعروف ، ويقول للمسيء : أسات . كائناً من كان ذلك المسيء .
ولْنَسُقْ هنا ثلاثة أمثلة للجرأة في الحق ، من عصور مختلفة : 
موقف أبي سعيد الخدريرضي الله عن مع مروان بن الحكم ، عندما دخل مروان المصلي في يوم العيد ، واتجه إلى المنبر ليخطب قبل الصلاة ، فجذبه أبو سعيد ، وقال منكراً عليه : غيرتم والله . فقال مروان : قد تُرك ما هنالك .
  ثانياً :  ما الواجب علينا اتجاه علمائنا :
 1- أن نحفظ للعلماء مكانتهم و فاعليتهم في قيادة الأمة وأن نتأدب معهم :
قال العراقي: (لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء ).
 وقال ابن الشافعي: ( ما سمعت أبي ناظر أحداً قط فرفع صوته ).
وقال يحيى بن معين: ( الذي يحدث في بالبلد وفيها من هو أولى منه بالتحديث فهو أحمق ).
وقال الصُّعلوكيّ: ( من قال لشيخه: لم - على سبيل الاستهزاء -  لم يفلح أبدا ).
وتأدب ابن عباس رضي الله عن مع عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه - حيث مكث سنة يريد أن يسأله عن مسألة من مسائل العلم ، فلم يفعل .
وقال طاووس بن كيسان : ( من السُّنة أن يُوقر العالمُ ).
وقال الزهري : ( كان سلمةَ يماري ابن عباس ؛  فحُرم بذلك علماً كثيراً ).
وقال البخاري : ( ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين ).
وقال المغيرة: ( كنا نهاب إبراهيم كما نهاب الأمير ).
وقال عطاء بن أبي رباح : ( إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنُصت له كأني لم أسمعه أبداً .  وقد سمعته قبل أن يولد ).
وقال الشافعي: ( ما ناظرت أحداً قط إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه).
ذُكر أحد العلماء عند الإمام أحمد بن حنبل - وكان متكئاً من علة - فاستوى جالساً وقال لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ  
2- أن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله ، وهم الأنبياء[5] والملائكة.
وعلى ذلك فيجب أن ندرك أن العالم معرضٌ للخطأ ، فنعذره حين يجتهد فيخطئ ، ولا نذهب نتلمس أخطاء العلماء ونحصيها عليهم .
قال الإمام سفيان الثوري: ( ليس يكاد يثْبُتُ من الغلط أحد ).
وقال الإمام أحمد: ( ومن يعرى من الخطأ والتصحيف !! ).
وقال الترمذي: ( لم يسلم من الخطأ والغلط كبيرُ أحدٍ من الأئمة مع حفظهم ).
3 - أن ندرك أن الخلاف موجود منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة :
لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء، فلكل واحد منهم فهمه ، ولكل واحد إطلاعه على الأدلة ، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور ؛ فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم .
4- أن نفوت الفرصة على الأعداء، و ننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم، وأن ندافع عن علمائنا،لا أن نكون من وسائل تمرير مخططات الأعداء من حيث لا يشعرون
5 - أن نحمل أقوال علمائنا وآراءهم على المحمل الحسن، و ألا نسيء الظن فيهم ، وإن لم نأخذ بأقوالهم.
حقاً أننا لسنا ملزمين بالأخذ بكل أقوال العلماء،لكن ثمة فرقاً كبيراً بين عدم  الأخذ بقول العالم-  إذا كان هناك دليل يخالفه -  الجرح فيه ، فلا يعني عدم اقتناعنا برأي العالم أن نستبيح عرضه ، ونأكل لحمه .
قال عمر رضي الله عن: ( لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ).
6 - أن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا نحن، وننشغل بها عن عيوب الناس عامة،  وعن أخطاء العلماء خاصة.
وما مثل من يقع في أعراض العلماء وينسى نفسه إلا كما قال الشاعر  :
         كناطح صخرة يوما ليوهنها  ********  فلم يضرها ،  وأوهى قرنه الوعـل
  قد يقتصر العالم، ولكن هل يعني  تقصيره أن  نترك علمه وعمله ؟!
أعمل بعلمي وإن قصرت في عملي *******  ينفعك علمي ، ولا يضررك تقصيري

   ثالثاً : السبيل السليم لبيان الحق ،  بدون الوقوع في العلماء .

المنهج الصحيح الذي نجمع فيه بين بيان الحق وحماية أعراض علمائنا , غير ملتزمين بقولٍ إلا إذا كان مقروناً بالدليل
   يمكن توضيح ذلك المنهج كما يلي : 
1 - التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء .
فقد ُتشاع عن العلماء أقوال ؛ لأغراض لا تخفي . فيجب التأكيد مما يُنقل عن العلماء ،فقد يكون غير صحيح ، ولا أساس له .
 إذن، فالتحقيق من صحة ما يُعْزي إلى العالم يُعد خطوة أولى في المنهج الصحيح، الذي نحن بصدده.
2 – أن نعرف أن عدم الأخذ بقول العالم ، وأن مناقشته والصدع ببيان الحق، يختلف تماماً عن الطعن في العلماء، فالفرق بين الأمرين عظيم جداً .  يجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى ، إن لم توافق الدليل، ولكن لا يجوز لنا الطعن في العلماء.
3 - أن يقصد المتحدث بكلامه وجه الله - جل وعلا -
فيستحضر الإخلاص،ويحذر من الأغراض الشخصية العارضة كالهوى، والتشفي،وحب الظهور.
  4 - الإنصاف والعدل : ا
المتأمل في واقع بعض طلاب العلم يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله العالم، أو يردُّوا كل ما يقوله، وهذا خلاف ما أمر الله – تعالى – به من العدل والإنصاف ، قال تعالى : { ولا يَجْرمَنَّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض ).
والعدل والإنصاف مع العلماء يتضمن أموراً :
 أ- الثناء على العالم بما هو أهل له .
ب- عدم التجاوز في بيان الخطأ الذي وقع فيه , فإذا وقع أحد العلماء في خطأ، وأردت أن تبين خطأه، فلا تذهب تُحصي جميع أخطائه ، وتستطيل في عرضه ،وإنما احصر حديثك في القضية التي تريد بيان الحق فيها ،  ولا تتجاوزها ، وإياك أن يستجرك أحد إلى تجاوزها .
5 - أن نسلك منهج رجال الحديث في تقويم الرجال :
6- أن نعلم أن خطأ العالم على نوعين : خطأ في الفروع ، وخطأ في الأصول .
أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية، يجوز فيها الخلاف، فإذا أخطاء فيها العالم؛ بيّناّ  خطأه فيها ، بدون تعرض لشخصه .
وأما مسائل الأصول ( العقيدة )، فيبيَّن القولُ الصحيح فيها ،  ويحذر من أهل البدع في الجملة، وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته ، بدون إفراط ولا تفريط.
يقول شيخ الإسلام : ( أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض ) ، فالمبتدعة يأكل بعضهم لحوم البعض، وكل فئة تغمط الأخرى حقَّها،وأما أهل السنة فينصفون ،حتى مع الكفار،فضلاً عمَّن كان مخطئاً خطأ ً دون الكفر .
7- إذا أمكن الاتصال بمن وقع منه الخطأ سواء في الأصول أو الفروع، لعله يرجع إلى الصواب ، فهذا أولى .
لأن الحق هو المقصود، وفي رجوع المخطئ بنفسه عن قوله وإعلانه ذلك للناس خير كثير؛ لأنك إن رددت عليه ، وبينت الحق ؛ فقد يقتنع نصف الناس، وإما إذا رجع هو بنفسه بعد مناصحتك له ، وتخويفك إياه بالله ؛ فسيقتنع كل الناس الذين أخذوا بقوله .


[1]  - رواه الترمذي وصححه الألباني في إرواء الغليل .
 -[2] وليس المراد أن فلاناً نقل له كلامه – فهذا هو السند وهو مصدر صحيح إذا كان الناقل ثقة ، ولكن المراد أن فلاناً سبّه وقدح فيه ، فسبه تبعاً له دون تبين .
[3]  - إلا إذا كانت المسألة مما لا يحتاج إلى مثل ذلك كالفتوى في مسائل محددة مقررة فقد لا تحتاج إلى فقه الواقع .
[4]  - وهذا من باب قوله تعالى : { خذوا حذركم } وقوله : {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } .
[5]  - لا تخفي عقيدة أهل السنة في موضوع عصمة الأنبياء وفي حدود هذه العصمة فليعلم ، ومن أراد مزيد بيان فليراجع إلى شرح العقيدة الطحاوية . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق